أين في غزة حق حماية الأطفال في مناطق الحروب؟ – الحبيب عكي

ليس من باب الاعتقاد في أن المنظمات الحقوقية القومية والدولية بإمكانها فعل شيء أو بيدها فعل ذلك، وقد فضحها عجزها وصمتها الرهيب تجاه ما يجري أمامها من تدهور الأوضاع الحقوقية في غزة من طرف العدوان الصهيو – أمريكي عدو الإنسانية الذي لم يترك جريمة حرب بشعة إلا وقام بها عن ترصد وإصرار، كل يوم تخلف ضحايا في الصغار والكبار، وهو يفلت من العقاب بل حتى من مجرد المتابعة والمساءلة وكأننا في قانون الغاب يأكل فيه القوي الضعيف، لا أمم متحدة ولا مجلس أمن ولا منظمات حقوق الإنسان أو محكمة عدل دولية، إلا ما كان أمم حق القوة لا قوة الحق ومجلس الانحياز للطرف الظالم وتسخير كل شيء له بالتغاضي والكيل بمكيالين.
وليس من باب تجزئ حقوق الإنسان الفلسطيني التي ينبغي أن يتمتع بها كاملة غير منقوصة، لا أن يغني بعضها عن بعض كإغناء حق حماية الأطفال في مناطق الحروب والتوترات والكوارث عن غيرها من الحقوق الأخرى والأساسية. فالحقوق منظومة نسقية متكاملة لا تدور عجلتها في الاتجاه الإنساني اللازم والمثمر إلا بسلامة كل أجزائها وتضافر كل مجالاتها واحترام كل شروط نشرها وتعميمها دون اعتبارات الزمان والمكان واللون والجنس والدين واللغة… كما يقولون، غرضنا إذن: “تبع الكذاب حتى لباب الدار” لعله يدرك أنه على نفسه يكذب وأن الجميع قد أدرك ذلك، فليلعبها لعبة حقوقية جادة وصادقة وإلا فهو شريك في المأساة لا يوقفها ولا حتى يحكيها.
وطوال تاريخه الحافل بالصراعات والتوترات الدولية المريرة والممتدة، ومساهمة منه في تهدئتها وإخمادها وحفظ شيء من الأمن والسلام والتمكين لإنسان الحرية والكرامة والتعايش والعقلانية، وضع المنتظم الدولي ونسخا عنه القومي والوطني حقوقا أساسية للإنسان في كل المجالات ولكل الفئات وأخذ عن عاتقه أن يتمتع بها الإنسان كل الإنسان دون اعتبارات – كما قلنا – لا للزمان والمكان ولا اللون والجنس أو الدين واللغة…كما يقولون، وإمعانا في بلوغ أهداف الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والإنصاف المجالي والنوعي والفئوي، فقد خص الأطفال كل الأطفال بحقوق متميزة عبر اتفاقيات وعهود ومواثيق وبروتوكولات وملحقات..، لا تلبث أن ينقح بعضها بعضا بما يجعلها أكثر شيوعا ونجاعة.
حقوق صادقت عليها معظم دول العالم فأصبحت بذلك مجبرة على تنفيذها في سياسات حكوماتها وأجرأتها في برامج بلدانها تحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة ومساعدات ومساءلة صندوق نقدها الدولي. ومن تلك الحقوق المعتبرة والمتميزة في الحقيقة: حق حماية الطفل في مناطق الحروب والنزاعات والتوترات والكوارث بضمان أمنه وسلامته الجسدية والنفسية، وتوفير مأكله ومشربه ملبسه ومأواه، والابتعاد عن إشراكه في الأزمة مشاركا يحمل السلاح يعني “مجندا صغيرا سلاحه أطول منه” أو مستهدفا بأي شكل من الأشكال كمدني في بيئة مدنية يمكن أن يخرجه ذلك من الطفولة البريئة والحياة الاجتماعية السليمة والنمو الجسدي والنفسي الطبيعي.
فأين هذا الحق الدولي والإنساني في ما يحدث من العدوان الصهيو – أمريكي على أطفال “غزة”؟. جاء في اتفاقية حقوق الطفل الدولية/1989: حق حماية ورعاية الطفل.. حق الحياة والبقاء والنمو.. حق المشاركة والتعبير.. الحماية من العنف والأذى والاستغلال الجسدي والاقتصادي والجنسي.. والإعالة والرعاية التربوية والصحية..، فهل أطفال غزة اليوم لا يؤذون جسديا ونفسيا وصحيا ومدرسيا وهم كل يوم تدمر عليهم ديارهم (22300 منزلا مهدما أحدث منهم 20 ألف طفلا شهيدا بما يعادل 60% من مجموع الشهداء).. يجوعون حتى الموت ولا مساعدات (650 ألف طفل مهدد بالمجاعة و36500 شاحنة مساعدات محبوسة على أبواب المعابر).. ييتمون بالآلاف حتى يتفرج عليهم مشردين من نزوح إلى نزوح (44573 ميتم).. تبتر أطرافهم فلا يجدون لا أطرافا ولا دواء ولا مستشفى (48 مستشفى مدمر).. تهدم مدارسهم ( 156 مدرسة) ومساجدهم (833 مسجد و3 كنائس).. فلا أمن روحي ولا جسدي ولا اجتماعي ولا نفسي..؟
