د أوريد: لا بد من صياغة خطاب موحد في إطار قمة عربية للتصدي لخطة ترامب

أوضح الدكتور حسن أوريد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط على أهمية أن نحدد رؤية لما نتوخاه، ونرسم السبيل القاصد الذي ينقلنا إلى ما نبتغيه وننشده بتحديد عناصر ناظمة ستؤثر في المستقبل القريب والبعيد في هذا العالم.
وتحدث المفكر المغربي خلال مشاركته في مجالس “أسمار وأفكار” بالعاصمة القطرية الدوحة في موضوع “الوضع السياسي في المنطقة، بين الخوف من مشروع ترامب والرجاء مع نهاية الحرب” بتاريخ 10 فبراير 2025.
وتطرق أوريد لعدد من عناصر التحول في المشهد العالمي اليوم؛ أولها صعود الاتجاهات الشعبية والتي أصبحت مكونا بنيويا أو ما يسمى باليمين المتطرف، (ترامب، فيكتور أوربان في هنغاريا، في إيطاليا، السويد وأرجاء أخرى، الأرجنتين وقبلها البرازيل والهند…).
واعتبر أنه توجه عالمي في الغرب وغير الغرب، وسببه استعداء الآخرين ونوع من التوتر مع الآخر بل بداخل هذه المجتمعات، مرجحا تأجيج التوجس من الآخر ويقصد به الإسلاموفوبيا.
العنصر الثاني هو التغيرات المناخية التي انتقلت من طور إلى طور وهو ما يسمى بمصطلح عالم “الانتروبوسين” وهي كلمة منحوتة من أنتروبوس وهو الإنسان بالإغريقية، وتعني التغييرات الناجمة عن الإنسان، حيث انتقل الزمن الجيولوجي من التغييرات الوئيدة إلى تغييرات بفعل الإنسان والتي أصبحت تتهدده إما من خلال شح التساقطات أو نضوب المجاري المائية أو حتى غور البحيرات.
وذكر أن المنطقة سوف تعيش احتدادا واحتداما هذه التحديات المناخية، التي من تداعياتها المحتملة الهجرة إما داخل البلدان أو الهجرة الخارجية، مما سيشكل تحديا سوف يؤثر على السبيكة الاجتماعية داخليا وبينيا.
ويتعلق العنصر الثالث بالذكاء الاصطناعي، وأننا أمام ثورة غير مسبوقة سوف تغير العالم، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس أداة مثل الثورة الرقمية ولكن أصبح طرف وهو ذكاء آخر يعني مختلف تماما عن الذكاء البشري، قد يوظف لصالح الإنسان ولكن يمكن أن تترتب عنه كذلك مضاعفات ليست لصالح الإنسان.
وأوضح المتحدث أن أثر الذكاء الاصطناعي سوف يتجاوز تأثير الكهرباء في العالم، ونحن نتأثر أحببنا أم كرهنا بما يجري فيها، والحال أنه ليس هناك رقعة في العالم العربي لم تتأثر بما جرى ويجري في غزة، منبها إلى ضرورة استحضاره لفهم واقعنا وفهم هذه الرقعة التي نحن جزء منها رغم الاختلافات التي قد تعرفها بعض عناصرها، وبالتالي نحتاج إلى أن نفهم مآل ومصير هذه الرقعة.
وأشار المفكر المغربي إلى أن العالم العربي توقف منذ 1907 لأسباب موضوعية:
أولا: إبرام مصر اتفاقية كامب ديفيد وما ترتب عنها من عزل مصر من قبل ما سمي حينها بمعسكر الصمود والتصدي، مما أدى إلى شرخ داخل العالم العربي حيث لم يعد كما بدأ في حرب أكتوبر 1973.
ثانيا: الثورة الإيرانية والتي أثرت وغيّرت من الثقافة السياسية في المنطقة. وتسائل أوريد هل كان يمكن للحرب العراقية الإيرانية أن تنشب لو لم تكن هناك الثورة الإيرانية؟ وهل كان يمكن الاتحاد السوفيتي أن يغزو أفغانستان لو لم تكن الثورة الإيرانية؟ مشيرا إلى أن العالم العربي توزع في خضم الحرب الإيرانية العراقية بين مناصر لإيران ومناصر للعراق، ثم ظهرت تكتلات جهوية من قبيل مجلس التعاون الخليجي، ومجلس التعاون العربي الذي ضم لفترة مصر والعراق والأردن وليبيا، واتحاد المغرب العربي الذي ضم المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.
وتلا الثورة الإيرانية حدث اجتياح الكويت من قبل العراق في 1990، الذي أجج الشرق وأدخل العالم العربي في دوامة لم ينهض منها، كما أثرت الحرب على الإرهاب على العالم العربي وأصبح موزعا بين قوى جهوية (إيران تركيا وإسرائيل)، ولم يعد العالم العربي مُؤثرا في قضاياه بل متأثرا.
واعتبر أوريد أن الفترة الجديدة الحالية؛ يمكن أن تحمل بشائر أمل من أجل نظام عربي جديد يصبح هذا العالم بالنظر إلى حمولته التاريخية والحضارية، مالكا لأمره ومتحكما في مصيره من خلال قواعد عامة للتضامن وبعض المبادئ لتنقية الأجواء وحل النزاعات بالطرق السلمية، كما يمكن كذلك أن يفوت الفرصة إما من خلال انعدام رؤية أو لأسباب خارجة عن إرادته .
وبهذا الخصوص، ذكر أوريد مجموعة من العناصر التي تبعث على الارتياح وأخرى على الأمل وأخرى على القلق وأخرى على الخوف. وأشار لبعض النماذج منها التطور السلس الذي عرفته سوريا، حيث يعتقد أنه لا يمكن إلا أن نرتاح للتطور الذي عرفته سوريا من خلال وضع حد لنظام جثم على السوريين.
ويرى أوريد أن العمل على مصالحة سوريا مع محيطها والخطوات الإيجابية من مصلحة الجميع، وأن نجاح هذه التجربة وكل المؤشرات يفيد بأنها قد تكون حاملة لبواعث الأمل منها من بواعث الإخفاق، خاصة الرعاية التي أبدتها بعض الدول ومنها دولة قطر والمملكة العربية السعودية.
ودعا المفكر المغربي ضرورة توحيد لغة الخطاب على مستوى العالم العربي، مؤكدا على مرجعية جامعة للدول العربية والعالم العربي وهو المبادرة العربية التي تم الاتفاق عليها وتبنيها في القمة العربية التي انعقدت في بيروت في سنة 2002.
كما دعا إلى مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل إعمار غزة، وأن يكون الإعمار مقترنا بتحقيق الشعب الفلسطيني لمصيره. وطالب بتعبئة الرأي العام الدولي كما كانت هناك تعبئة من أجل وقف الحرب، مشيرا إلى أن عدم الوقوف أمام هذا المشروع قد يشجع الأطراف الأخرى للتمادي ولا يمكن حقيقة توقع الانعكاسات السلبية التي يمكن أن تحدث على جسم العالم العربي.
ونبه أوريد إلى أننا أمام لحظة مفصلية الأمل فيها مشرع ولكن يمكن لهذا الأمل أن يذهب إلى أدراج الرياح مع هذا المخطط الذي سماه البعض جنوني وأخرق، مع عدم الاقتصار فقط على الإدانة اللفظية بل لابد من إجراءات حاسمة.
وجوابا على سؤال: ما هي ملامح النظام العالمي الجديد وما هي الملامح التي تريدها المجتمعات؟ أوضح أوريد أننا أمام مرحلة مفصلية مشرعة على الأمل وبذات الوقت هناك مخاطر، وبالتالي ينبغي التعامل مع مشروع الترحيل بجدية، مشيرا إلى طريقة تعامل كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مع الدول، فقد استهزأت بمصر والأردن حينما طلبت منها استقبال سكان غزة، واعتبرت أن السعودية لا تؤمن بدولة فلسطينية، وهو ما اعتبره المتحدث استهتار لا بد أن يوضع له حد، وبالتالي لا بد من صياغة خطاب موحد في إطار قمة عربية تُذكر بالثوابت.
واستغرب أوريد تغير خطاب ترامب تجاه المسلمين بعد أن عبّر عن توجسه من العالم الإسلامي، مشيرا إلى ـن المتوقع كان المصالحة مع جميع الأطراف لمواجهة الصين، إلا أن ما حصل هو العكس تماما، مضيفا أن الموقف المُعبر عنه تجاه غزة لا ينم عن مصالحة مع العالم الإسلامي.
ونبّه أوريد إلى أن الفاعل الوحيد في المنطقة اليوم هي الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لا يجب أن يُترك الحبل على الغارب بالنسبة للقضية الفلسطينية، وينبغي الوقوف بصرامة ضد هاته الخطوة لأن هناك ظلم من جهة، ولأن انعكاساته ستكون سلبية على العالم العربي، فلا أحد سيكون بمنأى عن التداعيات لو تم لا قدر الله تنزيل هذا القرار، ولن تسلم أي دولة بل ستكون عرضة لاهتزازات.
وأشار المتحدث إلى أن العالم العربي فشل مرتين في انتقال ديمقراطي، ففي فالموجة الأولى عقب سقوط جدار برلين بدأت إرهاصات ديمقراطية في الأردن واليمن وتونس والمغرب.
والموجة الثانية تمت بعد الربيع العربي، حيث كانت هناك إرهاصات في عدد من الدول العربية فشلت كلها لوجود مشاكل بنيوية يبدو أنها لم تحل، ولم تخرج عن التقرير الصادر عن الأمم المتحدة الذي أكد على وجود عوائق في البلدان العربية ومنها ضعف الحكامة الاقتصادية على أساس وجود اقتصاد ريعي، وثقافية لتفشي الأمية، معتبرا أن جوهر المشكلة سياسي بالأساس، لوجود شرخ بين الحاكم والمحكوم، مؤكدا على ضرورة أن يكون الحكم تعبيرا عن عقد اجتماعي وأن تكون الدولة أداة للصالح العام.
وختم المفكر حسن أوريد حديثه بالقول “أعتبر أن طرح المشكل هو جزء من الحل، ولا بد أن نتحلى بالجرأة لطرح مشاكلنا، وألا نبقى عالة مع رصيد حضاري ولغة حضارية وموقع جغرافي متميز. ولا يمكن أن يبقى عالمنا مُؤثر فيه بدل أن يكون مؤثِرا”.