البيان الختامي للجمع العام الثاني لحركة التوحيد والإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
البيان الختامي الصادر عن الجمع الثاني للحركة
بفضل الله وتوفيقه عقدت حركة التوحيد والإصلاح أيام 13 و 14 و 15 دجنبر 2002 جمعها العام الثاني، وافتتحت أشغال الجمع العام بجلسة عامة يوم الجمعة 13 دجنبر 2002 بالرباط، بحضور عدد من العلماء والمفكرين وقيادات الحركة الإسلامية وفعاليات سياسية ومدنية وتواصلت أشغال الجمع العام يومي 14 و15 دجنبر ببوزنيقة بالمركب الدولي للشباب.
وكان الجمع العام مناسبة لتقييم أعمال الحركة خلال الأربع سنوات الماضية ووضع الخطوط العريضة لأولوياتها و انتخاب قيادتها للسنوات الأربع المقبلة حيث اختار الجمع الدكتور أحمد الريسوني رئيسا للحركة والأستاذ محمد الحمداوي نائبا له و أصبحت تركيبة المكتب التنفيذي تتكون من كل من: الأستاذ عبد الناصر التيجاني باعتباره منسقا لمجلس الشورى والإخوة رشید بلفقيه وعبد الجليل الجاسني وعبد السلام بلاجي ومحمد عز الدين توفيق وسعد الوديي وأوس الرمال وعبد الإله بنكيران وعبد الله بها ومحمد يتيم وسعد الدين العثماني وعبد الرحيم شيخي ونعيمة بنيعيش أعضاء في المكتب التنفيذي.
وتميزت أشغال الجمع العام بأجواء أخوية وبروح عالية من الحوار الصريح والمسؤول سجل من خلالها أعضاء الجمع العام ما حققته الحركة من إنجازات تتمثل في تثبيت تجربة الوحدة وتعزيزها ودعم حضور الحركة وتفاعلها الإيجابي مع المجتمع وقضاياه، وتم التأكيد على ضرورة مواصلة العمل في إطار المبادئ والأهداف والمجالات التي حددها الميثاق، وعلى تعزيز الطابع الرسالي للحركة وأعضائها التزاما ودعوة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر واعتبار كل ذلك شعارا عاما ينتظم أولويات الحركة خلال المرحلة المقبلة، مع التأكيد على ضرورة مواصلة العناية بالوظائف الرئيسية التي انتدبت الحركة نفسها لها ومواصلة الانفتاح والتعاون مع مختلف هيئات ومؤسسات المجتمع.
وإن الجمع العام إذ يسجل بإيجابية وارتياح تحسن الوضعية القانونية للحركة الشيء الذي تجسد من خلال عقد جمعها العام الثاني في ظروف عادية – ويدعو إلى أن يشمل هذا النهج كل الجمعيات والحركات التي أودعت تصريحاتها بشكل قانوني لدى السلطات العمومية – يؤكد على ما يلي:
1– عزم الحركة على مواصلة السير على نهجها الإصلاحي المتمثل في إقامة الدين في جميع مجالات الحياة سبيلها في ذلك الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن والإسهام في تربية الناس على الإسلام عقيدة وأحكاما وأخلاقا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار الضوابط الشرعية أولا، ووفقا لأحكام القانون ثانيا، بعيدا عن كل أشكال الغلو والتطرف بما تقتضيه ذلك من تجديد في فهم الدين وفي العمل والالتزام بأحكامه سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو على مستوى الدولة والأمة.
2 – تؤكد حركة التوحيد والإصلاح أنها حركة إسلامية أصيلة وتجديدية لا تحتكر الإسلام ولا تعتبر نفسها ناطقا باسمه وأنها إسهام إلى جانب إسهامات غيرها من الحركات والجمعيات الإسلامية والعلماء العاملين في حقل الدعوة الإسلامية.
3 – تعبر الحركة عن اعتزازها بالصحوة الإسلامية المتنامية في صفوف الشعب المغربي وبإقباله المتزايد بجميع فئاته وطبقاته وأعماره على التمسك بالتدين، وتجاوبه التلقائي مع قضايا الإسلام والمسلمين في الخارج مثل قضية فلسطين، ومثل رفضه للمخططات التغريبية، كما حدث مع ما سمي بمشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، ومساندته الواسعة لمرشحي الصحوة الإسلامية الذين تقدموا للانتخابات التشريعية الأخيرة.
