الإعلام الغربي.. من ترويج السردية الصهيونية حول 7 أكتوبر إلى كشف بطلانها وكذبها
انشغل الاحتلال الإسرائيلي في بداية عملية “طوفان الأقصى” بتكريس الرواية الصهيونية للحدث، وترويجها في وسائل الإعلام العالمي، وتشويه وشيطنة الرواية الفلسطينية التي كانت تبحث فقط عن الحياد والموضوعية.
وتقوم السردية “ألإسرائيلية” حول ما جرى في بداية الطوفان يوم السابع من أكتوبر 2023 على كذبة تزعم أن مقاتلي حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) أحرقوا جثث أطفال، واغتصبوا النساء، وقطعوا رؤوس 40 رضيعا، وتم توظيف صور للذكاء الاصطناعي، لتسويق هذه السردية على نطاق عالمي بقصد تبرير المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
لكن الرواية الفلسطينية نفت ارتكاب مقاتلي المقاومة لأي فضاعات، مستدلين بإطلاق امرأتين مسنّتين أسيرتين لديها في قطاع غزة، وقالت الأسيرة يوشيفيد ليفشيتز في شهادتها إن “حماس وفرت الأطباء والأودية والطعام للأسرى..”، كما أفرجت عن أسيرة أخرى مع طفليها وقدمت نفس الشهادة.
دوس على مبادئ الإعلام
وقد انحازت وسائل الإعلام الغربية عند بداية عملية طوفان الأقصى إلى السردية “ألإسرائيلية”، وانخرطت من غير تدقيق أو إعمال مبادئ المهنة في بث الإدعاءات الملفقة من قبل النخب السياسية العبرية والغربية في استرجاع للتهم، التي لفقتها الولايات المتحدة الأمريكية للعراق بحيازة أسلحة الدمار الشامل.
بفضل الدعاية المضللة، التي صدقها الرأي العام الغربي كحقيقة غير قابلة للتشكيك، لم يحصل جيش الاحتلال الإسرائيلي فقط على تعاطف الرأي العام والإعلام الغربي، بل أيضا على دعم عسكري مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا، ناهيك عن الدعم المالي والدبلوماسي.
وروج الإعلام الأمريكي والغربي على نطاق واسع لوجهة نظر واحدة، ولم يرغب في سماع الرواية الأخرى، قبل أن يأتي الاعتراف من داخل الكيان الإسرائيلي ذاته بشكل صدم وفاجأ كل من صدق السردية الإسرائيلية من البداية بشكل أعمى، ودون تمحيص ولا حتى انتظار أي تحقيق في الوقائع.
ولأنه لا يمكنك الكذب على الناس كل الوقت، فقد تحركت بعض وسائل الإعلام الغربية لتقصي حقيقة ما جرى، لتكشف أن أيا من المسؤولين الأمريكان وعلى رأسهم جو بايدن لم يشاهدوا أي صور ولم يتأكدوا من صحة التقارير بشأن مزاعم الكيان الإسرائيلي بشكل مستقل، وتبنوا روايته بشكل أعمى.
وخرج البيت الأبيض محرجا ليؤكد أن تصريحات بايدن بشأن الفظائع المزعومة استندت إلى مزاعم المتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية وتقارير إعلامية إسرائيلية، وهذه الأخيرة استندت بدورها على تصريح لجندي إسرائيلي متطرف يدعى ديفيد بن صهيون.
الاعتراف بالوقوع في الفخ!
اضطرت بعض وسائل الإعلام الغربي إلى الاعتراف إلى وقوعها فريسة في يد آلية التضليل، التي أطلقها جندي من قوات الاحتياط الاحتلال الإسرائيلي دون التحقق مع حقيقة مزاعمه من مصادر مستقلة أو شهادة من عاشوا تلك الأحداث.
وعلى أساس ذلك، تراجع بعض الإعلام الغربي الذي أراد أن يظهر في مظهر المهنية عن الاستمرار في بث تلك المزاعم، وانطلق في التقصي عن حقيقة ما حدث، بينما استمر البعض الآخر في ترويج نفس السردية دون أن يأبه بالحقائق.
