الأزمة السياسية في فرنسا تتعمق بعد حجب الثقة عن الحكومة
بعد 3 أشهر فقط على تولي ميشال بارنييه مهمة رئيس الوزراء، وفي خطوة تعمق الأزمة السياسية في البلاد، حجب النواب في الجمعية الوطنية الفرنسية أمس الأربعاء الثقة عن الحكومة الفرنسية.
وناقشت الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة الأولى للبرلمان) مقترحين لحجب الثقة عن حكومة الأقلية، قدمهما تحالف اليسار “الجبهة الشعبية الجديدة” واليمين المتطرف ممثلا في حزب “التجمع الوطني”.
وأقرت الجمعية الوطنية للمرة الأولى منذ أكثر من 60 عاما، مذكرة حجب ثقة عن الحكومة اقترحها اليسار المتشدد، وحصلت على دعم اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن، وأيد المذكرة خلال جلسة التصويت 331 نائبا من أصل 574، وهو أكثر بكثير من الغالبية المطلوبة.
وبالرغم من أن مصير ماكرون الذي تستمر ولايته حتى 2027، غير مرتبط دستوريا بحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء، طالب اليسار المتطرف في فرنسا الرئيس إيمانويل ماكرون بالاستقالة والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.
وتصبح بذلك حكومة بارنييه أول حكومة فرنسية تُجبر على الخروج من السلطة من خلال تصويت بحجب الثقة منذ 60 سنة، في وقت تكافح فيه البلاد للسيطرة على عجز ضخم في الموازنة.
وقال بارنييه في مقابلة تلفزيونية الثلاثاء الماضي، إنه لا يزال يعتقد أن حكومته ستنجو من التصويت المقرر إجراؤه بعد المناقشة. لكن زعيم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف جوردان بارديلا أكد أمس الأربعاء أن حزبه سيصوت مع أحزاب اليسار على الإطاحة ببارنييه.
وعارض سياسيون من اليسار واليمين المتطرف ميزانية بارنييه، التي تسعى لكبح العجز المالي الذي يتوقع أن يتجاوز 6% من الناتج القومي هذا العام، من خلال توفير 60 مليار يورو (63 مليار دولار) عن طريق زيادة الضرائب وخفض الإنفاق.
وسادت أجواء من التوتر الشديد خلال الجلسة، حيث ألقت شخصيات بارزة من الكتل السياسية، وخاصة اليساري إريك كوكريل، واليمينية مارين لوبان، كلمات قبل التصويت. وكثيرا ما تمت مقاطعة خطابات السياسيين بالصفير وصيحات الاستهجان.
وذكرت وسائل إعلام فرنسية، أن الرئيس إيمانويل ماكرون- الذي كان في طريق عودته بعد 3 أيام من محادثات رسمية في السعودية- صرح أنه “يريد تعيين رئيس وزراء ليحل محل بارنييه خلال 24 ساعة”.
وعانت حكومة بارنييه منذ اللحظة الأولى من وضعها الهش، رغم استنادها إلى ائتلاف جمع حزب رئيس الجمهورية ايمانويل ماكرون واليمين التقليدي، وهو ائتلاف يتمتع بأكبر عدد من النواب، ولكنه لا يتمتع بالأغلبية المطلقة.
ويحق لأي كتلة برلمانية طلب التصويت على الثقة في الحكومة في حال رفضها لخطاب سياسة الحكومة الذي يلقيه رئيسها أمام النواب، فور توليه مهام منصبه.
ويطرح رئيس الحكومة الفرنسية ميزانية الحكومة ومشاريع القوانين المختلفة أمام البرلمان لنقاشها والتصويت عليها، ولكن المادة 49.3 من الدستور الفرنسي تسمح لرئيس الحكومة في حال استخدامها بوقف نقاش النواب للميزانية أو مشروع قانون معين وإقراره مباشرة دون تصويت في البرلمان، ولكن هذه المادة، لدى استخدامها، تسمح لكافة الكتل البرلمانية بطلب التصويت على الثقة في الحكومة.
وجاء حجب الثقة بعدما استخدم ميشيل بارنييه المادة 49.3 لتمرير الميزانية التي اقترحها، بعد اقتناعه بأنها لن تحصل على أغلبية تصويت النواب، مما دفع بكل من الجبهة الشعبية الجديدة – يسار والتجمع الوطني – يمين متطرف لتقديم طلبات بالتصويت على الثقة في الحكومة، وتم التصويت على طلب اليسار أولا، لأنه تضمن عددا أكبر من توقيعات النواب وتم تقديمه قبل طلب اليمين المتطرف.
ويرتقب أن يتوجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الخميس بخطاب إلى الأمة، غداة إسقاط نواب البرلمان حكومة ميشال بارنييه. يأتي ذلك في الوقت الذي دعا أقصى اليسار إلى استقالة ماكرون وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، لكن هذا الموقف لا يحظى بتأييد زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان التي تبنت موقفا أكثر اعتدالا.
وتعمقت الأزمة السياسية في فرنسا بقوة بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي دعا لها الرئيس إيمانويل ماكرون قبل أوانها بهدف توضيح المشهد بعد الانتخابات الأوروبية. غير أن الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من يوليوز الماضي زادت من تعقيد المشهد وعمقت الأزمة السياسية أكثر، فكانت نتيجتها كما لخصها ماكرون أنه “لم يفز أحد”.