الإبادة الجماعية تضع قادة “إسرائيل” في مواجهة العدالة الدولية

شهد العالم منذ 15 شهرا، مستويات من الموت والدمار في قطاع غزة لم يشهدها العالم الحديث من قبل مثله، حيث حصد العدوان “الإسرائيلي” الوحشي على الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر 2023، أرواح 46.645، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وأباد 1600 عائلة، وأتى على أحياء سكنية حتى سواها بالأرض، ودمر مرافق البنية التحتية الحيوية، وهجّر قسرا 1.9 مليون فلسطيني، أي أكثر من 90% من سكان قطاع غزة، مما تسبب في كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل.

على إثر ذلك، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، شهر نونبر الماضي، مذكرتي اعتقال بحق رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق في مجلس الحرب يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأوضحت المحكمة حينها أن جرائم الحرب ضد نتنياهو وغالانت تشمل: استخدام التجويع كسلاح حرب والقتل والاضطهاد و”غيرها من الأفعال غير الإنسانية”.

وفور الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار الأسبوع الجاري، عاد الحديث حول ما ارتكبته “إسرائيل” من جرائم بحق المدنيين العزل في غزة لأكثر من سنة، مع تجديد المطالبة بتقديم قادة الاحتلال للجنائية الدولية من أجل المحاسبة والعقاب.

وبهذا الخصوص، قال المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين “إن مرتكبي ومخططي الإبادة الجماعية الإسرائيلية بقطاع غزة يجب أن يقدموا للعدالة”، مشددا على أن السلام الحقيقي لن يكون ممكنا حتى تتحقق العدالة ويتوقف “الإسرائيليون” عن ارتكاب جرائمهم.

وأشار المركز إلى أن غزة شهدت دمارا كبيرا، حيث تنفذ “إسرائيل” هجمات متواصلة منذ أكثر من 15 شهرا، وأن هذه الاعتداءات تسببت في معاناة سكان غزة على نحو غير مسبوق في التاريخ.

وذكر المركز نقلا عن تقرير نشرته الأسبوع الماضي مجلة “لانسيت” الطبية الرائدة في العالم، أن أكثر من 64 ألف فلسطيني استشهدوا على يد “إسرائيل” في غزة منذ أكتوبر 2023 إلى يونيو 2024، وأن 59.1 بالمئة منهم أطفال ونساء ومسنون.

وجاء في البيان أن وقف إطلاق النار في غزة يجب أن يكون دائما، بالإضافة إلى ذلك، يجب تقديم مرتكبي هذه الإبادة الجماعية والمخططين لها إلى العدالة، ويجب ضمان المساءلة لمنع وقوع هجوم أكثر وحشية على الفلسطينيين”.

وأشار المركز إلى أن الوجود “الإسرائيلي” في الأراضي الفلسطينية المحتلة يتعارض مع القانون، مضيفا أن السلام والعدالة الحقيقيين لن يتحققا إلا بتحقيق العدالة واستعادة الحقوق التي حرم منها الفلسطينيون طويلا.

وفي سياق متصل، أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، أمس الخميس أن ممارسات قوات الاحتلال “الإسرائيلي” في قطاع غزة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، واعتبرت أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعتمد “معايير مزدوجة” عند التعامل مع جرائم “إسرائيل”.

وقالت المنظمة في تقريرها العالمي لعام 2025، إن إسرائيل “فرضت حصارا، وارتكبت عددا كبيرا من الهجمات غير القانونية، وتسببت في تهجير قسري، ما يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما حرمت الفلسطينيين عمدا من المياه اللازمة للبقاء على قيد الحياة، ما يشكل جريمة ضد الإنسانية وقد يرقى إلى جريمة الإبادة الجماعية”، كما اتهمت المنظمة إسرائيل بتعمد استهداف المستشفيات والمساكن وعمال الإغاثة وتدمير المدارس والمخيمات في غزة.

وانتقدت المديرة التنفيذية لهيومن رايتس ووتش، تيرانا حسن، مواقف إدارة بايدن من الحرب في غزة، واتهمتها باعتماد “معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، إذ تواصل الإدارة الأميركية توفير الأسلحة لإسرائيل على الرغم من الانتهاكات الواسعة للقانون الدولي في غزة، بينما تدين روسيا بسبب انتهاكات مماثلة في أوكرانيا”.

وفي بيان سابق، رحبت منظمة هيومن رايتس ووتش بإعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وقالت إنه “على مدى الأشهر الـ15 الماضية، تم استهداف المدنيين ومهاجمتهم وقتلهم على نطاق غير مسبوق في التاريخ الحديث”.

هيومن رايتس ووتش

وأضافت أنه لإنهاء هذه الفظائع، تحتاج إسرائيل إلى رفع حصارها، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية على نطاق واسع لتلبية الاحتياجات العاجلة، وضمان استعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، “وإلا سيستمر الناس في الموت، سواء كان هناك وقف لإطلاق النار أم لا”.

من جانبها، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامار، إن “وقف إطلاق النار المتأخر لن يكون كافيا لإصلاح حياة الفلسطينيين الممزقة بسبب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة”.

