الأقصى عقيدة تجمعنا – سعيدة حرمل
الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،
الحمد لله الذي بارك حول المسجد الأقصى،
الحمد لله الذي جعل بيته مثابة للناس وأمنا، وجعل الأقصى القبلة الأولى.
والصلاة والسلام على من قال” لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من جابهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. قالوا وأين هم يا رسول الله؟ قال بيت المقدس وأكناف بيت المقدس “!!
إلى أهل الرباط يبعث السلام ، ويرسل الامتنان، وتهز أكف الضراعة لله المنان قاصم الجبارين وناصر المستضعفين أن يرفع الضيم عن موطن سيدنا ابراهيم ومتعبد الأنبياء السابقين ومسرى خاتم النبيئين؛ أن يحمي الله بيته، وفي القلب غصة لا يخففها إلا حسن الظن به سبحانه !!وفي الحلق مرارة لا يذيبها إلا الأمل في نصره سبحانه.
الحديث عن الأقصى وبين يدي الأقصى من أقسى الأحاديث وأصعبها على الأنفس، ومن أقسى اللحظات أن تتحدث عن أمانة الأقصى ورباط أهل الأقصى، في زمن ابتلينا فيه بنسيان العهود والمواثيق التي رابط وتربى عليها المؤمنون، في زمن نعيش فيه على إيقاع أحزان وأتراح و تقلبات بالليل والنهار وأحداث متتاليات شرقا وغربا، في زمن الغربة، حيث اختلطت الموازين فلا الجار أكرم جاره و لا آمن بوائقه، ولا القريب أحسن لقريبه فنصره وأيده و بسط له بساط العفو والسماح، ولا المناسك عصمت أهلها من الفرقة والشتات..
كل هذا ويبقى الأقصى بقبته و صخرته شامخا شموخ هذا الدين، و صامدا صمود الإسلام المتين، مستقرا استقرار الإيمان في قلوب المخلصين الذين يعلمون علم اليقين أن لهذا الدين رب يحميه وللأقصى رب يحميه.
هم على العهد باقون وبالذكرى مستيقنون، وبالعقيدة الراسخة مؤمنون أنه لا تشد الرحال إلا الذي شد إليه الأوائل :”لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد بيت الله الحرام ومسجدي هذا وبيت المقدس .”
شد الرحال هو معنى جامع وشامل لكل معاني القوة و البأس، فلا شد بدون استفراغ الجهد : تخطيطا وتدبيرا وإعدادا ؛ شد مادي وشد معنوي؛ إيمانا وتوعية لنحارب النسيان، فغولدا مائير أعلنتها حين قالت “الكبار يموتون والصغار ينسون”.
رغم الفتن والمحن فلابد للأقصى أن تشد له الرحال ليجد مكانا في القلب والوعي والأسرة ونحن نطلع على صور المرابطين والمرابطات النائبين والنائبات عن الأمة في زمن سكرة وغثائية الأمة…
فنحن هنا نحتضن الطفل والوسادة في الحجر !!، وهن وهم يحتضنون الطوب والحجر!! نحن نحلم بكبر أبنائنا للدراسة والزواج والارتباط!! وهن وهم يحلمون بكبر أبنائهم كمشروع لتتمة مهمة الرباط !!نحن نخطط لتوسيع الديار والبيوت، وهن وهم يخططون لحراسة البيت من المتربصين شرا له وهن وهم يتناوبون على الصلوات في الأقصى ورفض البوابات الالكترونية ونحن هنا منا من منعه العذر فيبرئ الذمة إلى الله دعاء وصدقة وفعلا للصالحات.. ومنا من منعته الغفلات فينخرط في سلك المطبعين والمعذرين، وغدا كلنا سنقف ونسأل فليعد كل واحد منا جوابه!!!
الأقصى عقيدة تجمعنا، تجمع الجهود التي ترى والتي لا ترى .
في المسجد عادة يتعرف الناس على ربهم و يتعلمون أحكام دينهم، وفي الأقصى يتعلم الناس معنى الشهادة والبطولة ويتعلمون حب ربهم وبيته، وإدخال السرور إلى جدرانه فيرتلون مع الملائكة ترانيم النصر والصبر على أرض المحشر والمنشر على بوابة البركة التي إذا لحقت بالقليل أدركت الكثير، فباكتمال البركات تكتمل دورة الحياة لنعيش الأنوار الصافية والباقية؛ روي أن تميما الداري أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حمل من الشام إلى المدينة قناديل وزيتا وحبالا فلما انتهى إلى المدينة ووافق ذلك يوم الجمعة أمر غلاما فربط الحبال وعلق القناديل وصب فيها الزيت وجعل فيها الفتيل فلما غربت الشمس أمر غلامه فأسرجها وخرج رسول الله إلى المسجد فإذا هي تزهر، فقال من فعل هذا قالوا تميم الداري يا رسول الله فقال : نورت الإسلام، نور الله عليك في الدنيا والآخرة ؛ أما لو كانت لي ابنة لزوجتكها، فقال نوفل بن الحارث وهو صحابي وابن عم رسول الله وكان أسن من العباس : لي ابنة يا رسول الله تسمى المغيرة فافعل بها ما أردت، فزوجه إياها”، فما وجد أعظم ما يكرمه به من ابنته فلذة كبده!!
دون إذن من رسول الله نور المسجد فمن يسعى إلى تنوير بيوت الله فهو تنوير للإسلام فكيف بمن نور بيت البركات المسجد الأقصى.
النصر هو الأمنية الباقية في القلوب والأمل الشاخص أمام الأعين وسط الظلام الدامس ينتظره الصادقون، ويتشوق إلى قربه الشرفاء “وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب “النصر القريب يزداد قربا كلما اختصر طريقه “ولينصرن الله من ينصره”، الانتصار يكون للمنهج المنزل من السماء قبل أن يكون لجنود متراصين على الأرض، المنهج الحق لا يهزم وإنما يبتلى ويصاب، فالله عز وجل في القران الكريم يستعرض الآيات التي ذكر فيها النصر فلم ينسب هذا الأخير ويثبته إلا للمؤمنين أما غيرهم فنسبت لهم الغلبة التي هي قهر قوة مادية لقوة مادية مقابلة لها يقول تعالى “الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم “سورة الروم .
هو النصر ينادي في القلوب أن مدوا الأيادي فالانتصار لا يكون بقوة السلاح بقدر ما يكون بقوة الصلاح والإصلاح وقلة الخبث.
هو الخير يدعوك فرب بعيد عن البيت قلبه معلق به، عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله علبه وسلم أنها قالت : يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوه فصلوا فيه – وكانت البلاد إذ ذاك حربا – فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله”.