الإثارة الصحفية بتزييف الحقائق.. سقطة أخلاقية لمراسلة CNN الأمريكية بسوريا
تلقت قناة “السي إن إن” الأمريكية ضربة موجعة في مصداقيتها المهنية، حين انساقت وراء منطق الإثارة الصحفية بتقديم “روبورتاج” متلفز لواحدة من أشهر صحفياتها، يقدم اكتشافا لسجين بقي مقيما لوحده داخل واحد من سجون نظام بشار الأسد بدمشق، وتم إخراجه من قبل الطاقم الصحفي في مشهد مغرق في سيمفونية حزن وتضامن.
وبعد أربعة أيام من الواقعة سيكشف فريق حقوقي سوري؛ أن الأمر يتعلق بضابط مخابرات سوري سبق وأشرف على تعذيب المئات من السوريين وتصفية بعضهم، وأن الأمر كله خدعة. وتأكدت بعد ذلك المنظمات الحقوقية الأمريكية وقناة “سي إن إن” من الأمر فاكتشفوا أنهم كانوا ضحية خدعة بعنوان عريض لفضيحة صحفية، صارت الآن حديث كل المشهد الإعلامي والصحفي عبر العالم.
وأكثر من ذلك فقد اختفى الضابط السوري نهائيا، وانقطع أي اتصال بينه وبين الصحفية الأمريكية، والكل يجمع على أنه غادر سورية إلى وجهة مجهولة، هربا من ملاحقة قضائية من السلطات الجديدة.
وتعود تفاصيل الأحداث عندما نشرت شبكة CNN في 12 دجنبر 2024، تقريرا لمراسلتها “كلاريسا وارد” تظهر فيه لحظة تحريرها شخصا يزعم أنه معتقل من سجن سري في دمشق. يُدعى “عادل غربال” وكان في السجن منذ أشهر ولم يعلم ما حدث حول سقوط الأسد.
وفي أول مشهد، ظهر فيه السجين “عادل غربال” قادرا على الوقوف والحركة وحده دون مساعدة، ولم تظهر عليه علامات تعب أو إرهاق. لكن طوال المشاهد التالية بدا كأنه غير قادر على الحركة وبحاجة لمن يسنده. فمرة ظهر مستندا على المراسلة “كلاريسا وارد”، ومرة أخرى ظهر مستندا على أشخاص يرتدون زي الدفاع المدني.
وادعى “غربال” بأنه لا يعرف شيئا عن أولاده وعائلته منذ 3 شهور (أي أنه سجين منذ 3 شهور على أقل تقدير). لكن ملابسه لا توحي بذلك حسب مواقع متخصصة في رصد الأخبار الزائفة، حيث بدت بعض التفاصيل مثيرة للشك أيضا، مثل أظافره النظيفة، ولحيته التي لا يبدو فيها الشعر مبعثرا كحال السجناء.
ادّعى “غربال” أنه تعرض للضرب والتعذيب، لكن لا يظهر عليه آثار تعذيب على وجهه أو يديه، و ملابسه نظيفة بلا آثار دماء أو متسخة من عمليات التعذيب.
وحسب مراسلة CNN، فإن “غربال” تُرك على الأقل 4 أيام دون طعام أو شرابولو كان هذا صحيحا لما كان غير قادر على الحركة بالشكل المطلوب، وبدت عليه آثار الإعياء وشحوب الوجه وضعف القدرة على الكلام.
ذكرت مراسلة CNN أن “المعتقل” طوال سجنه كان في زنزانة، لكن ما يشكك في الرواية أنه عند خروجه من السجن، لم تتأثر عيناه عند رؤية أشعة الشمس، مما يعني أنه كان يرى الشمس بشكل طبيعي خلال الأيام الماضية. وعادةً ما يحذر الأطباء السجناء من الخروج إلى الشمس مباشرة في حال الحرمان منها لوقت طويل.
وطوال الفيديو لم يُذكر اسم السجن، واكتفى التقرير البريطاني بقول إنه سجن سري في دمشق، رغم أن شكل أرضيات السجن وغرفة “غربال”، نظيفة تمامًا، رغم ظهور كتابات للمعتقلين على الجدران، تدل على أنه كان يعج بالمسجونين. على عكس المقاطع الأُخرى التي وثقت الواقع في سجون الأسد، من أرضيات غير نظيفة وآثار دماء وغيرها.
كما ظهرت في الثواني الأخيرة من الفيديو الزنزانة مقفلة، وذكرت مراسلة CNN أن الحارس أطلق النار على القفل لفتحها. رغم ذلك لم تظهر أي آثار رصاص على قفل الزنزانة أو بقايا رصاص أمام الباب من الداخل والخارج. ما يرجّح أنها كانت مفتوحة بالفعل، وأن صوت إطلاق الرصاص هو مشهد تمثيلي.
وما يزيد من صحة هذه الفرضية هي أن السجين “غربال” لم يستيقظ من صوت إطلاق النار الذي كان بقربه، وإنما استيقظ فقط بعد دخولهم إلى الزنزانة واقترابهم منه. في حين فإن فكرة وجود معتقل وحيد في سجن تم تحرير جميع من به هو أمر غير منطقي. وكما أظهرت مئات المشاهد المصورة من السجون السورية أن الغرف كانت تكتظ بالمعتقلين، وكانوا يصرخون وينادون عندما بدأت المعارضة تحريرهم. في حين بقي “غربال” حسب رواية CNN في زنزانته النظيفة وبملابسه النظيفة رغم كل عمليات الضجة والتحرير.
وحسب منصة تدقيق الحقائق السورية “Verify-Sy”، فإن المدعو “غربال” اسمه الحقيقي “سلامة محمد سلامة”، المعروف باسم “أبو حمزة”، وقد تمكنت من الوصول لإحدى صوره القديمة. هو عنصر بالمخابرات الجوية التابعة لنظام الأسد برتبة ملازم أول ويشتهر بأنشطته في حمص، وكان متورطًا في السرقة والابتزاز وإكراه السكان على أن يصبحوا مخبرين.
ووفقا لسكان حي البياضة، فإن “سلامة” كان في السجن لمدة أقل من شهر، بسبب نزاع مع ضابط رفيع المستوى حول تقاسم أرباح الأموال المبتزة.