أكاديمي أمريكي يهودي يكشف خداع السردية الصهيونية
كشف نورمان فنكلشتاين الأكاديمي الأمريكي اليهودي، والباحث في الصراع العربي الإسرائيلي، أن اهتمامه بالسياسة جاء نتيجة ما عاشه والده خلال المحرقة النازية، الذي أثر على نشأته، مشيرا إلى أنه شارك في المظاهرات المناهضة للحرب، وبذل قصارى جهده لدعم حقوق الأمريكيين من أصل أفريقي الذين كانوا يكافحون من أجل حقوقهم الإنسانية الأساسية في الولايات المتحدة، ولم يهتم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلا في وقت متأخر نسبيا من حياته، وذلك في عام 1982 عندما غزت إسرائيل لبنان.
وأضاف فنكلشتاين خلال حلوله ضيفا في برنامج “المقابلة” مع الإعلامي علي الظفيري على قناة الجزيرة بتاريخ 10 أكتوبر 2024، أن اهتمامه بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لا علاقة له بكونه يهوديا، وإنما بسبب طبيعة الصراع من أجل الحقيقة، مشيرا إلى أنه لا يرى “إسرائيل” كدولة يهودية، موضحا “أن تكون يهوديا” يعني أولا أن تولي قيمة كبيرة للكتب والقراءة والدراسة، وأن تكون طموحا جدا، وملتزما جدا بحياة العقل كما كان يعني أيضا أن تكون مبدعا.
واعتبر نورمان في الحلقة الأولى من برنامج المقابلة، أنه لم يختر أن يكون جزءا من المجتمع الأمريكي، وإن كان ذلك يعني أن يتنازل عن بعض من قيمه والتزاماته الأساسية بالحقيقة والعدالة، فسيكون بمثابة خيانة لما حدث لوالديه، مؤكدا أن والده كان دائما إلى جانب من يعانون سواء كانوا سودا أم بيضا مسلمين أم مسيحيين أم بوذيين، كما أن والداه لم يخونا قيمهما من أجل المال قط.
وكشف المتحدث أن حرب عام 1982 لم تغير آراءه، ولم يكن والداه من المؤيدين الأقوى لـ”إسرائيل”، بحيث لم ينشأ في منزل تعد فيه “إسرائيل” ذات أهمية كبيرة، ولم تكن هويته كشخص يهودي لها علاقة بـ”إسرائيل”، كما أن والداه لم يحبا الحرب قط، لأن “إسرائيل” منذ البداية حتى قبل عام 1948 قدمت صورة للمقاتل اليهودي لم تعجبهما، و لم تكن تؤثر في اليهود إلا بعد سنة 67 .
وأوضح نورمان أن حرب 1982 كانت مختلفة عن جميع الحروب السابقة، فقد كان الصحفيون قادرين على التحرك بحرية كبيرة في لبنان، ولذلك لأول مرة حصل على صورة واضحة لما فعلته “إسرائيل” من قصف عشوائي واستهداف المدنيين، معتبرا أن هاته الحرب كانت بداية الانفصال بين اليهود الأمريكيين و”إسرائيل”، تلتها المرحلة الكبيرة مع الانتفاضة الأولى في عام 1986، فبعد أن كانت”إسرائيل” تدافع عن نفسها أصبحت تهاجم وتغزو دول أخرى، وبالتالي أصبحت الصورة أكثر وضوحا عن بشاعة ما تقوم به، خاصة مع وجود تقارير؛ تقول إنهم يستهدفون المستشفيات والمدنيين ويتصرفون بطريقة همجية وكان ذلك شيئا جديدا بحلول منتصف الثمانينيات القرن الماضي .
وجوابا على سؤال حول معركته مع السردية الصهيونية، أوضح المتحدث أنه بعد حرب 82 عانت “إسرائيل” وداعموها من كارثة علاقات عامة كبيرة، لأنها لم تعد تبدو “جميلة”، لذلك حاولت الدعاية الإسرائيلية استعادة صورة “إسرائيل” وإحدى محاولات استعادة الصورة كانت من خلال كتاب بعنوان “من وقت سحيق” من تأليف كاتبة تدعى جوان بيترز وبشكل أساسي ما قالته في الكتاب هو “أن فلسطين قبل أن يأتي اليهود كانت فارغة لم يكن يسكنها أحد ثم جاء اليهود وبنوا البلاد وجعلوا الصحراء تزدهر ثم جاء كل هؤلاء العرب من البلدان المحيطة تسللوا إلى إسرائيل أو فلسطين وتظاهروا بأنهم سكان أصليون للأرض، وأصبح الكتاب من أكثر الكتب مبيعا على مستوى الوطن وقال المثقفون البارزون كلهم في بلدنا إن هذا الكتاب هو اكتشاف تاريخي مهم لأننا الآن ندرك أنه لم يكن هناك فلسطينيون”.ذ
وقال المتحدث، إن الكثير من الناس كانوا يصدقون حقا “إسرائيل” وأرادوا أن يصدقوا أن الكتاب كان صحيحا، لأنهم حينئذ يمكنهم أن يشعروا بأنها لم ترتكب جرائم، ولأنهم كانوا يائسين استقبلوا الأكاذيب اليائسة، وكانوا متشبثين بالحفاظ على إيمانهم بـ”إسرائيل”.
وأضاف أنه كان عليه إثبات أن الكتاب مزور؛ خاصة وأنه يحتوي على أكثر من 1800 حاشية، وعلى دراسة ديمغرافية أكاديمية تتعلق بحركة الناس حتى بدا أنه بحث حقيقي، فكان يذهب للمكتبة كل يوم، محاولا أن يرى هل هو صحيح أم احتيال، إلى أن اكتشف فجأة أن الدراسة الديمغرافية في الكتاب ملفقة، ثم تلقى مكالمة هاتفية من المفكر والباحث نعوم تشومسكي، الذي وجد أن ما قام به مقنعا، ونصحه بأن هناك المزيد من الخداع، وطلب منه النظر في أجزاء أخرى من الكتاب حتى ينهار بالكامل، محذرا إياه بأن هناك عقوبات شخصية ومهنية حقيقة قد تستهدفه.
وأوضح فنكلشتاين أنه من الصعب معرفة طبيعة المجتمع الثقافي الأمريكي الداعم والمتبني للرواية الصهيونية، فهناك الكثيرون يعتبرونها مسيئة إلا أنه يعتقد أن الأمور المسيئة قد تكون صحيحة أيضا، مشيرا إلى أن اليهود باعتبارهم مجموعة لديها تأثير كبير جدا في هوليود وفي الفنون بشكل عام وفي الأكاديميات، ناجحون جدا ويولون قيمة كبيرة لحياة الفكر.
وقال إن لليهود حضورا بالجامعات ودور النشر والصحف والمجلات، وأنهم منظمون جدا مما يحدث فارقا كبيرا، مشيرا إلى أن النظام بأسره مبني على الأكاذيب، ففي السلطة يعتقدون أن هناك أكاذيب صغيرة تخدم قضية أكبر، وبالنسبة لليهود فإنه من أجل القضية الكبيرة فإنه يمكنك الكذب، كما أن هناك من يؤمنون بأن اليهود لا يمكنهم قتل الأطفال ولا التسبب في تجويع الفلسطينيين في غزة.
وأضاف نورمان أنه مرّ بسلسلة من المعارك حيث لم يحظ بوظيفة طيلة حياته، واشتغل مساعدا في بعض الجامعات ولكن تم توقيفه، مشيرا إلى أنه لا يرى بأنه دفع ثمنا باهضا، وإنما كان ملتزما أخلاقيا بما فعله، وأن حياته هي شهادة على ما فُعل بعائلته، مؤكدا أنه ما كان ليقدم السلطة والامتيازات على حساب الحقيقة والعدالة.
وفيما يتعلق بالمحرقة، أكد المتحدث أنه لم يتناول الحديث عنها في أي من كتبه، بالمقابل كان تركيزه على كيفية استخدامها كأداة سياسية، مضيفا أنه ولغاية حرب 67 لم يكن هناك نقاش حولها في الحياة الأمريكية، بحيث لم يكن لليهود اهتمام بالمحرقة، لأنه في ذلك الوقت كان من العار أن تكون من الناجين، وإن كنت كذلك فأنت لا بد فعلت فعلا قذرا للبقاء على قيد الحياة، وبالتالي لم يكن لها دور بارز، وعندما أصبحت جزء من الحياة الأمريكية كانت تستخدم من قبل “إسرائيل” وأنصارها، وكان الادعاء بسيطا جدا “لا أحد في تاريخ البشرية عانى مثل ما عانى اليهود”، وبالتالي لا يمكن أن نحاسبهم لأن معاناتهم كانت فريدة، مشيرا إلى أن المحرقة منحت لليهود رخصة للقيام بأشياء خاطئة لأنهم عانوا بشكل فريد وبالتالي استعملت كأداة لتحييد الانتقادات الموجهة إليها.