وشددت على أن “الكابوس لن ينتهي مع توقف القصف بالنسبة للفلسطينيين الذين تعرضوا لأكثر من 15 شهرا من القصف المدمر والمتواصل، والذين نزحوا مرارا من منازلهم ويكافحون من أجل البقاء في خيام مؤقتة دون طعام أو ماء”.

وأفادت بأن هذه المعاناة ستستمر ما لم ترفع “إسرائيل”، على وجه السرعة، الحصار غير القانوني الذي تفرضه على قطاع غزة.

كما طالبت المنظمة السلطات “الإسرائيلية” بأن تمنح بشكل عاجل مراقبي حقوق الإنسان المستقلين حق الوصول إلى قطاع غزة للكشف عن الأدلة وحجم الانتهاكات.

وفي نفس السياق، قالت المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز، إن إسرائيل اعترفت ضمنيا بارتكاب جنودها جرائم حرب في غزة، عبر نصح الجنود بتجنب نشر صور ومشاهد تشكل أدلة تدينهم في ملاحقات خارجية.

ووصفت المقررة أول أمس الأربعاء، موقف الجيش “الإسرائيلي” بخصوص حث أفراده على عدم نشر صور ومشاهد بأنه “صادم”، وأضافت: “بدلا من أن تنصح إسرائيل جنودها بعدم ارتكاب جرائم، تقول لهم غطوا وجوهكم أو اطمسوها عند مشاركة مقاطع الفيديو”.

وأكدت ألبانيز أن هذا يعد اعترافا من إسرائيل “أنه من الممكن أن يرتكب جنود إسرائيليون جرائم، وهذا أمر غير مقبول”.

ولفتت ألبانيز إلى أهمية سلطة “القضاء العالمي”، لدى تعليقها على هروب جندي “إسرائيلي” مؤخرا إلى الأرجنتين بعد أن كان على وشك الاعتقال في البرازيل، مذكّرة بأن قضايا مماثلة ضد جنود “إسرائيليين” أثيرت أيضا في ألمانيا ودول أوروبية أخرى.

وأكدت المقررة الأممية أن “إسرائيل” انتهكت المبادئ الأساسية للقانون الدولي، مثل حظر كل من العدوان والضم القسري للأراضي والتمييز العنصري والتعذيب والإبادة الجماعية.

وحذرت من أن مشروع “إسرائيل الكبرى” شديد الخطورة، مشيرة إلى أن الدول العربية وغيرها من الدول في المنطقة لا بد وأن تشعر بالقلق الشديد لأن قادة “إسرائيل” وشرائح من المجتمع “الإسرائيلي” يتحدثون عن “إسرائيل الكبرى”، لافتتة إلى أن “إسرائيل” تجاوزت القانون بتجاوزها للحدود المشروعة للقانون الدولي.

وشددت ألبانيز على أن الخسائر بين صفوف المدنيين الفلسطينيين في غزة مستمرة في الارتفاع وأن المجتمع الدولي أخفق في اتخاذ موقف حاسم ضد هذه الإبادة الجماعية، مؤكدة أن الفلسطينيين المدنيين يمزقهم القصف العنيف من الجيش “الإسرائيلي”، وتستهدفهم القناصة والمسيرات “الإسرائيلية”.

وانتقدت ألبانيز موقف قادة الغرب المؤيد “لإسرائيل” في مواجهة الإبادة الجماعية في غزة. وقالت: “ما ينقصنا هو التعاطف والإنسانية، لا سيما من قادة الغرب الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان والقيم العالمية كل يوم”.

ووصفت المتحدثة موقف الولايات المتحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية وتهديداتها بفرض عقوبات بأنه “خطير ومخز”، مشددة على أن هذا يعكس غطرسة القيادة السياسية الأمريكية، وأنهم لا يرون بقية العالم على قدم المساواة معهم بما في ذلك أقرب حلفائهم الغربيين.

كما أدانت تصريحات دول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية بأنها لن تنفذ مذكرة الاعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقالت ألبانيز: “أدلت دول مثل بولندا والمجر وفرنسا بتصريحات مماثلة. وقالت بولندا إنها ستسمح لنتنياهو بزيارة أوشفيتز (معسكر اعتقال نازي) وهذا أمر مخز”.

وأضافت: “إن هذا لا يضر بالفلسطينيين فقط، بل يخلق أيضا شعورا دائما بالامتياز “للإسرائيليين”، وهو ما سيؤذي الإسرائيليين على المدى الطويل. العديد منهم يشاركون في إبادة جماعية، وهناك جريمة إبادة جماعية تُرتكب (بغزة)”.

ومساء الأربعاء 15 يناير 2025، أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن، توصل الوسطاء إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لافتا إلى أن تنفيذه سيبدأ الأحد المقبل.

وجاء الإعلان عن الاتفاق في اليوم 467 من حرب الإبادة “الإسرائيلية” على القطاع، والتي خلفت بدعم أمريكي أكثر من 156 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 11 ألف مفقود.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى