“أصول مقاصد الشريعة الإسلامية ــ دراسة نظرية وتطبيقية ــ” أطروحة تحاول إبراز أصول المقاصد وضبط مسالكها
يلقي موقع “الإصلاح” خلال هذا الشهر الرمضاني الكريم الضوء على عدد من الأطروحات والرسائل الجامعية النوعية التي تعالج عددا من قضايا ومشاريع الإصلاح في تخصصات مختلفة.
وسنخصص في رابع حلقة من هذه الفقرة الرمضانية أطروحة للدكتور الباحث أحمد الرزاقي أعد هذه الأطروحة، ونوقشت سنة 2019 بكلية الآداب سايس فاس تحت إشراف الدكتور عمر جدية.
ويحاول البحث حل إشكال علمي له آثاره في الواقع العلمي والعملي؛ بإبراز الأصول التي تُؤسس عليها المقاصد؛ وتُستنبط منها؛ وتُبنى على اعتبارها، من حيث إبراز هذه الأصول وحصرها وتصنيفها، وتنقيح مناطها، وضبط مسالكها، وتقنين العمل بها، لتكون المقاصد الشرعية مضبوطة؛ واضحة المنطلقات، سليمة المآلات، محكمة التطبيقات؛ بالحجة البينة، والبرهان الواضح، فلا يتقول أحد على الشارع ما لم يقصد، ولا يستخدم الكليات لهدم الجزئيات، ولا يستعمل الجزئيات لتعطيل الكليات.
وحصر الباحث أصول المقاصد في أصول نظرية: وهي التي تتأسس عليها المقاصد وتستند إليها وتبنى على اعتبارها، -وهي على نوعين: مصدرية واستقرائية-، ثم في أصول تطبيقية، تكون أصولا جامعة للمقاصد بشكل كلي في نسق متجانس، ومتكامل، ومتوسلاً بها بالضرورة للمقصد الأعلى للشريعة الإسلامية، بطريقة محكمة، وتحقيق متقن؛ غاية في الدقة والترتيب، والاستدلال والتنقيب، مع الجدة في التنظير والتطبيق.
وتكمن أهمية البحث في الحاجة ملحة اليوم أكثر إلى إبراز الأصول التي تتأسس عليها المقاصد، وتعتبر بها، والأصول التطبيقية الضابطة لاعتبار المقاصد والحاكمة لإعمالها والعمل بها، والجامعة لمقتضياتها.
كما تزداد أهمية هذا البحث بالتركيز على إظهار واقعية المقاصد في التنزيل العملي لها، بمسالك تُحْكِمُ مواكبةَ المقاصد لمستجدات العصر، وفق أصولها المعلومة والواضحة.
ومن بين أبرز الأهداف الذي سعى إليها البحث هو ضبط حقيقة المقاصد من حيث مفهومها وعلاقتها بعلم الأصول بإظهار وظيفتها المنهجية بتأسيسها على أصول قطعية لضابطها أكثر؛ فهماً واستنباطاً وتطبيقاً، وبذلك تنقح أصول الفقه مما غلث بها مما ليس منها تنقيحاً، حتى لا يُتَقَوَّلَ على الشارع ما لم يقصد.
وينطلق الإشكال الكلي الجامع الذي عليه مدار هذا البحث من إبراز الأصول القطعية التي تتأسس عليها المقاصد الشرعية، لإحكام المقاصد وضبطها تأصيلاً وتطبيقاً وإعمالاً لمنهج تنزيلها في الواقع، فجاء هذا البحث يُبَيِّنُ هذه الأصول ويضبط إعمالها، ويحقق مناط كونها أصولا للمقاصد، ويبين حقيقة اعتبارها في الحال والمآل.
وتضمن البحث فضلاً على المقدمة والخاتمة، ثلاثة أبواب ومدخلا تمهيديا عاما، وأربعة فهارس، خصصت المقدمة لأهمية موضوع البحث ودوافع اختياره، وذكر أهم أهدافه، وصياغة إشكاله، وتحديد الفرضيات التي انطلقت منها، ثم ذكر المنهج المعتمد في البحث، وأهم الدراسات السابقة، ثم مضامين خطة البحث.
