البلاء والعطاء – محمد سالم إنجيه
سعدت جدا بالتوجيه الملكي الكريم بإحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا “كوفيد-19″، ومواجهة تداعيات وآثار هذا الوباء الذي يهدد العالم، نسأل الله تعالى العافية لنا وللعالمين؛ ” يخصص أساسا للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، سواء فيما يتعلق بتوفير البنيات التحتية الملائمة أو المعدات التي يتعين اقتناؤها باستعجال، كما سيسهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات الأكثر تأثرا بتداعيات فيروس كورونا والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذه الجائحة”.
وكانت مسارعة الحكومة المغربية بإصدار ونشر مرسوم تقنين تأسيس الصندوق وتفعيله الفوري محل تقدير بموجب المرسوم رقم 2.20.269 الذي تم نشره بالجريدة الرسمية ليوم الثلاثاء في 22 رجب 1441 (17 مارس 2020( ؛ ففي أوقات الأزمات ولا سيما منها المُهَدِّد للأنفس والأرواح والأمن المجتمعي يتعين الحزم وعدم التراخي، والالتزام والانضباط لما تقتضيه إدارة الأزمة؛ فجزى الله خيرا من فكر وأمر ودبر ويسر وأنفق…
نأمل أن تتوسع تجربة الصندوق لتعيد التاريخ المجيد؛ فتقيم لواء الوقف الإسلامي في المغرب ذي الأثر العظيم، وتحيى ثقافة العطاء والبذل، وتطور صوره المشرقة لتلبي احتياجات العصر، فتكون عونا على مواجهة التحديات المتجددة..
في سُدفِ العُسر يلزم البحث عن مصابيح اليسر، وتجنب اليأس والقنوط؛ مهما اشتدت عوادي الزمن، وأن نبني اليقين في نفوسنا بمزيد من الحزم والإقدام في مواجهة المخاطر؛ ففي المِحَن مِنحا، و”ما جاءَ العطاءُ إلا بعد البلاء، فاصبر على البلاءِ تُبشر بالعطاء” كما نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.
إن للصدقة زمن البلاء موقع عظيم، وفعل الخيرات دليل الفُتُوَّة والنجدة والجود والكرم، والمروءة في أسمى صورها تخلُّقُ صاحبها بالنفع للخلق، وحرصه على ما عند الحق من ثواب وأجر، وهي تغطى كل مناشط الإنسان..
قال ميمون بن ميمون : ” أول المروءة : طلاقة الوجه، والثاني: التودد، والثالث : قضاء الحوائج”.
وقال ابن سلام : “حد المروءة رَعْيُ مساعي البِر، ودفع دواعي الضُّر، والطهارةُ من جميع الأدناس، والتخلص من عوارض الالتباس؛ حتى لا يتعلق بحاملها لَوْم، ولا يلحق به ذم، وما من شيء يحمل على صلاح الدين والدنيا، ويبعث على شرف الممات والمحيا؛ إلا وهو داخل تحت المروءة” .
وفي السنة النبوية أحاديث عالية المقام في الحض على المسارعة إلى الخيرات، والمبادرة لتنمية المبرات؛ من مثل :
- ” أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة”.
- ” وإن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كربا، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا”.
- ” من أفضل العمل : إدخال السرور على المؤمن؛ يقضي عنه دينا، يقضي له حاجة، ينفس له كربة”.
- ” صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والمهلكات”.
إن من لم يستطع من أهل اليسار وذوي الدخل القار، الإسهام في موارد الصندوق المخصص لتداعيات وآثار هذا الوباء، فلا أقل من الالتفات إلى مَن بجنبه، ومن له عليه حقوق شرعية، وليتفقد الأقارب، والجيران والمعارف…
فلنبادر جميعا إلى المشاركة في تفريج كُرب من فقد عمله أو يوشك، ومن منعته إجراءات الاحتراز ودواعي الاحتياط من العمل والكسب؛ وليكن لسان حالنا :
والخالطون غنيَّهـم بفقيرهـم حتى يكون فقيرُهــم كالكافي
ولننتبه إلى أنه:
ليس في كل ساعة وأوَانِ تتهيَّا صنائِــع الإحســـان
فإذا أمكنت تقدَّمْت فيــــها حذرا من تعــذُّر الإمكان
ثم إن من أجل الأعمال في أيامنا هذه؛ تجديد طرق وأساليب إشاعة العطاء والتبرع، والعمل على إنفاق الفضل “أي ما زاد” من كل شيء نملكه؛ الجهد والمال والفكر والعلم والجاه والوقت…، وأن نربي الأجيال على حب الخير، وإتيانه، وأن نفكر ـ كل فيما يخصه ـ في إنشاء أوقاف معلومة، عامة أو ذُرية أو مشتركة، تأسيسا للصدقات الجارية؛ فما نقص مال من صدقة، وليس للإنسان إلا ما سعى، وبالعطاء نهذب النفوس، وننال الأجر والثواب. والله الهادي إلى سواء السبيل.