الاستبداد اللغوي
يقول عز من قائل: “كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون” (سورة فصلت آية 3)، ويقول سبحانه: “إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون” (سورة يوسف آية2). وقيل للرسول عليه الصلاة والسلام:( ما أفصحك؟ا فقال عليه الصلاة والسلام: حق لي، وإنما نزل القرآن على لساني بلسان عربي مبين) حديث مرفوع.
هذه النصوص وغيرها كثير تبرز مكانة اللغة العربية وأهميتها في ديننا الحنيف، وللذين يعتقدون بأن اللغة هي مجرد وعاء أو مرآة للفكر نقول بأنه من الصعب على الإنسان الإبداع خارج لغته وأن هذه الأخيرة ليست ناقلا محايدا للفكر، بل يذهب عالم اللسانيات نعوم تشومسكي وغيره إلى أن بإمكان اللغة إعادة تشكيل الواقع والفكر معا وبالتالي فإن الحرب على اللغة هي حرب على الهوية في بعدها العقدي والوطني.
مناسبة هذا الكلام هو الحراك السياسي الذي يعرفه البرلمان والشارع المغربي حول مشروع الإطار 51.17 والذي يعرف سجالا حادا حول لغة التدريس. فالتيار الفرنكفوني بالمغرب وتجاوزا للدستور الذي ينص في فصله الخامس على أن 🙁 اللغة العربية تظل هي اللغة الرسمية للدولة وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها)، يريد فرنسة التعليم بجميع أسلاكه ناسيا أو متناسيا أن اللغة العربية تحتل المرتبة السادسة عالميا بحوالي 500 م/ن وهي في تصاعد مستمر بخلاف اللغة الفرنسية التي لم تعد لغة العلم وهي في تراجع دائم. كما أن لغة الضاد تعتبر من بين اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة والتي أعلنت هذه الأخيرة يوم 18 دجنبر من كل سنة يوما عالميا للغة العربية والذي لا يحتفل به العالم العربي إلا لماما. إنه الاستبداد اللغوي في أبشع صوره…
وقد يتساءل سائل وماذا عن الانفتاح اللغوي ؟ والجواب نعم للانفتاح اللغوي ولكن دون الانغلاق على النموذج الفرنسي الفاشل باسم الانفتاح، والانفتاح الحقيقي على العلوم والمعرفة يكون بتأسيس معاهد الترجمة التي تترجم كل العلوم وبكل لغات العالم إلى اللغة الوطنية الأم.
وبالمناسبة نوجه دعوة كريمة للتيار المتفرنس ببلادنا ليقوم بجولة حول العالم وينظر في تجارب عدة دول كيف اتخذت من لغتها مطية للتقدم العلمي والتكنولوجي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كوريا الجنوبية وألمانيا التي يقول بخصوصها الفيلسوف غوته ( لولا اللغة الألمانية لما كانت الفلسفة الألمانية), ويقصد بذلك مدرسة فرنكفورت، أضف إلى ذلك تجربة اليابان الفريدة فرغم صعوبة اللغة اليابانية التي تتكون من حوالي 2000 حرف وتكتب بطريقة عمودية إلا أن الإرادة اليابانية جعلت منها اللغة الرسمية للبلاد في حين لا يتعلم الطفل الياباني اللغة الثانية إلا في مرحلة الإعدادي، وأخيرا وليس آخرا النموذج الإسرائيلي حيث تعتبر اللغة العبرية من اللغات الميتة والتي أحيتها إسرائيل وجعلت منها لغة رسمية ..
بعد هذا تأتي نخبة سياسية مستغربة ببلادنا ودون الاعتماد على أية بحوث أو دراسات أكاديمية أو ميدانية وتعلن جهارا نهارا أن اللغة العربية ليست لغة العلم، وما فقهت هذه النخبة المفرنسة أن هناك تجارب ناجحة بمجموعة من الدول العربية استطاعت تدريس العلوم باللغة العربية بجميع أسلاك التعليم. وهنا يجب أن نفرق بين مشكل التعريب الذي هو بالأساس مشكل سياسي وبين قدرة اللغة العربية على احتضان العلوم بمختلف أنواعها وهو أمر ميسر إذا توفرت الإرادة السياسية.
ختاما نورد هنا بعض النصوص للمرشال ليوطي المقيم الفرنسي بالمغرب في مرحلة الاستعمار لعلها تكون عبرة لمن أراد أن يعتبر . يقول المقيم الفرنسي:( إن العربية هي عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن بينما تقتضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج إطار الإسلام، ومن الناحية اللغوية علينا أن نعمل على الانتقال مباشرة من البربرية إلى الفرنسية ) ويقول : (إن كل تعليم للعربية وكل تدخل من الفقيه وكل وجود إسلامي سوف يتم إبعاده بكل قوة وبذلك نجذب إلينا الأطفال الشلوح عن طريق مدرستنا وحدها ونبعد متعمدين كل مرحلة من مراحل نشر الإسلام.) من كتاب (مغرب الغد) بول ماركي 1925 ص 288
بعد هذا نقول للنخبة المستغربة ببلادنا إما أن تكونوا أبناء المغرب أحرارا أو أذناب المستعمر أتباعا..
محمد بن عواد