البيان الختامي للجمع العام الأول لحركة التوحيد والإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
البيان الختامي للجمع العام الأول
بفضل من الله وتوفيقه، عقدت حركة التوحيد والإصلاح “أيام 19-18-17 رجب 1419هـ الموافق 8-7-6 نونبر 1998 جمعها العام الأول للمرحلة العادية وكان الجمع مناسبة لتقييم أعمال الحركة خلال الفترة الانتقالية التي امتدت سنتين وثلاثة أشهر، وتحديد الخطوط العريضة لبرنامج المرحلة المقبلة، وإعادة تجديد الهيئات الشورية والقيادية للحركة.
وقد ساد الجمع العام جو رفيع من الأخوة وأسلوب راقي في ممارسة الشورى مكن جميع المتدخلين من التعبير عن آرائهم بكل الحرية، والتصويت بكامل المسؤولية والشفافية، وانتخب الجمع العام الدكتور أحمد الريسوني رئيسا للحركة، والأستاذ عبد الله بها نائبا له، والإخوة : الدكتور محمد عز الدين توفيق – الأستاذ محمد يتيم – الأستاذ رشيد بلفقيه – الأستاذ محمد الحمداوي – الأستاذ فريد الأنصاري – الدكتور محمد الروکی – الأستاذ عبد الإله بنكيران – الأستاذ مصطفى الرميد – الأستاذ أحمد المشتالی – الدكتور أحمد العماري – الدكتور سعد الدين العثماني : أعضاء في المكتب التنفيذي.
وقد أصدر الجمع العام في نهاية أشغاله البيان التالي:
أولا :
يعبر الجمع العام عن حمده لله سبحانه وتعالى أن وفق الحركة لاتخاذ قرار الوحدة وتطبيق مقتضياتها والوفاء للأسس التي قامت عليها منذ أول يوم، وهي : المرجعية العليا للكتاب والسنة وعلوها على المواثيق والأوراق التي كانت لدى الحركتين السابقتين، والتزام الشورى في إعادة صياغة تصورات الحركة الجديدة وبلورة خط سيرها وقراراتها، واعتماد مبدإ الانتخاب في تحديد المسؤوليات وتجديد الهيئات.
وقد ظهرت آثار ذلك النهج الوحدوي في مختلف المحطات الشورية التي عقدتها الحركة خلال المرحلة الانتقالية، وخلال انعقاد هذا الجمع المبارك، حيث كان الترشيح للمسؤوليات بيد الجمع العام لا طلبا من الأفراد وحرصا منهم عليها، وكان المرشحون يتدافعونها ويؤكدون غيرهم لتوليها، وحيث كان الاختيار – بعد التداول في المرشحين واستعراض المواصفات اللازمة لتولي المسؤوليات خلال هذه المرحلة – يتخذ بالتصويت الذي وصل في أغلب الأحيان إلى ما يقارب الإجماع وإلى الإجماع في حالات أخرى.
وإذ يعتز الجمع العام بهذه التجربة الغنية بالدروس والعبر ويؤكد عزمه على التمسك بالنهج الوحدوي، يدعو الحركات الإسلامية في المغرب إلى مواصلة المساعي من أجل تحقيق مزيد من التقارب والتعاون مما من شأنه أن يوسع هذه التجربة ويدعم أركانها، كما يدعو المكونات السياسية والمدنية للمجتمع المغربي إلى مزيد من التعاون على الخير وفي إطار ما يحقق المصلحة العليا للوطن.
ثانيا :
يؤكد الجمع العام على الثوابت التي تحدد هوية الحركة وتحكم سيرها، ومنها:
أ– إن “حركة التوحيد والإصلاح” حركة إسلامية قائمة على أساس التمسك بالإسلام باعتباره عقيدة وشريعة، وخلقا ونظاما اجتماعيا واقتصاديا لا خلاص للأفراد والجماعات والشعوب والدول إلا بالرضى بما جاء به والتسليم لأمره والعمل بمقتضياته.
ا ب – إنها تقوم على أساس الالتزام بالإسلام والدعوة إلى إقامته في جميع المجالات، سبيلها في ذلك المشاركة الإيجابية من أجل بناء الأمة بناء متينا يحقق فيها معنى الوسطية ويؤهلها للقيام بدور الشهادة المذكور في قوله تعالى: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”.
