أخبار عامةالرئيسية-المرأة والأسرة

البقالي: العنف الرقمي ضد النساء تحدي متصاعد بعد الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي

يُعد العنف ضد النساء والفتيات واحدا من أوسع انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا واستفحالا في العالم. وتشير التقديرات العالمية إلى أنّ ما يقارب امرأة واحدة من كل ثلاث نساء تعرّضت، مرة واحدة على الأقل في حياتها، لعنف جسدي أو جنسي من شريك ، أو لعنف جنسي من غير الشريك أو لكلاهما.

واحتفى العالم بحملة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة لعام 2025، بشعار “العنف الرقمي عنف حقيقي” في الفترة من 25 نونبر إلى 10 دجنبر الجاري، بعدما بات العنف ضد النساء عبر المنصات الإلكترونية يشكل تهديدا خطيرا سريع التنامي يسعى إلى إسكات أصوات كثير من النساء، ولا سيما اللواتي يتمتعن بحضور عام ورقمي بارز في مجالات السياسة والنشاط المدني والصحافة.

ويعد العنف الرقمي شكل من أشكال العنف الناتج عن هشاشة الضوابط التِّقانية، وغياب الاعتراف القانوني بهذا النمط من الاعتداء في بعض البلدان، وإفلات المنصات الرقمية من المساءلة، وظهور أنماط جديدة سريعة التطور من الاساءات تُسهِم فيها الأنظمة الذكية، إلى جانب الحركات المناهضة للمساواة بين الجنسين، وسهولة التخفي أمام الضحايا، ومحدودية الدعم المقدم للضحايا في الفضاء الرقمي

وفي هذا الإطار، أوضحت الأستاذة عزيزة البقالي نائبة رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن العنف ضد النساء ظاهرة عالمية عابرة للقارات والثقافات والديانات، وظاهرة اجتماعية مركبة، تتجلى في أشكال متنوعة تتميز بالانتشار والتطور، كما أن كلفتها الاجتماعية والاقتصادية عالية جدا.

وأضافت البقالي في تصريح لموقع “الإصلاح”، أن الإحصائيات الرسمية وآخرها تقرير المندوبية السامية للتخطيط، الذي أنجز سنة 2019، يشير إلى أن 57% من النساء المغربيات تعرضن لنوع من العنف وذلك في المجالين الحضري والقروي على حد سواء.

وتتوزع أنواع العنف بين العنف النفسي بنسبة (49%)، يليه العنف الاقتصادي بنسبة (16%) ثم الجسدي بنسبة (15%).  ومن حيث الفضاءات التي تتعرض فيها النساء والفتيات للعنف تم تصنيف العنف المنزلي (الأسرة/ الزوج) في المرتبة الأولى بنسبة 52 %، يليه العنف في فضاء الدراسة والتكوين بنسبة 18,9%، ثم فضاء العمل بنسبة 15,4%، وأخيرا العنف في الفضاء العام بنسبة 12,6% مع بروز نوع حديد من العنف في الفضاء الإلكتروني بنسبة 13,6% والذي يستهدف بالأساس الشابات من 15 إلى 24 سنة.

وأكدت المتحدثة أن اعتماد قانون 103.13 والذي دخل حيز التنفيذ سنة 2018، شكل لبنة مهمة في مسار التأطير القانوني لهذه الظاهرة ووضع آليات مؤسساتية، وتنظيمية تساعد على تعزيز محاربة العنف وتوفير الحماية والوقاية منه وكذا تحسين التكفل بالضحايا، كما ساهم في تعزيز المجهودات المبذولة من مختلف المتدخلين والسعينحو تكامل الخدمات الموجهة للنساء ضحايا العنف، إلا أنه يسجل استمرار مجموعة من التحديات التي تكشف الفجوة العميقة بين البيئة المؤسساتية والواقع المجتمعي.

فخلال الفترة بين 2021-2023 حسب بيانات الوزارة الوصية سجل خط الاتصال “كلنا معك” معدلا سنويا يصل إلى 20000 اتصال، تهم حوالي 40% منها طلبات الإرشاد القانوني والنفسي، ويشكل التبليغ المباشر عن حالات عنف تتطلب التدخل 35% منها.

وكشفت البقالي أنه بالرغم من أن التبليغ عن العنف شهد نوعا من الارتفاع في السنوات الأخيرة خاصة في المدن، غير أن متابعة الضحايا لمسار التقاضي مازالت ضعيفة حيث تم تسجيل حالات التنازل وسحب الشكايات بالعنف بعد التبليغ بنسبة تتراوح بين 40 و60% (حسب وزارة التضامن) وذلك تحت ضغط الأسرة أو الخوف من التفكك الأسري أو الضغط الاقتصادي أو عدم الثقة في سرعة العدالة، مما يسمح باستمرار إفلات مرتكبي العنف من العقاب.

