اشتراكية الإسلام – عبد الواحد رزاقي
عندما تشدق الماركسيون والاشتراكيون بأنهم وضعوا نظرية تساوي بين البشر وتجعلهم على قدم المساواة في الملكية والثروة، اصطدم أول قائد لها فلاديمير لينين1 بعقبة اجتماعية كؤود بل عقبة فطرية جبلية خلقية من إبداع الحكيم الخبير. وهي تفاوت البشر على مستوى القدرات العقلية والكسبية والمهارات الشخصية والإرادات المختلفة “صنع الله الذي أتقن كل شيء”2
فرفع شعار :”خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام” فرجع تلك الخطوة إلى الخلف فلم يتقدم قيد أنملة لأن لينين يمثل ذرة ضئيلة ضمن هذا الكون الفسيح لا يفقه شيئا مما سيحدث له يوم الغد بل لا يضمن لنفسه إذا تنفس أن يكمل نفسه أم يقبضه الله إليه.
حينما كتب المفكر الإسلامي الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله كتابه “اشتراكية الإسلام” ردا على أدعياء الاشتراكية، استحضر الجانب التضامني والتكافلي والروح الجماعية التي يتصف بها دين الإسلام العظيم.
فهو دين الجماعة بامتياز.فأركانه الخمسة التي يقوم عليها كلها جماعية وأجرها مضاعف.
فالشهادتان للذين يعتنقون الإسلام تتم أمام الشهود، وغالبا ما تكون داخل المساجد أو في المراكز الإسلامية المبثوثة عبر العالم ، يشهدها جمهور غفير.
والصلاة تقام في المساجد وأجرها مضاعف ب27 درجة مقارنة بالصلاة الفردية. وهذا مقصود في حد ذاته لأن التجمع مدعاة للسؤال عن الجار والقريب والصاحب بالجنب والبعيد لمعرفة أحواله وتقصي أخباره، هل هو في سعة من أمره أو في ضيق ومشقة ؟ هل يعاني من صعوبات أو مشاكل أسرية تقض مضجعه وتحرمه لذة النوم؟ مما يستدعي التدخل لإصلاح ذات البين، ومعرفة المحتاج والمريض والعاجز.
والزكاة ركن اجتماعي عن جدارة واستحقاق الغرض منه إغناء الفقير والمسكين وإحداث نوع من التوازن داخل المجتمع “كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم”.3
فالمزكي كي يترجم شكره لنعم الله عليه ،يخرج زكاة ماله أو تجارته وممتلكاته،تطهيرا لنفسه من الشح والبخل الذين يلازمانه كظله،خوفا من الفقر الذي يطبع النفس البشرية.
والصيام ركن اجتماعي بلا مراء لأن المسلمين في العالم يتوحدون في صيام شهر واحد كل عام حتى يشعر الطاعم الكاسي بالجائع العريان، ويعلم الغني المترف أن في المجتمع الذي يعيش في خضمه أناسا لا يملكون ما يملك، ولا يتمتعون كما يتمتع، فيحن قلبه بعد أن تكون عقارب الجوع قد عضته، فيبادر إلى الإنفاق في سبيل الله راضية بذلك نفسه. فسبحان من جعل زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث الذين قد يكون باء بإثمهما خلال الشهر الفضيل وطعمة للمساكين. “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين” صححه الألباني. فهده الشعيرة الاجتماعية التي تروم تعميم الفرحة على جميع أفراد المجتمع مكملة لفريضة الصيام التي تكفل الله تعالى بالجزاء عليها وحده في قوله في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به”. رواه الشيخان. فالصوم من أعظم العبادات خلوصا لله وتقربا إليه شعورا بأفراد المجتمع خصوصا الفئات الهشة والمعدمة، فالعبادة الفردية لا تجد معناها الكامل إلا بعد أن ترتبط بعبادة جماعية تستهدف فئات عريضة من المجتمع.
وهذه الشعيرة تسقط على من لا يملك قوت يومه رحمة من الله ورأفة. فأنعم بها من اشتراكية ربانية.
أما ركن الحج فلا يحتاج إلى دليل في كونه مؤتمرا عالميا يجتمع فيه المسلمون كل عام :”وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير”.4 المسلم يعلم علم اليقين أن كل خطأ يرتكبه أثناء أدائه لهذا الركن يكون ملزما بالفدية وهي ذبح شاة ينتفع بها الفقراء والمساكين بمعنى خدمات اجتماعية تراعي الفئات المعوزة داخل المجتمع. وهو في نهاية المطاف شعيرة جماهيرية تروم أداء المناسك الواجبة وصلة الرحم والتعارف وتبادل وجهات النظر والمنافع والتفكير فيما ينفع الأمة ويسعى إلى لم شملها ووحدة كلمتها.
الهوامش:
1- ثوري روسي ماركسي ولد في 22 ابريل 1870 وتوفي في 21 يناير1924 قائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي سنة 1917.
2- سورة النمل الآية 88
3- سورة الحشر الآية 7
4- سورة الحج الآية 27