ج – إن منهج عملها يقوم على الدعوة بالموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ورفض العنف والإقصاء في جميع صورهما وأشكالهما و أيا كان مصدرهما، وأنها ملتزمة بالعمل في إطار المشروعية الدستورية والقانونية لبلدنا.
ثالثا :
يعبر الجمع عن اعتزازه بمختلف مظاهر الصحوة الإسلامية التي تعرفها بلادنا، ودعوته إلى ضرورة تحصينها بالعلم الصحيح والتوجيه السليم، وحمايتها من عوامل التراجع والنكوص، كما يسجل أن جهود العلماء والدعاة والحركات الإسلامية – التي كان لها بعد الله سبحانه وتعالى فضل في إشاعة تلك الصحوة وإقامة صرحها – لا تزال في حاجة إلى مضاعفة حتى يتم تمتينها في النفوس وتعميمها في الواقع، وبما يؤدي إلى تجاوز مختلف مظاهر الخلل التي لا تزال تطبع علاقتنا بالإسلام أفرادا وجماعات، وأوضاعنا على جميع المستويات، ومن مظاهر ذلك الخلل يسجل الجمع العام ما يلي:
أ– تعارض العديد من تشريعاتنا مع الشريعة الإسلامية التي يلزم أن تكون المصدر الأعلى للتشريع في دولة ينص دستورها على أن دينها هو الإسلام.
ب – الوهن في الالتزام بأحكام الدين وتوجيهاته سواءا كان ذلك على المستويات الفردية أم على المستويات الجماعية، وهو ما يظهر في تضييع الفرائض والجرأة على المحرمات، والمتاجرة بالأعراض، وتعاطي المسكرات والمخدرات، والتعامل بالربا، وتضييع الأمانات وشيوع الرشوة، وعدم وجود سياسات تربوية وثقافية تمكن من تحصين المجتمع ووقايته من تلك المظاهر السلبية، وتشريعات تحد من خطورتها، بل والتساهل مع شتى أنواع الانحراف والتمكين لها أحيانا تحت دعوى تشجيع السياحة وجلب العملة الصعبة، وهو أمر يهدد مجتمعنا بأوبئة صحية وأخلاقية تفتك اليوم بالأسرة وبالتماسك الاجتماعي في المجتمعات الغربية.
ج – التدهور الذي ما فتئت تعرفه أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية والذي يشهد عليه اتساع نطاق الفقر وتزايد الفوارق الاجتماعية وتفاقم البطالة وتراجع لقيم التضامن وتزايد مشاكل الأسرة.
د– المخاطر التي أصبحت تهدد الهوية الثقافية للأمة في غياب سياسة ثقافية وطنية ناجعة قادرة على توفير الحصانة الضرورية للشخصية الوطنية في عصر تزايدت فيه أشكال وفرص الاختراق الثقافي، والتمكين للثقافة الفرنكفونية بالخصوص على حساب ثقافتنا الوطنية – ليس بوصفها لغة تتساوى مع غيرها من اللغات الحية التي لا غنى لنا عنها في عالم اليوم – ولكن بوصفها أداة للتغريب وتعميق التبعية له في الفكر والقيم والسلوك، والشيء نفسه بالنسبة للإعلام الذي تحول في كثير مما يبثه إلى أداة لدعم تلك التبعية وإشاعة الرديء من قيم الغرب وانحرافاته، والتشجيع على الانفلات من قيمنا الدينية وأصالتنا الحضارية.
إن الجمع العام وهو يستعرض تلك الأوضاع ويؤكد أن لا خلاص لنا في الدنيا والآخرة إلا بالتزام هدى الإسلام واتباع هداه في جميع المجالات يدعو إلى ما يلي:
أ – التنصيص على اعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الأعلى لكل التشريعات مع إزالة كافة مظاهر التعارض بين الشريعة الإسلامية وبين قوانينها.
ب – مراجعة أوضاعنا الفردية والجماعية وتدشين عملية صلح مع عقيدتنا وشريعتنا، بما يقتضيه ذلك من تحقيق نهضة إيمانية وأخلاقية وتربوية أفرادا وجماعات، وتشريعات ومؤسسات “يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يغفر لكم ذنوبكم“، والاستقامة على أمر الله في جميع الشؤون الخاصة والعامة “وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا”.
ج – دعم مؤسسة الأسرة ورفع كل أشكال التظالم داخلها، وخاصة ما يقع منه على المرأة، ولا يكون ذلك إلا بفهم صحيح لتصور الإسلام للعلاقة بين الرجل والمرأة، ومراجعة تقاليدنا وأعرافنا الاجتماعية، سواء أكانت موروثة أم وافدة، وإصلاح أوضاع المرأة على ضوء أحكام الإسلام الثابتة.
د – مراجعة سياساتنا الاقتصادية بما يؤدي إلى تحقيق تنمية شاملة تضمن استقلال قرارنا في المجال المالي والاقتصادي وتحقيق أمننا الغذائي، وبما يتطلبه ذلك من إشاعة قيم الإخلاص في العمل وتقوية الإنتاج وترشيد الاستهلاك والاعتماد على الذات و إشاعة مبادئ التضامن الإسلامي والحد من مظاهر الإسراف في المناسبات والملتقيات والمظاهر الاستعراضية.
هـ – العمل على تقليص حدة الفوارق بين الجهات والفئات والأفراد وتحقيق التوازن بين مكونات المجتمع بما يقضيه ذلك من إعادة توزيع الثروة توزيعا عادلا مع التأكيد على أهمية إحداث جهاز للزكاة مستقل إداريا وماليا، والعمل على توفير قاعدة إيمانية وتربوية حتى لا يتحول إلى مجرد ضريبة إضافية.
و – مراجعة السياسات التعليمية والثقافية بما يضمن بناء الشخصية الوطنية المسلمة التي تتوفر فيها القوة والأمانة، وتقدر على التفاعل البناء مع ما هو إيجابي في الثقافات والحضارات الإنسانية، وإعطاء الجامعة ما تستحقه من أهمية وما ينبغي لها من دور، وبما يجعلها مجالا للبحث العلمي وقاطرة للتنمية ووسيلة للاندماج الاجتماعي والاقتصادي، وضمان استقلاليتها والمحافظة على حرمتها والكف عن كل أشكال القمع في معالجة المشاكل الطلابية.
ز– رفع مستوى الأداء الإعلامي للقنوات الوطنية ودعم الإنتاج الوطني الهادف، وتنقية المشهد الإعلامي المغربي من كل مظاهر التسيب والدعاية للقيم والسلوكات المنافية لمبادئ ديننا وحضارتنا واتخاذ كل التدابير التي تمكن من ذلك.
رابعا :
وإذ يؤكد الجمع العام على دقة المرحلة التي تمر منها قضية وحدتنا الترابية، وينظر إلى الانفصال باعتباره مسلكا متعارضا مع مبدإ الوحدة الإسلامية ويصب في مخططات أعداء الأمة الهادفة إلى تفتيتها وشغلها عن قضاياه الكبرى، وجعلها مرتهنة للابتزاز الدائم، في الوقت الذي تتوجه فيه دول أوروبا وأمريكا إلى بناء تكتلات قوية؛ فإنه يطالب بالعمل على توفير كل الشروط وتفعيل دور القوى الشعبية من أجل التصدي للمؤامرات التي تستهدف تكريس التجزئة، وبناء كيانات وهمية ضعيفة وتابعة، وعرقلة خطوات المغرب الهادفة إلى استكمال وحدته الترابية، وتأكيد سيادته على الصحراء المسترجعة. كما يعلن استعداد أعضاء الحركة ومتعاطفيها للدفاع عنها، ويدعو إلى تعبئة كل الجهود من أجل إنهاء الوجود الاستعماري في سبتة ومليلية والجزر المغربية المحتلة.
خامسا :
يسجل الجمع العام بإيجابية الخطوات السياسية التي عرفتها بلادنا في الفترة الأخيرة والتي فتحت باب الأمل في تجاوز مخلفات الجمود والاحتقان السياسي والتنازع بين مكونات الواقع السياسي في الفترة السابقة، وفي العدول عن نهج الإقصاء والإقصاء المضاد، ويدعو إلى دعمها وتوسيعها حتى تشمل سائر المكونات وتضمن مشاركة الجميع دون تمييز وبما يؤدي إلى إقامة ديمقراطية حقيقية ومؤسسات ذات مصداقية تعبر عن إرادة المواطنين وتعيد الثقة إلى العمل السياسي والعمليات الانتخابية .