وأفضى العمل الذي قامت به “أورو نيوز” من خلال التدقيق في تفاصيل الادّعاءات ومصدرها إلى التأكد من أن من أطلقها؛ هو أحد قادة المستوطنين يدعى ديفيد بن تسيون، وهو زعيم المجلس الإقليمي “شومرون” الذي يضمّ 35 مستوطنة في الضفة الغربية، وكان قد حرّض على محو قرية حوّارة في نابلس.
انكشاف الحقائق المخفية
وكشف تحقيق أجرته “الجزيرة” عن شبكة حسابات يمينية مقربة من إسرائيل أغلبها في الولايات المتحدة، روجت للمزاعم الكاذبة بإقدام حركة حماس على قطع رؤوس 40 طفلا إسرائيليا خلال عملية طوفان الأقصى.
كما توصلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إلى زيف تلك الرواية، ونقلت عن متحدث باسم البيت الأبيض قوله إنه “لا الرئيس بايدن ولا أي مسؤول أميركي رأى أي صور أو تأكد من صحة تقارير بشأن ذلك بشكل مستقل”.
وقد خلصت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية إلى النتيجة نفسها، و قالت “لم يتم قطع رأس أحد ولم يتم وضع أطفال في أفران أو تقييد أطفال كما ادعت إسرائيل”، كما توصلت إلى أن الهدف من ادعاءات “إسرائيل” بوقوع فظائع في 7 أكتوبر هدفت لحشد الرأي العام الإسرائيلي والدولي للانتقام العنيف في غزة.
وفي منعطف تاريخي كسرت رواية كيان الاحتلال الإسرائيلي الصهيونية بصحيفة “هآرتس” العبرية أيضا التي نشرت أن “مروحية قتالية تابعة للجيش الإسرائيلي وصلت إلى مكان الحفل (قرب كيبوتس رعيم في غلاف غزة)، وأطلقت النار على منفذي هجمات هناك، وكما يبدو أصابت أيضا بعض المشاركين في مهرجان بإحدى مناطق غلاف غزة”.
وعلى العكس من تلفيقات الاحتلال، واصل بعض وسائل الإعلام الغربي التحقيقات ليصل إلى فضائع اقترفها الاحتلال، منها ما كشفت عنه وكالة “أسوشيتد برس” أمريكية من حملات الاعتقال المرعبة التي ينفذها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في شمال غزة، وعن إجبار الرجال على خلع ملابسهم حتى الداخلية.
وقاد تحقيق لقناة “CNN” الأمريكية صحفييها إلى اكتشاف فضائح تتعلق بالظروف الهمجية واللاإنسانية لاحتجاز المعتقلين من قطاع غزة في مركز “سدي تيمان” التابع لجيش الاحتلال بصحراء النقب. وبعدها تداول إعلام عبري فيديو مسرب يوثق اغتصاب جنود الاحتلال أسيرا فلسطينيا من غزة في هذا السجن.
وامتدت التحقيقات الصحفية إلى الضفة ليميط تحقيق نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” اللثام عن استخدام جنود الاحتلال القوة القاتلة ضد فلسطينيين عزل خلال هجوم نفذوه على البلدة القديمة بنابلس انتهى باستشهاد 11 فلسطينيا.
وشهد شاهد من أهلها
ليست وسائل الإعلام وحدها من أقبرت رواية كيان الاحتلال حول ما حدث، بل هناك نساء كن أسيرات لدى المقاومة الفلسطينية خرجن لينفين خبر قتل الأطفال والتحرش بهن والتنكيل بالأسيرات، كما أظهرت في المقابل مقاطع فيديو بثها القسام أسرى وهم يحكون نبأ استهداف جيش الاحتلال لهم قصد قتلهم.
وانكشف زيف الرواية الصهيونية في أكثر من مناسبة منها ادعاؤه وجود مركز السيطرة والتوجيه لحماس تحت مستشفى الشفاء بغزة، وإدعاؤه قصف مستشفى المعمداني من قبل المقاومة، وادعاؤه تضخيم وزارة الصحة بغزة لعدد الشهداء، وادعاؤه تعاون الأورونوا مع المقاومة.. وقد كشف الإعلام زيف ذلك.
وكشف هذا الفشل عن ارتفاع الوعي النقدي تجاه الاستعمار وأكاذيب الحركة الصهيونية بين الجماهير في أنحاء العالم، وقد حصل ذلك في حروب سابقة شنها الاحتلال “الإسرائيلي” علىا لشعب الفلسطيني.