من جهة أخرى، تضيف المتحدثة، تعاني النساء المعنفات الراغبات في متابعة الجناة من بطء الإجراءات الإدارية والقضائية، خاصة أثناء تقديم الشكايات أو خلال مرحلة البحث التمهيدي، كما أن الوقت الذي يستغرقه تسجيل الشكاية (يومين أو أكثر)، في كثير من الحالات ما يعرض الضحية لمخاطر إضافية في غياب حماية فورية.

وأشارت المتحدثة إلى أن الضحية غالبا ما تجد نفسها في دوامة من التنقل بين النيابة العامة ومراكز الشرطة والجمعيات دون أن تجد مأوى آمناً يحميها من المعتدي، نظرا لعدم وجود مؤسسة قريبة أو محدودية طاقتها، بالرغم  من تنصيص المادة 8 من القانون 103-13 على إمكانية إيداع المرأة المعنفة بمؤسسات الإيواء أو الرعاية الاجتماعية، مما يفقد النص التشريعي أحد أهم عناصر نجاعته الواقعية.

وأبرزت عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن إشكالية الإثبات تعد من بين أعقد ما تواجهه النساء ضحايا العنف، خاصة في الحالات التي يُمارس فيها العنف داخل فضاءات مغلقة أو في أشكال غير مرئية مثل العنف النفسي أو التحرش الجنسي، حيث تشير بيانات 2022 للخلايا المختصة داخل المحاكم إلى أن أكثر من 70% من القضايا المعروضة على هذه الخلايا تتعلق بـ “العنف المادي” و”العنف الاقتصادي” بالرغم من تصدر العنف النفسي لأنواع العنف الممارس ضد النساء.

كما تشكل عدم القدرة المادية لمتابعة مسار الانتصاف القضائي، حاجزا أما العديد من الضحايا في غياب مقتضى قانوني يُمكّنهن من الاستفادة من المساعدة القضائية بقوة القانون، أو من تعيين محام يتولى الدفاع عنهن على نفقة الدولة، كما هو الحال في القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر الذي نص صراحة على إعفاء الضحايا من الرسوم القضائية واستفادتهم من المساعدة القضائية بقوة القانون.

وبخصوص الأنواع الناشئة للعنف وأبرزها العنف الرقمي، أكدت البقالي أنه أصبح يشكل تحديا متصاعدا خاصة مع الثورة التكنلوجية وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ كشفت المعطيات التي قدمها المرصد الوطني للإجرام لدى وزارة العدل في دجنبر 2025 عن واقع مقلق؛ حيث أن العنف الرقمي في المغرب يطال نحو 282 ألف فتاة شابة، بنسبة انتشار تصل إلى 29.4%، وترتكب غالبيته من طرف رجال (81.2%)، مع بقاء 65.5% من الجناة مجهولي الهوية، مما يستدعي الإسراع بتكييف المنظومة القانونية والمؤسساتية مع المستجدات الرقمية وإرساء استجابات مندمجة وفعّالة مبنية على البحث العلمي والمعطيات الإحصائية الموثوقة.

وترى المتحدثة على أن مواجهة العنف ضد النساء تتجاوز المقاربة القانونية على أهميتها، إلى اعتماد سياسة عمومية ترتكز إلى مقاربة شمولية تجمع بين البعد التربوي والثقافي، وكذا البعد النفسي والاجتماعي إضافة إلى البعد الاقتصادي والقانوني.

كما تستثمر بشكل أكبر في البعدين الوقائي والحمائي بتفعيل مؤسسات التنشئة من أسرة ومسجد ومدرسة وإعلام، وكذا بتطوير التشريع لاستيعاب أدوار الوقاية والحماية القبلية للقانون بدل الاقتصار على الزجر والحماية البعدية، مع الحاجة لمزيد من التعبئة المجتمعية لرفض كل أشكال العنف وعدم التطبيع معه وتظافر كل من الجهود المؤسساتية والمجتمعية من أجل ضمان النجاح في محاصرة الظاهرة في أفق القضاء عليها. 

يشار إلى أن تقرير الأمم المتحدة لشهر نونبر الماضي، كشف أن نحو 50 ألف امرأة قتلت على يد أحد أقاربهن في عام 2024، أي بمعدل واحدة كل 10 دقائق، وأعربت عن أسفها لعدم إحراز تقدم حقيقي في مكافحة جرائم قتل النساء.

وأوضح التقرير أن 60% منهن قتلن على أيدي شركاء حميمين أو أفراد أسرهن، أي 50 ألف امرأة وفتاة أو ما يعادل 137 حالة قتل يوميا في المتوسط. في المقابل، بلغت نسبة جرائم القتل التي ارتكبها شركاء حميمون أو أفراد الأسر بحق الذكور بلغت 11% فقط.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى