أسطول الصمود: إرادة الشعوب تتحدّى حصار الطغاة
رسالة الإصلاح

الحمد لله؛ وعد عباده المؤمنين بنصر قريب، وصلّى الله وسلّم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
من جديد يشرق في سماء البشرية نور الأمل، ويُسطَّر درسٌ جديد في مدرسة الصمود، وهذه المرّة من خلال مبادرة “أسطول الصمود” الذي انطلق من برشلونة الإسبانية ومن تونس ومن غيرهما من موانئ المنطقة؛ يحمل على متنه ثلّة من الإعلاميين والأطباء والأكاديميين والسّياسيين والحقوقيين، رجالاً ونساءً، من مختلف التيارات والاتجاهات؛ جمعهم همٌّ واحد؛ هو كسر الحصار الغاشم المفروض على غزّة منذ أكثر من سبعة عشر عاماً.
نقف اليوم تحيةً لهذه الفكرة الجرّيئة النبيلة؛ فكرة الأسطول الذي لم يبق حبيس النداءات والشعارات، بل تحوّل إلى مبادرة عملية ارتقت إلى مستوى دولي، إذ التحق به متضامنون من عدد من البلدان، ليقولوا للعالم إنّ غزّة ليست وحدها، وإنّ الصمت الدولي المخزي لن يُلغي إرادة الأحرار.
وحقّ للبشرية أيضا أن تقف تحيةً أكبر للمشاركين في هذا الأسطول؛ أولئك الذين لم يستكينوا لمواقف حكوماتهم، ولم يرضخوا لحسابات السياسة الضيّقة؛ بل تحرّكوا بما يستطيعون، يركبون البحر غير آبهين بعواصفه، ولا بتهديدات الاحتلال، يقدّمون الدليل العملي على أنّ الفعل الشعبي المستقلّ قادر على إحياء الضمائر، وجرِّ الأمة والعالم إلى نصرة القضايا العادلة.
لكنّ الاحتلال، الذي تعوّد على العربدة، لم يترك هذه الخطوة تمرّ دون وعيد وتهديد. فهذا بن غفير يخرج بلسانه السليط؛ مهدّداً بمصادرة كلّ السفن وبالاعتقال طويل الأمد لكلّ المشاركين؛ وكأنّ العالم مزرعة خاصة له ولعصابته!. وهي تصريحات تكشف مجدداً حقيقة العقلية الصهيونية القائمة على الغطرسة والعدوان، وتُحرج كلّ من يدّعي أنّ “إسرائيل” دولة قانون أو احترام لحقوق الإنسان.
ويزيد المشهد قتامةً تواطؤ الإدارة الأمريكية، ورئيسِها الذي لم يعُد يملك غير سياسة الانحياز الأعمى للكيان، منذ أن هزّت المجتمع الأمريكي فضيحة “إبستين” وما كشفته من خفايا عميقة. فإذا به يصبّ جام غضبه على الفلسطينيين: طرداً، ومنعاً للتأشيرات، وملاحقةً لمحكمة العدل الدولية، وطعناً في شرعية الأمم المتحدة نفسها! وهو بذلك يقدّم الدليل الأوضح على أنّ الاحتلال لا يقف وحده، بل تحميه قوة عظمى فقدت ما تبقى لها من بوصلة أخلاقية.
إنّ أسطول الصمود ليس مجرّد سفن تمخر عباب البحر، بل هو راية أمل تُرفع في وجه اليأس، ورسالةٌ واضحة بأنّ البشرية لم تمت، وأنّ الأحرار في العالم ما زالوا قادرين على الفعل.
وإنّنا إذ نحيّي كلّ مشارك ومشاركة فيه، نضرع إلى الله عز وجل أن يحفظهم من بطش الطغاة، وأن يكتب لرحلتهم النجاح في إيصال صوت غزّة إلى العالم، وأن يجعل عملهم هذا في موازين حسناتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون.
اللهم انصرهم بنصرك، وأيّدهم بتأييدك، واكتب لغزّة الفرج العاجل والنصر المبين، واجعل دماء شهدائها وقوداً لعزّة الأمة وكرامتها، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.