الإسلام والإصلاح بين المؤمنين

قال الله تعالى ۞وَإِن طَآئِفَتَٰنِ مِنَ اَ۬لْمُومِنِينَ اَ۪قْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتِ اِحْد۪يٰهُمَا عَلَي اَ۬لُاخْر۪يٰ فَقَٰتِلُواْ اُ۬لتِے تَبْغِے حَتَّيٰ تَفِےٓءَ ا۪لَيٰٓ أَمْرِ اِ۬للَّهِۖ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوٓاْۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ اُ۬لْمُقْسِطِينَۖ (9) إِنَّمَا اَ۬لْمُومِنُونَ إِخْوَةٞ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَۖ (جاء في تفسير هذه الآية: وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا فأصلحوا -أيها المؤمنون- بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرضا بحكمهما، فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك، فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله، فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف، واعدلوا في حكمكم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله، إن الله يحب العادلين في أحكامهم، القاضين بين خلقه بالقسط. وفي الآية إثبات صفة المحبة لله على الحقيقة، كما يليق بجلاله سبحانه [1]

الشاهد عندي من الآيات السالفة الذكر، أنها تتحدث عن حالة واقعية ترتبط بحياة الإنسان المسلمين خاصة، وهي الاقتتال والخلاف الحاد الذي يكون قريبا من الاقتتال بينهم.

مما أرشدت إليه الآيات وجوب الإصلاح والصلح بين الفئات المتخاصمة من المسلمين. والذي يطالع أحداث السيرة النبوية يجد النبي عليه السلام قد عمل بمبدأ الصلح بينه وبين المخاصمين له، أعني في الصدد مشركي مكة، وما كان منهم معه عليه السلام من الصلح المعروف ب: ” صلح الحديبية “، والذي يعنيني منه هنا تحديدا ما فعله الرسول عليه السلام من التنازل لهؤلاء الخصوم عند صياغة وكتابة بنود الصلح. وقد استخلص أحد العلماء من هذا التنازل قاعدة فيها عبرة، إذ يقول: ” لا بأس أحيانا -أو لا بد -من تقديم تنازلات شكلية أو خفيفة، ومن تحمل أضرار قريبة ومؤقتة، إذا علم أو ترجح في تلك الحالة أن العواقب البعيدة والنتائج الكبيرة ستكون مربحة ومريحة. فهذا من أهم قواعد السياسة الشرعية والفقه الرشيد”، [2]، إذا كان التنازل مطلوبا مع الأعداء، فمن باب الأولى أن يعمل به بين المسلمين بعضهم بعضا.

خلاصة الكلام أنه إذا كان القرآن قد قرر حقيقة إمكانية وقوع الاقتتال بين المسلمين، ودعا إلى الصلح بينهم حال وقوعه، ثم عرفنا أن النبي عليه الصلاة السلام أرشد المسلمين إلى التنازل لما فيه من المقاصد العظيمة على الإسلام والمسلمين وعامة البشرية التي يعمها السلام بعد الصلح. فإن معشر المسلمين اليوم ونحن أتباع رسول السلام عليه من الله السلام، مدعوون في كل وقت وحين إلى إعمال تلك المبادئ الشرعية السامية ضمانا لتحقيق الصلح والسلام بين المسلمين بعضهم بعضا أولا، ثم بينهم وبين غيرهم من غير المسلمين، سعيا نحو تحقيق السلام العالمي الذي جاء به الإسلام.

[1] ـhttps://surahquran.com/aya-tafsir-9-49.html 16/07/2024م

[2] ـ مقاصد المقاصد، الغايات العلمية والعملية لمقاصد الشريعة، الدكتور احمد الريسوني، الشبكة العربية للأبحاث والنشر بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، بيروت، 2013، ص142.

عبد الحق لمهى

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى