أهمية القرآن ورمضان في حياة المسلم ـ خطبة صلاة عيد الفطر/الحسين الموس
الخطبة الأولى:
الله أكبر الله أكبر ….الحمد لله الذي أنزل الكتاب على عبده ولم يجعل له عوجا. الحمد لله فاطر السموات والأرض. الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور.الحمد لله الذي وفق عباده لصيام رمضان وقيامه.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأسهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله. أما بعد: عباد الله ها قد وُفقتم لإكمال عدة رمضان، وخرجتم من مدرسة القرآن حامدين شاكرين لربكم نعمه مكبرين مهللين بتوفيقه لكم: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185]. ها قد انطوتْ صفحاتُ رمضان وغلقت سجلاّتُهُ ، وتوارت أيّامُهُ ، فهنيئا لمن كتب فيه من الفائزين، وجعلني الله وإياكم منهم بفضله ومنه وكرمه. وها نحن اليوم نجتمع من أجل إحياء شعيرة العيد، التي شرعها الله لعباده في في خِتَامِ الشَّهرِ المبارك.
عباد الله إن رمضان مدرسة ربانية، فيه نزل القرآن الكريم، الذي مقصده إخراج الناس من الظلمات إلى النور قال الله عز وجل: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1]…وهذا الإخراج من الظلمات إلى النور هو مقصد بعثة الأنبياء عليهم السلام جميعا قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5]. ولنا عباد الله أن نتساءل هل هذا القرآن الذي أنزله الله في ليلة القدر، والذي صحبناه خلال رمضان تلاوة وتهجدا وتدبرا هل أخرجنا من الظلمات إلى النور؟ أم أننا نُقبل عليه بعض الوقت خلال رمضان ونستنشق بعض أريجه ثم بعد خروجه لا نلتفت إليه، ولا نتصل به إلا في بعض المناسبات كالجنائز؟
عباد الله إن أمتنا اليوم تمر بأحوال عصيبة من تاريخها ولا يخرجنا منها إلا أن تعود إلى القرآن تستمد منه النور والحياة والهداية. وقد ورد في بعض الآثار عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – : قال : «نزل جبريل عليه السلام على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأخبره : أنها ستكونُ فتَن ، قال : فما المخرَجُ منها يا جبريل ؟ قال : كتابُ الله ، فيه نَبَأُ ما قبلَكم ، ونبأ ما هو كائن بعدَكم ، وفيه الحُكم بينكم ، وهو حبلُ الله المتين ، وهو النورُ المبين ، وهو الصراطُ المستقيم، وهو الشفاء النافع، عِصْمة لمن تمسّك بهِ، ونجاة لمن اتَّبعه …».
أولا القرآن يخرجنا من ظلمات الشك والزيع إلى نور الايمان والصلة بالله عز وجل:
الله أكبر الله أكبر…عباد الله إن هذا القرآن نزل ليخرجنا من ظلمات الشك والحيرة إلى رحاب نور الايمان والاتصال بالله عز وجل، فغير المؤمن يعيش في حيرة وفي اضطراب لأنه فقد البوصلة، ولم يحدد القصد ولا الهدف وقد أخبر الحق عن معاناة المنافقين بسب حيرتهم وشكهم فقال عنهم: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ () صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ () أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ () يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 17 – 20]
أيها الناس يقول الحق سبحانه :{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 257]. إن الله تعالى يهدي من اتبع رضوانه سُبُل السلام ويخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير…ولا يكون ذلك إلا بالصبر والمصابرة، وبتعليم أصول الاعتقاد لأبنائنا، وتسليحهم بالعلم النافع العاصم من شبهات الزيغ والضلال. فاجتهدوا رحمكم الله في تحصين أبنائكم وفي ربطهم بالله عز وجل ليذوقوا طمأنينة الايمان وليقووا على مواجهة شدائد الحياة ومشاقها. فالايمان واليقين بمعية الله تطمأن القلوب وتضع عليها البلسم الشافي: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده اتجاهك إذا سألت فاسل الله …( بعض الشباب انساقوا مع مواقع الزيغ وظلوا عن الايمان..).
عباد الله إن الحق واحد أبلج، وإن والكفر والظلال أجناس كثيرة متنوعة يتنافس الناس في دخولها بحثا عن النجاة فيغرقون في ظلماتها وأوحالها، ولذلك وحد الحق سبحانه لفظ النور وجمع الظلمات. فاحذروا رحمكم الله منها والزموا صراط الله المستقيم: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام:153].
ثانيا القرآن يخرج من ظلمات الغي والفساد الأسري إلى نور القيم الأسرية الربانية: عباد الله نزل هذا القرآن أيضا ليخرجنا من ظلمات الغي والفساد الأسري إلى نور القيم الأسرية الربانية التي أعطت لكل ذي حق حقه ووزعت الأدوار بين الرجل والمرأة وجعلتهم متعاونين متآزرين على بناء أسرتهم قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } [النساء: 34]. فقوامة الرجل هي قوامة القيام على أمر الأسرة بالحق، وبذل الجهد لتوفير حاجياتها الأساسية، وللمرأة دور المشاركة والتربية والحفظ : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ }.. وقد أمر الله تعالى بحسن معاشرة المرأة وبالصبر على ما قد يصدر منها فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19] وأوصى النبي عليه الإسلام بالإحسان إليها والرفق بها وحذر من ظلمها والاساءة إليها.
وأنزل الله تعالى سورة كاملة لبيان حقوق النساء وآداب الفراق إن تحتّم هي سورة الطلاق تخللتها الآيات الدالة على قدرة الله تعالى وأنه يفرج كرب المكروبين وييسر أمورهم وأنه بأعمالنا بصير وخبير وأنه أنزل علينا الآيات ليخرجنا من الظلمات إلى النور: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [الطلاق: 10، 11].
ثالثا القرآن يخرج من ظلمات الظلم والتقاطع والصراع إلى نور الاجتماع والتآخي: الله أكبر الله أكبر عباد الله لقد جاء هذا القرآن أيضا فوجد العرب مشتتين يأكل القوي فيهم الضعيف، لا تكاد تهدأ عاصفة بينهم حتى تقوم أخرى. فآخى بينهم ووحد وجهتهم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103] . وها نحن اليوم عدنا إلى بعض أخلاق الجاهلية إلى الفرقة والشتات، بين أسرنا تدابر وعداوات، بين شعوبنا إحن وخصومات، وبين أقطارنا صراع على الزعامات. فهلا اهتدينا بنور القرآن ونبذنا الشقاق والنفاق وسوء الإخلاق؟ وهل اقتبسنا من أنواره لتقودنا إلى الألفة والوحدة والتآزر؟ .
عباد الله إن منبع التدابر والقطيعة هو الحسد، وهو داء الأمم دب فينا ودمر وحدتنا وفرّق أسرنا، فلا تكاد تجد أسرة غير متقاطعة ومتعادية، كما فرق بين الجماعات والزعماء والدول. روى أبو داوود عن سهل بن أبي أمامة – رضي الله عنهما – أنه دخل هو وأبوه على أنس ابن مالك بالمدينة ، في زمان عُمَرَ بن عبد العزيز ، وهو أميرُ المدينة …فقال ألا تركبُ لننظُرَ ونعتبِرَ ؟ قال: نعم ، فركبُوا جميعًا ، فإذا بديار بَادَ أهْلُها وانْقَضوْا وفَنُوا ، خاويةً على عُروشِها ، فقال : تَعْرِفُ هذه الديار ؟ فقال : «ما أعرَفَني بها وبأهلها ، هؤلاء أهلُ ديار أهلَكهُمْ البَغْيُ والحسدُ ، إنَّ الحسدَ يُطفِئ نُور الحسنات ، والبغيُ يصدِّقُ ذلك أو يُكَذِّبُهُ…».
عباد الله إن أمتنا اليوم فقدت البوصلة، حين اعتقدت أن التبعية للغرب بدون ضوابط هي سبيل الرقي والسعادة، فتنكبنا الصراط ووقعنا فيما حذر منه النبي عليه السلام روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لتَتَّبِعُنَّ سَنَن مَنْ كان قبلكم شِبْرا بِشِبر، وَذِرَاعا بِذِراع حتى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبّ لَتَبِعْتُموهُمْ، قلنا : يارسول الله اليهودُ والنصارى ؟ قال : فَمَنْ ؟ » فهاهم يكيدون لأمة الإسلام ويزرعون الفتن بين أهلها ويتقاسمون خيراتها من خلال تأليب بعضها على بعض.
إن الأعداء يجتهدون لإطفاء نور الله تعالى، ولتشويه سمعة هذا الدين فلا يزيد ذلك إلا إقبالا عليه وتطلعا لمعرفته. قال الله تعالى {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]….وهم الآن يعتدون على المسلمين الآمين في بعض دول الغرب من خلال موجة الإسلاموفوبيا فوجب على المسلمين اليقظة والحذر من الاستدراج نحو العنف…
صلاة الله على المؤمنين وملائكته: عباد الله إن الله تعالىت أسماؤه وصفاته يريد بنا الخير والرشد، وسخر لنا صنفا من الملائكة يدعونه سبحانه لأجل إخراجنا من الظلمات إلى النور قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 – 43] قال ابن عطية: ” عدد تعالى على عباده نعمته في الصلاة عليهم وصلاة الله تعالى على العبد هي رحمته له وبركته لديه ونشره عليه الثناء الجميل ، وصلاة الملائكة هي دعاؤهم للمؤمنين » .إن الرب الرحيم الذي ينزل عليكم البركات ويعينكم لتخرجوا من الظلمات إلى النور.
لكن هذا الإخراج يحتاج إلى جهد من قبلكم إلى سير في طريق الهداية وطريق النور الرباني….لقد بدأتم المسير في رمضان وإن الأثر يحتاج إلى صمود ومواظبة فلا تعةدوا إلى الكسل وقد قال لكم الحق سبحانه قبل ذلك: ذكرا كثيرا…
النور والمساجد والصلاة: واعلموا عباد الله أن النور الإلهي قريب منكم إنه في بيوت ربنا حيث قال سبحانه:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35]. فما عليكم إلا أن تتصلوا بالله وتعمروا المساجد لتجدوا النور الإلهي قريبا منكم يضيء حياتكم وينور وجهتكم. روي في اصحيح عن أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه – : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « سبحانَ الله والحمدُ لِلهِ تَملآن ما بينَ السمواتِ والأرضِ ، والصلاةُ نور، والصَّدقَةُ بُرهَان، والصبر ضِياءٌ»
فحافظوا رحمكم الله على هذه الصلة، فهي نعمة كبيرة أن تسيروا في دنياكم متصلين بالله، على هدى من الله، فهو سمعكم وبصركم ويدكم وساعدكم … ، ولا نُفَرِّطوا في صلاتكم فتكُونُوا (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ) وحذاري أن تتشبهوا بالمنافقين الذين ( لاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى )
صحبة من لهم نور ومجالستهم: عباد الله إن مما يعين على الاتصال بنور الله أن نصحب الأخيار والصالحين ممن جعل الله لهم نورا. روى أبو داوود عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – :قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « إِنَّ من عباد الله لأُناسا ما هم بأنبياء ، ولا شهداء يغبِطهم الأنبياءُ والشهداء يوم القيامة بمكانهم من اللهِ ، قالوا: يا رسولَ الله تُخبرُنا : مَن هم؟ قال : هم قوم تَحابُّوا برُوح الله على غيرِ أرحامَ بينهم ، ولا أموالَ يتعاطَوْنها ، فوالله ، إِنَّ وجوهَهم لنور ، وإِنَّهم لعَلى نور، لا يخافون إِذا خافَ الناسُ ، ولا يحزنون إِذا حزِن الناسُ ، وقرأ هذه الآية: { أَلا إِنَّ أوليَاءَ اللهِ لا خَوف عليهم ، ولا هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس : 62] ».
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر ….عباد الله لقد أظمأتم يومكم وسهرتم ليلكم خلال رمضان، وأحسنتم في التقرب إلى مولاكم فهنيئاً لكم من أعماقِ النفسِ ، ومن شِغَافِ القلبِ، وأسألُ اللهَ ، أن يتقبَّلَ منَّي ومنكم صالِحَ الأعمالِ واعلموا أن الذين اتقوا وأحسنوا في هذا الشهرِ، قد اعد لهم ربهم الجزاء الحسن، والأجر العظيم فهو القائل سبحانه: ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) . فلا يستوي في ميزان الله تعالى من أحسن مع من أساء, ولقد أعدّ اللهُ عزَّ وجلَّ ، لعبِادِهِ الصَّائمين القائمين الذاكرين ، من عظيمِ الأجرِ، ما لا عَينٌ رَأَتْ ، ولا أُذنٌ سَمعتْ ، ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ، جزاءً على إحسانِ العبادةِ ، يقولُ عزَّ وجلَّ ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) والْحُسنى الجنةُ ، والزيادةُ ، النظرُ إلى وجهِ اللهِ تعالى ، رزقَنا اللهُ وإياكم لذةَ النظرِ إلى وجهِهِ بِمنِّهِ وكرمِهِ.
جوائز الأبناء الذي صلوا أربعين يوما متتالية دراجات في صحن المسجد بتركيا مسجد الفاتح…
المكابدة لمشاق الحياة والصبر عليها: أيها الناس لقد أقسم الحق سبحانه قسما عظيما، على أن الإنسان خلق لتحمل المشاق ومكابدتها فقال سبحانه: “لا أقسم …لقد خلقنا الإنسان في كبد”. قال بعض المفسرون: ” والمعنى: لقد خلقنا الإِنسان لهذه الشدائد والآلام ، التى هى من طبيعة هذه الحياة الدنيا ، والتى لا يزال يكابدها وينوء بها ، ويتفاعل معها . . حتى تنتهى حياته ، ولا فرق فى ذلك بين غنى أو فقير ، وحاكم أو محكوم وصالح أو طالح . . فالكل يجاهد ويكابد ويتعب ، من أجل بلوغ الغاية التى يبتغيها .” فلتصبروا وجددوا النية تؤجرزا على تحمل هذه المشاق والشداد والبلايا, واعلموا رحمكم الله أن أهل الباطل يكابدون أيضا ويصبرون على باطلهم، أفلا تصبروا على الحق الذي تحملونه؟ زعلى النعميم المقيم الذي تريدونه: { وانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } [ص: 6].
الدعاء…
الحسين الموس/ خطبة عيد الفطر شوال 1438 موافق 26 يونيو 2017