4– إن حركة التوحيد والإصلاح التي تحمد الله تعالى على ما يسر لها من توفيق في تجربتها الوحدوية تؤكد تمسكها بهذا النهج التوحيدي و التزامها بمواصلة الحوار والتواصل مع مختلف الحركات الإسلامية من أجل تحقيق مزيد من التقارب مما من شأنه أن يعمقها ويوسع دائرتها ويوصلها إلى تحقيق أهدافها الإسلامية النبيلة. كما يؤكد إيمان الحركة بتعزيز التواصل والحوار مع مختلف المكونات المجتمعية والسياسية من أجل بناء أرضية وطنية للعمل المشترك والتعاون على الخير في إطار ما يحقق المصلحة الوطنية العليا.
5 – تدعو الحركة المسؤولين إلى الحذر من بعض الدعوات المغرضة داخليا وخارجيا التي ما فتئت تتحدث عن خطر إسلامي مزعوم، وتحرض على تجفيف ينابيع التدين والتضييق على مؤسساته ورموزه، وتدعوهم إلى مواصلة السياسة الرشيدة القائمة على الاستيعاب و التعامل الإيجابي للصحوة الإسلامية وحركاتها في إطار مؤسسات المجتمع، وإفساح المجال لها ومواصلة محاورتها حتى تبقى عاملا من عوامل استقرار بلادنا، ومسهمة في معركة التنمية الشاملة التي نحتاج فيها إلى كل قوانا، وهي السياسة التي جعلت التجربة المغربية محط تقدير وإعجاب من لدن كثير من المراقبين المنصفين في الوقت التي آلت فيها تجارب أخرى إلى فتن وصراعات أهلية.
6 – يؤكد الجمع العام أن الخطر الحقيقي الذي يهدد مجتمعنا هو التطرف اللاديني المتمثل في عدد من مظاهر الإباحية التي أصبح يجاهر بها أصحابها من أهل الفساد والشذوذ، في الإعلام وفي المرافق العمومية. كما أن الخطر الحقيقي يتمثل أيضا في تعارض كثير من السياسات المتبعة مع إسلامية دولتنا كما ينص عليها الدستور، ومع التصريحات الحكومية التي تؤكد انطلاقها من المرجعية الإسلامية واحترامها لها. وهو ما نعاينه يوميا في مظاهر الإباحية المنتشرة في بعض وسائل الإعلام وفي الشارع العام والشواطئ والأنشطة السياحية القائمة على ترويج الخمور وإشاعتها والمتاجرة في الأعراض وانتشار تعاطي المسكرات والمخدرات وشيوع الرشوة وانتشار التعامل بالربا وتعطيل الزكاة، كل ذلك في مقابل ضعف كفاية برامج التوعية الدينية في المساجد والإعلام وفي المناهج التربوية، وتزايد حدة الفوارق الاجتماعية والفجوة بين قلة قليلة تعيش في بحبوحة الغنی الفاحش وأكثرية ساحقة تعيش في براثن الفقر المدقع واستمرار النهب والتبذير للأموال والممتلكات العمومية، وما يرتبط بذلك من تفاقم البطالة وتزايد مشاكل الأسرة و غيرها من الظواهر السلبية التي تهدد في العمق نسيجنا الاجتماعي.
والجمع العام وهو يسجل هذه المظاهر السلبية ويرى رغم ذلك أنه لا يزال في مجتمعنا من عناصر الخيرية والقدرة على الاستجابة للتحديات ومواجهة مظاهر الخلل تلك يؤكد على ما يلي:
أ– دعوة الأفراد والجماعات والمؤسسات والحكومة والشعب والمواطنين والمسؤولين والحركات والأحزاب إلى القيام بمراجعة شاملة وتدشين صحوة إيمانية وخلقية وتربوية تطبيقا لقوله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيه المومنون لعلكم تفلحون).
ب – تكريم العلماء والخطباء وحمايتهم من بعض الحملات الإعلامية المغرضة وضمان حريتهم في القيام بواجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعزيز دورهم في مجال التوعية الدينية والوعظ والإرشاد وفسح المجال للجمعيات العاملة في حقل الدعوة ومدها بكل أسباب النجاح، وتسخير وسائل الإعلام المرئي والمسموع من أجل ذلك.
ج – ترجمة إقرارنا بإسلامية الدولة بالتنصيص دستوريا على الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الأعلى للتشريع وإزالة كل مظاهر التعارض بينها وبين قوانيننا و أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ومن ذلك مثلا:
– العمل على إخراج صندوق الزكاة إلى حيز الوجود وإحداث جهاز خاص مستقل ماليا وإداريا يتمتع بالنزاهة والمصداقية، مع العمل على توفير قاعدة إيمانية وتربوية من أجل تحفيز المواطنين على القيام بهذه الفريضة حتى لا تتحول إلى مجرد ضريبة إضافية.
– إشاعة قيم الإخلاص وتقوية قيم الإنتاج وترشيد الاستهلاك والاعتماد على الذات والعمل على تحقيق التوازن بين فئات المجتمع وتقليص الفوارق بين الفئات والأفراد والتوزيع العادل للثروات.
– إقرار صيغ بنكية وتمويلية لاربوية ترفع الحرج عن كثير من المواطنين وتسير في اتجاه تخليص بلادنا من المعاملات الربوية التي توعد الله أصحابها المصرين عليها بحرب من الله ورسوله.
د– نهج سياسات تربوية وتعليمية وثقافية وإعلامية تسهم في المحافظة على هويتنا وتكفل بناء شخصية وطنية معتزة بانتمائها الحضاري وقادرة على التفاعل الإيجابي مع الثقافات والحضارات الإنسانية وتنأى عن التبعية والتقليد الأعمى عن سلبياتها.
وإذ يؤكد الجمع العام على أهمية إعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية يستنكر بعض التوجهات الداعية إلى كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني الأجنبي، تحت دعوى كاذبة أنه حرف عالمي ويؤكد على خطورة هذه الدعوة باعتبارها خطوة نحو زرع بذور الفتنة والتفرقة بين مكونات الشعب المغربي التي كانت وستظل على الدوام صفا مرصوصا معتزة بانتمائها الإسلامي بما في ذلك الأمازيغ المسلمون الذين ظلوا على الدوام متمسكين بإسلامهم وبالحرف العربي وعاء للغتهم وثقافتهم.
8 – يسجل الجمع العام ما تحقق في السنوات الأخيرة من تراكمات إيجابية سواء على مستوى دعم المسلسل الديمقراطي والتحسن الملموس في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة كما يسجل بالمقابل استمرار وجود عدد من المعتقلين الإسلاميين وراء القضبان لأسباب سياسية، وعودة أسلوب الاختطافات والاعتقالات خارج القانون ومن لدن أجهزة سرية، فضلا عن ممارسة التعذيب على المختطفين، كما يسجل أيضا التعسفات التي كانت ضحيتها الأولى حرية الصحافة، ومن ذلك المنع و الحجز لعدة صحف و التضييق على صحفيين. ويدعو إلى معالجة شاملة لهذا الملف.
9 – وإذ يوجه الجمع العام تحية تقدير وإكبار إلى الشعب الفلسطيني الصامد وانتفاضته الباسلة وإلى كل قواه الوطنية والإسلامية التي تقاوم في خندق واحد، ويؤكد على ضرورة التمييز بين الحق في المقاومة باعتباره حقا مشروعا وبين الإرهاب، يدعو الشعب المغربي والشعوب العربية والإسلامية إلى مواصلة دعمها المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني ويدعو حكوماتها إلى وقف كل صور التطبيع المباشر وغير المباشر مع الكيان الصهيوني قياما بالحد الأدنى من متطلبات التضامن مع الشعب الفلسطيني وبواجب النصرة اللازمة شرعا.
10 – وإذ يستحضر الجمع العام حيثيات أحداث الحادي عشر من شتنبر وما خلفته من آثار سلبية على صورة الإسلام والمسلمين يؤكد أنه ليس من منهج الإسلام ولا من روحه الاعتداء على الأبرياء المسالمين، وأن تلك الأحداث لا تمثل الإسلام والمسلمين، ولا النهج المعتمد لدى علمائهم وحركاتهم ومثقفيهم المعتبرين، ويطالب الولايات المتحدة بمراجعة سياساتها في المنطقة بما يؤدي إلى إزالة أسباب انتشار الكراهية لها في العالم الإسلامي وغير الإسلامي. كما يستنكر حملة العداء للإسلام و المسلمين التي تقودها بعض الأوساط في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون العرب المسلمون المقيمون فيها والتعسفات التي تمسهم بسبب بعض القوانين والتصرفات المخالفة لمبادئ القانون والعدالة وحقوق الإنسان.
ويعلن إدانته نهج السياسة الخارجية العدوانية للإدارة الأمريكية تجاه كثير من الدول الإسلامية تلك السياسة التي تدق طبول الحرب تجاه العراق وترفع عصا التهديد والابتزاز لعدة دول أخرى مثل السودان ولبنان، المملكة العربية السعودية راضخة في ذلك للوبيات الصهيونية والتوجهات المسيحية اليمينية المتطرفة كما يؤكد الجمع مساندته لكافة حركات التحرر التي تناضل من أجل العدل والانعتاق من هيمنة الاستكبار العالمي.
وحرر بالرباط يوم الأحد 15 دجنبر 2002
الجمع العام الوطني الثاني الحركة التوحيد والإصلاح