الالتزام عند الأستاذ عبد الفتاح فهدي في ثقافته البانية – مبارك أشبارو
إشارة أولية :
كان والدي رحمة الله عليه ؛ كلما بلغه نعي احد أصحابه ومحبيه وأحبائه بعد الترحم عليه ذاكرا هازم اللذات ومفرق الجماعات؛ يردد المثل الشعبي” موت لاصحاب من تعسارليام” علما انه يدرك إدراك المتصوف الفقيه؛ أنها سنة الله في خلقه. ولعل هذه الحكمة الشعبية وغيرها من العبارات التي نرددها حينها؛ لها دلالات وأبعاد نفسية واجتماعية ودينية تتعلق بمرددها؛ متلقيا للخبر المفجع في علاقته مع ذاته؛ وفي علاقته مع الفقيد؛ وفي علاقته بمحيطه الاجتماعي .
تلقينا وفاة صديقنا وزميلنا في العمل لسنوات عبد الفتاح فهدي والممتهن معنا للعمل الجمعوي في جمعية واحدة من جهة وفي فضاء مغلق يجمعنا في جمعيتين مختلفتين من جهة ثانية والبحث الأكاديمي في ملتقيات سجلماسة لفن الملحون من جهة ثالثة.
وهكذا؛ أحببت تأبين الرجل تخليدا لحسناته من خلال هذه الكلمة التي توثق رسائله المتنوعة وليس بكاء وولولة، مع اعتذاري لمن يقرأ هذه الكلمة على كل ما قد يوجد بها من هنات لأني لم أعدها مسودة؛ بل أكتبها مباشرة عدا مقالاته حيث أردت لها أن تكون عفوية بأحاسيسها؛ منبعثة من القلب ..
رسالة الأستاذ مع الأنشطة الموازية:
تعاطى رحمة الله عليه لتدريس مادة الفلسفة- التي لم تتحرر آنذاك من نعوت القرون الوسطى – في ثانوية مولاي رشيد بمدينة أرفود ؛ في الوقت الذي كنا في ندرس مادة اللغة العربية حيث جمعتنا معه أواصر المحبة في الله ولله .
كان لين الجانب مبارك الجوار ؛ حسن المعاملة ؛ مبتسم الثغر ؛ باشا في وجه متلقيه …أدى رسالته الأستاذية على أحسن وجه مربيا ؛موجها؛ ناصحا ؛قلقا/ القلق الفلسفي من نوع خاص .. وانفتاحه لحيويته وفاعليته وفعاليته على المشاركة في الأنشطة الموازية ومجالس المؤسسة، ويكفي في هذا المقام أن نشير إلى نشاط ثقافي داخل المؤسسة، وهي عبارة عن مناظرة ذات طعم فلسفي مختلفة المرجعيات بينه وبين الزميل بوعديلة وهو الآخر أستاذ للفلسفة – تحياتي له وأرجو أن يكون بألف خير- حول مؤلفين بارزين العالمين على رأسها نور وهما : الغزالي ومؤلفه تهافت الفلاسفة؛ وابن رشد ومؤلفه تهافت التهافت، حيث كان أستاذنا بوعديلة مدافعا عن ابن رشد وأطروحته وممثلا له ؛ بينما أستاذنا فهدي مدافعا عن الغزالي .
