من إنجازات المسلمين في رمضان1: جامعة القرويين الأقدم في التاريخ

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.
وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.
ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات.
يعد حدث بناء جامعة القرويين من ضمن أرسخ الأحداث الكثيرة التي جرت في تاريخ المغرب والإسلام خلال شهر رمضان المبارك، حتى أن موسوعة غينيس للأرقام القياسية صنفت جامعة القرويين في فاس كأقدم جامعة في العالم ما زالت عاملة إلى الآن دون انقطاع.
ويُنسب فضل إنشاء “القرويين” إلى فاطمة الفهري التي أسست جامع القرويين في منتصف القرن التاسع الميلادي/ منتصف القرن الثالث الهجري، بمالها من الحجر والطين بعدما اشترت الأرض التي خُصصت للجامع والجامعة فيما بعد من ميراثها الكبير.
يذكر ابن خلدون في القرن الـ14 عن صنيع فاطمة بعد أن ينقل ما رواه ابن أبي زرع، مشيرا إلى انتقال خطبة الجمعة إلى جامع القرويين وازدحام المنطقة المحيطة به، ويعقب ابن خلدون “فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها”.
جذبت الجامعة العديد من العلماء والفلاسفة، ومنهم ابن باجة، والشريف الإدريسي، وابن رشد، وموسى بن ميمون، وابن خلدون، وكذلك بابا الفاتيكان الفرنسي “سيلفستر الثاني” الذي درس العلوم بالعربية ويعتقد أنه نقل الأرقام العربية إلى أوروبا.
وتوجد بمكتبة الجامعة نسخ نادرة لصحيحي البخاري ومسلم، ومؤلفات ابن قتيبة والماوردي وابن كثير والجاحظ والفارابي وعدد من أعلام الفقه والنحو واللغة والطب القديم، وفيها “البيان والتحصيل” لابن رشد، و”مختصر أبي صعب الزهري”، فضلا عن نسخة قديمة من الإنجيل باللغة العربية مكتوبة بالخط الأندلسي.
وتحتوي المكتبة على النسخة الوحيدة في العالم من كتاب ابن طفيل في الطب “الأرجوزة”، مضيفا أن الخزانة تضم أيضا نسخة من القرآن تعود هي الأخرى إلى القرن الثاني الهجري، وقد كتبت بماء الذهب على رق الغزال بخط كوفي قديم.
وتعتبر “سيرة ابن إسحاق” من أقدم المخطوطات التي تتوفر عليها خزانة القرويين، و“كتاب الصيغ” لأبي إسحاق الفزازي الذي يعتبر أقدم مخطوط في العالم العربي، ويعود تأليفه إلى القرن الثاني الهجري، ومخطوط “دوام التحصيل” لابن رشد، ونسخة من كتاب “العبر” لابن خلدون جعلها بنفسه وقفاً على المكتبة حين كان يقوم بالتدريس بفاس. وقد صنفت منظمة اليونسكو هذا المخطوط ضمن التراث العالمي الإنساني.