فخصص الباحث المدخل التمهيدي العام للحديث عن تعريف مصطلحات عنوان البحث في مسألتين، الأولى: عرف فيها مصطلح الأصل وأبرز أهم خصائصه وتجلياته بشكل مختصر جدا، والثانية جعلها لتعريف المقاصد وبيان طبيعتها، وتعريف العلماء لها؛ عبر أهم مرحل الاهتمام بها، ثم خلص إلى تعريف يجعلها واضحة بكل جلاء ويسر.
ثم تطرق في الباب الأول والثاني إلى الأصول التي تؤسس عليها المقاصد وتستنبط منها وتستند إلى اعتبارها؛ أي الأصول التي تعد هي منبع المقاصد، فمهد لهذا الجانب بتمهيد بسطت فيه معنى الأصول التي تستنبط منها المقاصد الشرعية.
فصنف في الباب الأول: الأصول المصدرية التي لها طابع مصدري وهي القرآن الكريم، والسنة النبوية والإجماع، في ثلاثة فصول خصصت لكل أصل فصلا.
وتناول في الباب الثاني: “الأصول الاستقرائية للمقاصد الشرعية” جعلته في خمسة فصول وأدخلت تحتها كل الأصول المبنية على الاستقراء، أبرز في الفصل الأول: “المعهود العربي باعتباره أصلا للمقاصد“، وفي الفصل الثاني والثالث: تطرق إلى وجه اعتبار “القياس الجزئي”، و”القياس الكلي“، أصلين للمقاصد الشرعية وفي الفصل الرابع: بين فيه أصل اعتبار المآل. وخصص الفصل الخامس: للحديث عن الأحكام الشرعية التكليفية بصفتها وعاءً حاملاً ومحتضناً للمقاصد بشكل مباشر.
أما الباب الثالث والأخير من هذه الأطروحة فخصصه للأصول التطبيقية للمقاصد الشرعية فتناول فيه الأصول الكلية للمقاصد والتي تستفاد من الأصول النظرية وتنبع منها، كما خلص فيه إلى المقصد الأعلى للشريعة الإسلامية، فأعاد النظر في التناول المنهجي لعلاقة الكليات الخمس بالضروري والحاجي والتحسيني، حيث جعل لكل كلية ضرورِيَّها وحاجيَّها وتحسينيَّها.
ومن بين أبرز خلاصات البحث التي ذكرها في نهاية بحثه هو أن المقاصد عامل مرونة وثراء اسْتُغِلَّتْ من طرف بعض المغرضين فاتخذوها صهوة لنقض الشرع وإبطال أحكامه، فكان لا بد من بيان أصولها التي انبنت عليها واستنبطت منها وأحكمت بها. وأن المقاصد مراتب ودرجات ومن أَجَلِّهَا الأخذ بالأفضل والأحسن الأيسر، والأسهل، لتحقيق أنفع الأمور وأصلحها للخلق، أي الوصول إلى أفضل الغايات، وأنبل المقاصد؛ بأحسن الوسائل الممكنة والمتاحة؛ وكل ذلك معدن الحكمة وجوهرها.
ومن ذلك أيضاً أن المقاصد بما أنها هي الثمرة، والثمرة لا يمكن أن تنمو وتؤتي أكلها إلا من أصولها، ومنها تقطف وتجنى، فلا تتصور ثمرة بغير أصول لها، ومن هنا لا تعتبر المقاصد إلا بأصولها النظرية والتطبيقية.
ويرى الباحث أن بحثه ينفتح على مجموعة من الآفاق العلمية الخادمة لمعناه الكلي أو المتممة لجزئياته، والتي يصعب الإحاطة بها في حيز هذا البحث أن هناك مشروع علمي متكامل لخدمة التراث المذهبي وتنقيحه مما نسب إليه، ويمكن وسمه بـ”مشروع البحث عن مواطن الإفراط والتفريط في إعمال المقاصد في المذاهب الفقهية” كل مذهب على حدة، وهذا مشروع كبير يحتاج إلى تضافر جهود مجموعة من الباحثين، وبهذا نستطيع أن نتجه نحو بلورة “منهج وسط في إعمال المقاصد الشرعية”.
الإصلاح