وجاء في اتفاقية جنيف/1949 وبروتوكولها التكميلي/1977 .. ضرورة منع تجنيد الأطفال أو الاتجار فيهم بالبيع أو الاتجار الجنسي والمواد الإباحية..، وضرورة حمايتهم من كل هذا في الحروب الأهلية وأثناء النزاعات الدولية، وهو عمل تم فعلا في 50 دولة وجماعة مسلحة؟، فأين مثل هذا العمل الحقوقي الميداني في “غزة”؟، من يواكب مآسي الأطفال في غزة ؟، من يضمد جراحهم، من يرد جوعتهم، من يخفف روعتهم، من يهدئ نفسيتهم..، من يبلغ عنهم وكل الشاشات قد بلدت حواسنا بصورهم المؤلمة؟، من يتخذ أي إجراء لمنع هذه الكوارث وقد تبلد الضمير الإنساني بفظاعتها، أي طفل من البشر أو حتى من الحجر يبتلى بما ابتلي به طفل فلسطين ثم يستكين بعيدا عن المعركة وهي معركة أمته ومقدساتها، معركة وطنه التحرري وإخوته وأجداده، بل معركة شرف كل الإنسانية؟
وجاء في قرار مجلس الأمن 1612/2005 حق وجوب الرصد والمراقبة والإبلاغ عن كل خرق لحقوق الطفل في أي زمان وأي مكان وممن كان؟، وكم كانت المعارضات وجمعيات المجتمع المدني الحقوقي تنشط في هذا المجال وتدبج تقاريرها التي ترفعها إلى الأمم المتحدة وإلى المنظمات الحقوقية الدولية كتقارير موازية لتقارير الدولة وضدها، مما يضغط على نظامها الحاكم بحق أو باطل فتضطر حكومته لتحريك البرك الآسنة وهي مرغمة، أين هي الآن كل هذه الجمعيات ولماذا ابتلعت لسانها، لماذا انتهت دلائلها وتكاوينها ومرافعاتها؟، لماذا هي عاجزة عن فعل حتى ما فعله أحفاد “مانديلا”؟
كما جاء أيضا في القانون الإنساني الدولي:.. منع الهجوم على المدنيين والأطفال والبنيات التحتية المدنية، ورغم ذلك فالكيان لا يلبث يقصف الملاجئ والمساجد والمدارس ومآوي توزيع المساعدات وتقديم الإسعافات ك”UNRWA” وكل شيء تتخذه بكل خسة وسفالة قنصا للقصف العشوائي على المدنيين الأبرياء. هل هذه هي حقوق النساء والأطفال والشيوخ؟ أو هل صحيح أن هذه الحقوق ومنذ أن وضعها الغربيون قد خصصوها لبني جلدتهم لا لغيرهم، وبالتالي لا غرابة ألا ينال غيرهم منها إلا صداع الرؤوس وانفجارها؟
إن العدو الصهيوني وحلفاؤه الأخساء ليسوا لا أقوياء ولا خارقين بل أجبن الجبناء وأضعف الضعفاء، ولكنهم يفعلون فينا ما يفعلون من جرائم بشعة وضد الإنسانية لأنهم يأمنون العقاب وفي كل مرة، وقديما قيل: ” من أمن العقاب أساء الأدب”، لهذا ونحن نعبر عن صدق تضامننا مع إخواننا في غزة، فهل نستطيع شحذ وسائلنا المتاحة والمشروعة وتفعيلها بشكل تناسقي مستمر حتى نساهم قدر المستطاع في صدق إسنادنا للمقاومة، كثيرة هي وسائل التضامن مع القضية ولعل أهمها في الوقت الحالي والأوضاع الراهنة هو: هل نستطيع الحفاظ على منظومة فكرية عقائدية صافية تجاه القضية مهما كانت مكلفة وممتدة: نحن أصحاب الأرض.. أصحاب الحق.. ولا سبيل لاسترداده إلا بخيار المقاومة والجهاد.. اعترف بذلك المعترفون وتبناه المتبنيون أو استوحشه المستوحشون واستبعده المستبعدون؟
أيضا، تثمين كل وسائل المقاومة الشريفة بمقاييس الإيمان والإرادة والنصر في السماء لا مقاييس القوة والفتك والتدمير على الأرض والذي يحسنه حتى ملاعين المتوحشين. ينبغي تثمين التعاطف الإنساني والتضامن الشعبي العارم وغير المسبوق الذي أصبحت تحظى به قضيتنا العادلة، واستثمار ذلك من أجل مزيد من الدعم والنصرة والترافع لكسر الحصار عبر المزيد من فعاليات وابداعات النشطاء والشعوب من الوقفات الاحتجاجية والمسيرات المليونية والرحلات البرية والبحرية لفتح المعابر، وحملات المساعدات لإرواء العطش وكسر التجويع، المقاطعة الواسعة والدائمة وإسقاط التطبيع بكل أشكاله..، وكل ذلك شكل من أشكال جعل القضية قضية كل فضلاء الإنسانية عبر العالم، يترافعون عنها دوما وعن أبنائنا ونسائنا وشيوخنا وبكل الوسائل والأشكال ضد الاحتلال والاستيطان الذي هو أصل البلاء وأصل ما تسلط عليهم من العدوان والحرمان والطغيان، الذي يبدو أنه قد تمرغ اليوم في وحل التجويع والتعطيش حتى الموت، وحل الجبن والخسة والدناءة يسجله التاريخ ضده بأقصى هزيمة، فمن ذا الذي سيمحوها عنه وكيف، وهل تمحى أصلا “قرقرات” الجوعى و”غرغرات” العطشى.. تأوهات ضحايا المساعدات ومقصوفي المستشفيات..، وكثير منهم شيء من ذاك هنا وذلك هنالك؟
(*) الأرقام من البيان رقم 892 الصادر عن المكتب الإعلامي الحكومي إلى غاية 650 يوما من حرب الطوفان.