التضخم في المغرب.. مسار متصاعد يتجاوز توقعات الحكومة
يواصل معدل التضخم تحطيم أرقام قياسية في تاريخ المملكة المغربية، وبلغ حسب مذكرة إخبارية للمندوبية السامية للتخطيط 10.1 في المائة على أساس سنوي. وتجاوز التضخم كل الفرضيات التي ارتكزت عليها الحكومة في قانون المالية لسنة 2023 والتي تعهدت بحصر نسبة التضخم في حدود 2%.
وبالعودة إلى معدل التضخم في المغرب خلال 10 سنوات الماضية وتحديدا من 2011 إلى 2021 تُظهر الإحصائيات الرسمية الوطنية والدولية أن معدلاته كانت تتراوح بين أقل من 1 في المائة وأكثر من 2 في المائة، غير أن هذا الأمر بدأ في التسارع ليصل اليوم إلى أزيد من 10 في المائة.
التضخم “بنيوي”
التضخم في تعريفه البسيط، يعني الارتفاع الواسع النطاق في أسعار السلع والخدمات والعناصر المكونة لها مما يؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية، وهو مؤشر محسوس عند الدخول إلى الأسواق حيث يلاحظ غلاء الأسعار بشكل شامل.
وأكد منتدى دافوس العالمي للاقتصاد في تقرير بعنوان “المخاطر العالمية لسنة 2023″، أن أكبر خطر يهدد المملكة المغربية خلال العام الجاري 2023 هو ارتفاع تكلفة المعيشة، متوقعا أن يستمر هذا التهديد لعامين مقبلين.
ويتسق توقع منتدى دافوس مع ما قاله المندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي في حوار مع موقع “ميديز24” من أن التضخم في المغرب محلي وليس مستوردا، وسببه هو ضعف الإنتاج الداخلي وليس ارتفاع الطلب، وتوقعات المندوبية باستمرار الارتفاع.
ونفس الشيء لاحظه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في نشرة بعنوان “نقطة يقظة”، ونبه إلى وجود عوامل داخلية أثرت على الأسعار، وأدت لتوسع نطاق ارتفاع الأسعار ليشمل المنتجات غير التجارية. منها إشكالية ضعف تنظيم الأسواق الخاصة بالمنتجات الفلاحية وتعدد الوسطاء.
الاحتكار والتلاعب
البنك الدولي لاحظ هو الآخر أن هناك تباينا كبيرا بين أسعار المنتجات الفلاحية في الحقول مقارنة بما هو عند تجار التقسيط في المغرب، معتبرا في تقرير أصدره بعنوان “الاستجابة لصدمات الإمداد” أن ذلك “غير مبرر”، مطالبا في الوقت نفسه الحكومة إلى تطبيق سياسات هيكلية لتخفيف القيود على سلاسل الإمداد.
وفي هذا الشأن صدر توجيه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق رسالة إلى مندوبي الشؤون الإسلامية لتخصيص موضوع خطبة الجمعة للحديث عن النهي عن احتكار السلع والتلاعب بالأسعار، بسبب ملاحظة قضية الاحتكار والعوامل الداخلية التي أشار إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
وأثر ذلك على مؤشر ثقة الأسر المغربية الذي تابع منحاه التنازلي ليصل لأدنى مستوى له منذ بداية البحث من لدن المندوبية السامية للتخطيط عام 2008، حيث صرحت نسبة 83.1 في المائة من الأسر بتدهور مستوى معيشتها خلال 12 شهرا السابقة.
وأكد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي في حوار مع جريدة الكترونية أن الحكومة اتخذت إجراءات عملية من أجل عودة أسعار المنتجات الفلاحية إلى طبيعتها، مشيرا إلى أن مساحة إنتاج الخضروات في المغرب اليوم كافية وتلبي حاجيات السوق الوطنية.
مقترحات وتوصيات
تحاول مؤسسات وهيئات تقديم مقترحات لمعالجة هذه الظاهرة، وفي هذا الشأن تقدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعدة تدابير آنية قصيرة المدى وأخرى متوسطة المدى لمعالجة ظاهرة الغلاء، وصلت إلى حد المطالبة بانزال عقوبات رادعة في حالة انتهاك القواعد.
واقترح مرصد العمل الحكومي في تقرير “رصد مناقشة ومصادقة البرلمان على قانون المالية 2023″، مباشرة الإصلاحات الضرورية لتوحيد الضريبة على الدخل، وتوسيع الوعاء الضريبي، ومنع التملص الضريبي وخلق شروط متكافئة لتأدية الضريبة، داعيا إلى اعتماد المقاربة التشاركية.
كما طالبت حركة التوحيد ولإصلاح في “نداء من أجل العيش بكرامة في وطن آمن مستقر“ التدخل العاجل في اتّجاه تبديد حالة القلق العام، داعيا السلطات العمومية بالتعجيل باتّخاذ وتنزيل إجراءات ملموسة ناجعة؛ كفيلة بإيقاف تدهور القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات، وتخفيض أسعار المحروقات.
وأكدت الحركة على ضرورة القيام العاجل بالإصلاحات القانونية والمالية الكفيلة بالضّرب على أيدي المضاربين المحتكرين الذين يغامرون بالمصالح العليا للبلاد، وعلى ضرورة وَصْدِ كل منابع الإثراء غير المشروع، والوقوف بحزم في وجه كلّ أنواع الفساد والريع الاقتصادي، والاستجابة للمطالب الملحّة التي تَضْمَنُ العيش الكريم للمواطنين والمواطنات.
واقترح المرصد الاقتصادي التابع للبنك الدولي في تقرير “الاقتصاد المغربي في مواجهة صدمات العرض” على المغرب اعتماد حزمة سياسات تتضمن تقديم دعم عام للمواد الغذائية الأساسية وعدم زيادة أسعار السلعة المنظمة للتخفيف من آثار زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة على الأسر المعيشية.
موقع الإصلاح