والجمع العام إذ يعتز بالإنجازات المتميزة لـ“حزب العدالة والتنمية” (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية سابقا)، وخصوصا منها مشاركته النوعية في الانتخابات التشريعية، فإنه يتوجه بتحية تقدير وإكبار إلى المجاهد الدكتور عبد الكريم الخطيب الذي فتح أبواب حزبه لأعضاء الحركة ومتعاطفيها من أجل الإسهام في إعادة بنائه وممارسة حقه في النشاط السياسي.
والجمع العام إذ يثمن العفو الملكي الأخير وقراره بإنهاء قضية الاعتقال السياسي في ظرف ستة أشهر، وعلى ملف حقوق الإنسان طيا نهائيا، يطالب بإطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين السياسيين، وتمتيع المفرج عنهم بشروط العفو الشامل، ولا يتأتى ذلك إلا بضمان اندماجهم في الحياة الاجتماعية والمهنية ورفع كل العوائق التي تحول دون ذلك والكشف عن مصير باقي المختطفين، كما يطالب برفع الحصار الجائر عن الأستاذ عبد السلام ياسين، ووضع حد لكل الإجراءات التعسفية التي تمس الحريات الفردية والجماعية، مثل حرمان العديد من الجمعيات، ومنها” حركة التوحيد والإصلاح “من وصولات إيداع وثائقها لدى السلطات المعنية ومن الأنشطة العامة.
سادسا :
أما على المستوى الخارجي، فإن الجمع العام يسجل استمرار حالة الضعف والتفكك في العالم الإسلامي وانحلال أواصر التضامن بين دوله في وقت تتزايد فيه التحديات والمؤامرات التي تحاك ضد الأمة الإسلامية، ويدعو إلى إعادة بناء التضامن الإسلامي ورص الصف من أجل تحرير فلسطين والقدس الشريف، وأن طرق التضحية والجهاد هو الطريق الوحيد لذلك.
وفي هذا الصدد يعبر الجمع العام عن إدانته القوية لمسلسل الاستسلام للكيان الصهيوني وتضييع الحقوق التاريخية، وهو المسلسل الذي يريد للسلطة الفلسطينية أن تتحول إلى أداة استخبارية لإحصاء أنفاس المجاهدين ومتابعتهم واعتقالهم.
وإذ يحيي صمود الشعب الفلسطيني والحركات المجاهدة من أجل التحرير الشامل لفلسطين وعلى رأسها حركات المقاومة الإسلامية “حماس” و“الجهاد الإسلامي” وغيرهما من القوى الوطنية الرافضة للاستسلام، يعبر عن استنكاره الشديد لفرض الحصار على الشيخ أحمد ياسين ومناشدته السلطة الفلسطينية برفعه فورا والكف عن كل الإجراءت القمعية التي تمس المجاهدين من حرکتي “حماس” و“الجهاد الإسلامي”. كما يعبر عن مناهضته لكل أشكال التطبيع، ويحذر من المناورات الصهيونية التي تستغل “السلام” المزعوم لفك طوق الرفض النفسي للشعوب الإسلامية واختراق جدار المقاطعة التي يدعو الجمع إلى استمرارها شاملة وفاعلة طبقا لمقررات الهيئات العربية والإسلامية الرسمية منها والشعبية.
ويدين الجمع العام العدوان الأمريكي المفتوح على الأمة الإسلامية بضرب بعضها وحصار البعض الآخر، والتآمر والضغط على الباقي، ويعبر عن تضامنه مع الشعوب الإسلامية التي تعاني من الحصار والاضطهاد في العراق وليبيا والسودان وكوسوفا وغيرها. ويؤكد مساندته لسائر حركات التحرر في العالم التي تناضل من أجل العدل والانعتاق من الهيمنة الاستكبارية.
الرباط في 18-17-16 رجب 1419هـ الموافق 8-7-6 نونبر 1998م
الجمع العام الوطني الأول ل”حركة التوحيد والإصلاح