أقبل شهر الخير والبركات
أقبل علينا شهر رمضان بنفحاته العطرة، وبمعانيه الأخاذة، وبخلاله الرائعة، وبإطلالتِه الأَثِيرة.
أقبل إلينا متخما بالبشرى، ومفعما بِعبق الروائح السرية، فلرمضان سر لا يدرك كنهه إلا من تعلق قلبه به، وتاهت مدامِعه لَدى قدومِه، وحين ذهابه، ولرمضان سلطة قوية، تأسر قلوب المأخوذين به والعقول.
أقبل علينا شهر العطاء والنماء، والإحسان والخير العميم، أقبل كي يتصِل الناس بعضهم ببعض؛ لتزيل عن قلوبهم أوضار الذنوب والآثام، وأدران الحقد والغل والحسد.
أقبل كي تصفو النفوس، ويَسود السلام، ويلف الأرجاءَ السكينة والمحبة، والألفةُ والوقار.
أقبل كي يزور الأخ أخاه، ويصالح الأب ابنَه، ويتصدق الغني على الفقير، ويرأف الموسِر على المحتاج، ويَنعم الناس بالتكافل والتعاون.
أقبل كي ننفق كل دقيقة من دقائقه في طاعة الله تعالى، فنقرأ القرآن، ونصلي ما شاء الله لنا أن نصلي، ونتصدق بأموالنا ما شاء الله لنا أن نتصدق، ونَقوم الليل ما شاء الله لنا أن نَقوم.
أقبل ليزيل آثار الصدأ الملتَصق على النفوس، أقبل؛ ليغسل حوباتنا وتنقيَها، ويجعلها بيضاءَ كالبدر ليلة الرابع عشر.
أقبل كي نكسر شهوة البطن والفَرج، ونغير من (روتيننا) الممل.
أقبل شهر الرحمات والمغفرة والعتق من النيران، أقبل بليلةِ قَدْره؛ علَّنا نُوافِقها فيكتب أجر عبادة ألف شهر.
أقبل كي ندعو الله عند فطرنا، ويُستجاب دعاؤنا.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم قال: (رغم أنف رجلٍ ذُكِرتُ عنده فلم يُصلّ عليّ، رغم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان ثمّ انسلخ قبل أن يُغْفَر له، رغم أنف رجلٍ أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة).
وكان للسلف الصالح شأن مع شهر رمضان:
- كانوا إذا دخل عليهم رمضان انكبُّوا على المصاحف فقرؤوها تقويةً لقلوبهم وتزكيةً لأرواحهم.
- كانوا يُخَفّفون من الحديث النّبوي لأجل القرآن الكريم، فهذا إمام دار الهجرة مالك إذا جاء رمضان أوقف مجالس السّماع وقال: “هذا شهر القرآن”.
- كانوا يتعاهدون الفقراء والمساكين بالصّدقة والإحسان، ويتنافسون في أعمال البر والخير، قدوتهم في ذلك حبيبهم محمد، ففي الصّحيح: “أنّه صلى الله عبليه وسلم كان في رمضان أجود الناس”.
- كانوا يحيون ليليه بالقيام، وتلاوة القرآن، والاستغفار، والتململ بين يدي الجبار.
- مع هذا كلّه كانوا يجاهدون في سبيل الله، فغزوة بدر في السابع عشر من رمضان، وفتح مكة في العشرين منه، وحطين في رمضان، وقتال المسلمين للتتار في رمضان.
إنه شهر رمضان:
شهر القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ…} [البقرة: 185].
شهر التقوى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
شهر التوبة، ففي الصحيح: (رمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما ما لم تُغشَ الكبائر).
شهر الاستغفار.
شهر الإلحاح بالدعاء.
شهر صلة الأرحام.
شهر المحافظة على صلاة الجماعة.
شهر البعد عن الغيبة والنّميمة والكذب والخداع.
شهر البعد عن النّظر الذي يغضب الله.
شهر البعد عن سماع ما لا يرضي الحق سبحانه.
أقبل شهر رمضان الذي من معانيه تلك الفرصة المتجددة التي يمنحها الله تعالى لعبده المؤمن لكي يجدد عهده مع خالقه، وينهض من كبوته ويلتحق بركب عباده السائرين في إعمار هذه الأرض إرضاء لله.
هكذا فهم سلفنا الصالح رضوان الله عليهم شهر رمضان، بل كان له في قلوبهم مكانة واضحة تبرز جليا عبر استعدادهم له والاحتفاء به، والتضرع إلى الله تعالى أن يبلغهم إياه لما يعلمون من فضله وعظيم منزلته.