وكانت المناظرة حامية الوطيس بين أستاذين ينتميان إلى نفس التخصص مع تشبع الأخير بالجانب الديني ولعل هذه المناظرة هي التي حفزته أكثر ليتوجه وجهته بدون مؤاربة ولا توجس معلنا مشروعه الباني… ونظرا لصدى ووقع هذه المناظرة أعدناها بين الأستاذ القدوسي احمد أستاذ الانجليزية / الغزالي والأستاذ محمد المالكي/ابن رشد؛ وكان عبد ربه مسير هذه المناظرة التي لا يمكن نسيانها، والجميل في كل هذا في هذه الثانوية العريقة تربويا وثقافيا أن الاختلاف الإيديولوجي لا يؤثر على الزمالة حيت الذي يؤثر بحق المواقف أمام قضايا الشغيلة التعليمية ؛ ولكن كان الكل ينخرط بشكل لا نظير له في هذه القضايا…
رسالة الممتهن للعمل الجمعوي:
كان رحمة الله في جمعية النخيل متعاطفا وعضوا، كما كان معنا عضوا في جمعية سجلماسة لفن الملحون التي كان لها الفضل الكبير في تأطير جملة من البراعم آنذاك والذين أصبحوا الآن والحمد لله من رجالات الملحون إنشادا وعزفا، وكان الأستاذ عبد الفتاح ما إن اكتشف قصيدة الوصية للشيخ سيدي عمر اليوسفي الذي عاش في عصر السلطان المولى سليمان وما يعرفه هذا العصر من اضطراب انعكست في القصيدة من خلال جملة من الوصايا والحكم كأنها ترياق، حتى استهوت الأستاذ الباحث عبد الفتاح فأضحت بالنسبة إليه معينا يستمد منها رؤياه الفلسفية الواقعية يستحضرها في كل مداخلة حتى نعتناها محبة عبد ربه والأستاذ عبد السميع بسيدي عمر اليوسفي وكان يتقبل ذلك بصدر رحب.
وكانت لنا معه جولات في المؤسسات التعليمية عن الجانب الديني في الملحون وخاصة في ليالي رمضان جوانب أخرى في غيره، ثم أسس جمعية فضاء الفتح الوطنية التي كان لها حضور إلى اليوم بينما نحن وثلة من الأصدقاء أسسنا جمعية الأمل الثقافي، ورغم اختلاف التوجهات لم يحدث أن تصادمنا أو مزق بعض ملصقات الآخر كما حدث بعد ذلك ؛ نحضر أنشطتهم ويحضرون أنشطتنا بل يشاركون في بعض ندواتنا ونشاركهم في ندواتهم.
وكان الأستاذ عبد الفتاح هذا الفضل لانفتاحه وتعادليته ليس بالمفهوم الحزبي إلى درجة أنه في عقيقات أبنائه حفظهم الله تراه أديبا ينتقر ليس من زاوية التوجه أو اليافطة السياسية أو الجمعوية ..وقد كان لنا حضور في جميع مناسباته، ولم يفته رحمة الله عليه عندما انتقل إلى الدار البيضاء وهو رئيس مؤسسة ابن عبود أن يستدعنا للمساهمة في ندوة حول الملحون تكريما لعباس الجراري والتي شاركنا فيها بموضوع : “الملحون الأصالة والإستمرارية 2007”
رسالة الباحث في حقل الملحون:
كان لجمعية سجلماسة الفضل الكبير في التوجه إلى الملحون سجل الحضارة المغربية وديوان المغاربة ؛ فضلا عن رغبة الرجل استثمار كل ما من شانه أن يجعله ينفتح على محيطه الاجتماعي ليؤدي ما يؤمن به من رسائل . وكان الملحون مجالا خصبا وجسر العبور إلى المتلقي المتنوع المشارب الثقافية، ومن مقالاته التي وقفنا عليها ما يلي:
- قصيدة النحلة ( قراءة سريعة في ملف الطبيعة) / ملتقى سجلماسة الخامس 1992 وزارة الشؤون الثقافية
- قراءة في قصيدة” الوصية “للشيخ سيدي عمر اليوسفي 19-30،-1990
- الالتزام في الملحون مؤسسة المهدي بن عبود تكريما العباس الجراري 2007
- فن العمارة في فن الملحون /ملتقى سجلماسة السابع 1994
- قصيدة المصرية قراءة في جهاديات الشعب المغربي / ملتقى سجلماسة السادس لفن الملحون1996
- نماذج من القصة في فن الملحون /ملتقى سجلماسة الثامن 1997
رحمة الله على الأستاذ الباحث المربي عبد الفتاح فهدي وبارك الله في ذريته وإنا لله وإنا إليه راجعون، فصبر جميل.