استهداف رموز المسلمين.. حرية تعبير أم مؤشر لتنامي الإسلاموفوبيا؟
تتنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا في الدول الغربية بشكل مطرد، وتظهر تجلياتها في الاعتداء الجسدي والنفسي على المسلمين، وإحراق الرموز الدينية والاقصاء بسبب المعتقد واللباس من مناصب المسؤولية، وسلب الأبناء ومنحهم لأسر شاذة، وتدنيس المساجد والمقابر، علاوة على الترحيل إلى الأوطان الأصلية.
وقد أصبح حرق وتمزيق نسخ من القرآن الكريم عادة في سلوك بعض المتطرفين في الدول الغربية. وكان آخرها إحرق زعيم حزب “الخط المتشدد” الدانماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان نسخة من القرآن الكريم في العاصمة السويدية ستوكهولم يوم السبت 21 يناير 2023، وتمزيق زعيم جماعة “بيجيدا” المناهضة للإسلام في هولندا إدوين واجنسفيلد نسخة من القرآن الكريم وسط العاصمة الهولندية لاهاي، يوم الاثنين 23 يناير 2023.
وفي الوقت الذي تناصر فيه مجموعة من الدول الغربية تلك السلوكات وغيرها من الاعتداءات على المقدسات بدعوى حرية الرأي والتعبير، تُرجع فيه الكثير من الدراسات تلك التصرفات إلى تنامي الإسلاموفوبيا وكراهية المخالفين، وفي هذا الصدد كشفت تنسيقية محاربة الإسلاموفوبيا في أوروبا عن أرقام صادمة في تقريرها السنوي الذي يتعلق بانتشار ظاهرة كراهية الإسلام في مختلف الدول الأوروبية.
ونبهت التنسيقية إلى وجود هوة كبيرة بين التقارير الرسمية للدول الغربية وبين الواقع الحقيقي الذي يعيشه المسلمون في تلك الدول، مشيرا إلى أن موجات الإسلاموفوبيا أخذت في الارتفاع على نحو كبير في السنة الأخيرة، موضحا أن المدارس تعد التربة الخصبة لانتشار مظاهر الإسلاموفوبيا علاوة على ملابس النساء.
كراهية ومعاداة
وفي بريطانيا، أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أن نسب جرائم الإسلاموفوبيا (كراهية ومعاداة الإسلام) في إنجلترا وويلز التابعتين للمملكة المتحدة، ارتفعت في العامين 2021 و2022، وأن المسلمين هم الأكثر عرضة للاستهداف من قبل الجماعات الدينية الأخرى.
وبحسب بيانات الوزارة، سجلت الشرطة 3 آلاف و459 حادثة كراهية ضد المسلمين بين مارس 2021 ونفس الشهر من العام 2022، بنسبة زيادة بلغت 42 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من العام الأسبق.
وقررت حكومة المحافظين البريطانية التخلي عن العمل على مشروع قانون يضع تعريفا رسميا للإسلاموفوبيا. وكان الغرض منه وضع إطار قانوني للتعامل مع هذه الظاهرة المتزايدة في المملكة المتحدة، ويرتفع ضحاياها من المسلمين البريطانيين.
أما في فرنسا، فدعا الناشط اليميني المتطرف باتريك غاردان خلال استضافته في أحد البرامج التلفزيونية، إلى إبادة المسلمين، كما ساند إرهابي نيوزيلندا الذي قتل 49 شخصا في مسجدين قبل عامين، وهو ما خلق موجة من الاستنكار على وسائل التواصل الاجتماعي في فرنسا.
وحسب موقع “الجزيرة” فإن الناشط باتريك غاردان لم ير في تصريحاته خلال استضافته في برنامج “تي بي إم بي” الذي تبثه قناة “سي 8” الفرنسية، أي مشكلة في هجوم نيوزينلدا الإرهابي. وقال غاردان إنه “يملك مشكلة حقيقية مع الإسلام كدين والقرآن (الكريم) ككتاب سماوي”، وفق قوله.
وأظهرت دراسة أجريت في العاصمة الهولندية أمستردام، تزايد ممارسات الإسلاموفوبيا ضد المسلمين، في الحياة العملية وعلى المنصات الافتراضية. وكانت الدراسة قد أعدها مركز الهجرة الأوروبية المتوسطية والتنمية (EMCEMO)، بطلب من بلدية أمستردام.
صور نمطية خاطئة
وفي الولايات المتحة الأمريكية، كشفت دراسة حديثة ضعف حضور المسلمين في التمثيل بالتلفزيون، موضحة أنهم لا يحضرون إلا بصور سلبية وتنميطات اجتماعية ضحلة. وجاءت هذا الخلاصة بعدما حلل باحثون من كلية آنينبيرغ للإعلام والصحافة في جامعة جنوب كاليفورنيا أكثر من 200 مسلسل تلفزيوني جرى بثها بين عامي 2018 و2019.
وتم هذ البحث حسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية نشرته يوم الأحد 11 شتنبر 2022 لفهم الكيفية التي يجري بها تصوير المسلمين في المسلسلات الشعبية.
وكشف تقرير رسمي صدر مؤخرا في كندا، عن ارتفاع عدد جرائم الكراهية ضد المسلمين في كندا بين عامي 2020 و2021 لدى الشرطة بنسبة 71 بالمائة.
وسجّل التقرير الذي أصدرته هيئة الإحصاء الحكومية، أن هجمات الكراهية عرفت زيادة من 84 هجمة في عام 2020 إلى 144 هجمة كراهية في عام 2021، أما في عام 2019 فقد بلغ عدد جرائم الكراهية ضد المسلمين المبلغ عنها في البلاد 182.
سبل الحل
وعقب تنامي تلك الحوادث، دعت منظمة التعاون الإسلامي إلى وضع حد لظاهرة الإسلاموفوبيا وتصاعد المشاعر المعادية للمسلمين في بعض الدول الأوروبية. واقترحت خلال اجتماع مفتوح على المستوى الوزاري عقده فريق اتصال منظمة التعاون الإسلامي المعني بالمسلمين في أوروبا يوم الاثنين 19 سبتمبر 2022، بذل المزيد من الجهود لدعم الحوار البناء من أجل تعزيز الانسجام بين الثقافات والتفاهم والتسامح والاحترام المتبادل.
بدورها، أعربت المفوضية الأوربية، أمس الخميس، عن قلقها جراء وصف بعض الأحزاب الدنماركية للمهاجرين، وعلى رأسهم المسلمين، بـ “تهديد على الثقافة الدنماركية”. كما انتقدت خطة للحكومة الدنماركية تهدف لإسكان الغربيين وغير الغربيين في أحياء منفصلة، كما جاء ذلك في تقرير للمفوضية الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب، أشارت فيه إلى تعرض الأقليات والمهاجرين في الدنمارك للعنصرية.
وحاولت بعض الدول مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا بطرق متنوعة، فعلى سبيل المثال، عين رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الخميس الناشطة أميرة الغوابي أول ممثلة للبلاد لمكافحة الإسلاموفوبيا. وعملت الغوابي صحفية سابقة وعضوا مؤسسا في شبكة مناهضة الكراهية الكندية، وكان لها دور أساسي في إنشاء المجلس الوطني لمسلمي كندا “NCCM” وهو أكبر منظمة إسلامية في البلاد.
يشار إلى أن عدة أصوات غربية معروفة لاعتدالها وحكمتها تنشط في حركة ضد تلك المناوئة للمسلمين وللجنوبين بصفة عامة، وتطالب دولها باحترام حقوق الإنسان ومحاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا.