التعامل بين الناس في الإسلام
إن الناس منذ خلقهم الله وهم مختلفو الطبائع والرغبات والميول. روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنودٌ مجندةٌ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف “، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:”إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب”.
فلا شك أن معاملة هذه الاختلافات معاملةً واحدةً لا يستقيم، فما يلائم هذا لا يناسب ذاك، وما يحسُنُ مع هذا لا يجمل مع غيره، لذا قيل:(خاطبوا الناس على قدر عقولهم ) فكان شأنه صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل معهم وينزل الناس منازلهم، ومنها توزيعه صلى الله عليه وسلم بعض أموال الغنائم والفيء على أناسٍ دون أناس، وكذلك تقسيمه الأعمال والمهام على أصحابه كُلٌّ بحسبه، فما أوكل إلى حسان غير ما أوكل إلى معاذ ويصح ذلك مع أبي بكر وعمر وصهيب وخالد وبقية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، إنها المعرفة بنفسيات الناس وما يطيقون وما يحبون، ومعرفة الدخول إلى القلوب.
وكثير من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا التعامل مع الإنسان فمن الأمثلةٌ المتعلقةٌ بالسلوك المصاحب للكلام قد يقول إنسانٌ كلاماً معيناً تحس منه أنه يقوله من قلبه، وآخر يقول الكلام نفسه غير أنك تحس أنه يقوله من فمه لا من قلبه، وإنسان يكلمك وهو ينظر إليك فـهو يحترمك ويقدرك،وآخر يكلمك وهو ينظر إلى ورقة أمامه أو إلى مكان آخر، غير مهتمٍ بك وهناك أمثلةٌ أخرى تتعلق بمحتوى الكلام أو طريقته أو كيفية التعامل العملي مع الناس.
أيها المؤمنون هناك دوافع تُحرِّك المسلم إلى حُسنِ التعامل: منها أن يكون من خير الناس أو خيرهم: فالمسلم يبحث عن رضا الله ومحبته، وأن تتحقق الخيرية في نفسه ويكون من خير الناس أو خيرهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :”خير الناس أحسنهم خُلُقاً” فالمسلم لايُحسِّنُ خلقه ليكسب مصلحة، إنما ليكسب رضا الله عز وجل، ويبقى على حسن خلقه سواءً رضي الناس أم لم يرضوا تحسنت العلاقة أم لم تتحسن، كسب الود أم لم يكسب، فالأجر ثابتٌ على أيَّة حالٍ، وهذا هو ضمان الاستمرارية. ويقول صلى الله عليه وسلم :” إن الرجل ليدرك بحسن خُلـُقه درجة قائم الليل وصائم النهار “، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :”المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس”.
ثم إن الله سبحانه أمر رسوله صلى الله عليه و سلم وهو القدوة لنا أن يلتزم الحكمة في التعامل مع الناس لأن ذلك دليل كمال العقل، يقول الله عز وجل: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين”، ومن المعاملة بالحسنى ليونة جانبه صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله تعالى، ولو لم يكن كذلك لخسر الناس ولانفض أصحابه من حوله فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل صلى الله عليه وسلم من أراد فليأت ومن لم يرد فلا يهمنا أمره، بل كان حريصاً عليهم رؤوفا رحيما بهم، يقول تعالى:”فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر “، والعفو والتجاوز عن أخطاء الناس وغض الطرف عنها وطلب المغفرة لهم وسيلةٌ من وسائل تشجيعهم وتنمية السلوك الطيب فيهم. ومشاورتُهم في الأمر تعني احترام رأيهم وتقديرُهم وإعطاؤُهم القيمة عند التعامل معهم.
ومن القواعد الثابتة المشتركة في التعامل مع الناس: أن حديثنا وموضوعنا عن التعامل هو مع الأسوياء من الناس، أما الشواذ فتكون لهم معالجة فردية، فالسويُّ من إذا أكرمته عرف المعروف، والشاذ من يتمرد إذا أنت أكرمته.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ثم تختلف طريقة التعامل تبعاً لاختلاف العلاقة: علاقة الوالد مع ولده علاقة الزوج مع زوجته، علاقة الطالب مع شيخه، علاقة الرئيس مع مرؤوسه والعكس. فلكل علاقة آداب وأخلاق وسلوك مناسب.
كذلك إن التعامل يتغير باختلاف الأفهام والعقول، فالرجل الذكي الفاهم الواعي تختلف طريقة تعامله عن الشخص الآخر المحدود العقل المحدود الفهم المحدود العلم، ومن جعل الناس سوا فليس لحمقه دوا.
ثم يختلف أسلوب التعامل أيضا باختلاف الشخصية، فطريقة التعامل من شخص شكَّاكٍ وحسَّاسٍ تختلف عنها مع شخصٍ سويٍّ، فالطريقة تختلف باختلاف الشخصيات والصفات التي تكون بارزةً فيهم، ولا تنس أخي المؤمن أختي المؤمنة وهذا مهمٌ للغاية: أن علاقتك مع الآخرين تُهمهم أيضا بقدر ما تهمك أنت، فحين تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيونهم وتعبر عما في نفسك من زاويتهم، وبمعنى آخر أبدِ لهم اهتمامك بهم، أكثر من اهتمامك بمصلحتك الشخصية، اجعلهم يتحمسون لما تريد منهم أن يفعلوه عن طريق اتخاذ الموقف من جانبهم.
ذ. سعيد منقار بنيس