آن أوان الفرج وعودة مساجد المملكة لرسالتها النبيلة
تفاعلت وزارة الأوقاف مشكورة مع حاجيات تأمين الأمن الروحي للمواطنين، فبادرت إلى فتح بعض المساجد للصلوات الخمس بعد الإغلاق الذي شملها إبان الحجر الصحي الذي استوجبه انتشار فيروس كوفيد 19، ثم وسعت ذلك وفتحت مساجد إضافية للصلوات الخمس وللجمعة في آن واحد، ووعدت بالاستمرار في الفتح التدريجي مع تحسن الوضعية الوبائية.
إن شروع المغرب في تلقيح المواطنين باللقاح المضاد لفيروس كورونا من جهة، وتراجع منحنى الحالات النشيطة في الأيام الأخيرة، والتزام رواد المساجد بالبروتوكول الصحي، حيث ترسخت عند عموم المصلين عادة حمل السجاد والأكياس لوضع الأحذية، أقول أن كل هذه الأمور تبشر بعودة الحياة الطبيعية لمساجدنا، وإقدام الوزارة على فتح بقية المساجد والمصليات المغلقة، وكذلك السماح بالأنشطة الموازية للمساجد. وهكذا نقدر أنه آن الأوان لتستكمل وزارة الأوقاف جهودها المشكورة من خلال مجموعة من الإجراءات التي طال انتظارها، والتي من شأنها إدماج المساجد في التعبئة الوطنية للوقاية من الفيروس المميت، ومن أهمها:
إن إبقاء إغلاق كثير من مساجد المملكة التي تتوفر فيها الشروط المطلوبة لم يعد له ما يبرره؛ بل نرى أن الإبقاء عليه لا يسهم في الاستمرار في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي العدوى بسبب ما أصبحت تعرفه المساجد المفتوحة من إقبال متزايد. إن فتح باقي المساجد سيسهم دون شك في تخفيف الضغط على ما تم فتحه لحد الآن من مساجد، وسيحُول دون التقارب البدني، حيث تملأ المساجد عن آخرها يوم الجمعة، ويضطر بعض المصلين لخرق البروتوكول خاصة عند نزول الأمطار.
أما مصليات باحات الاستراحة ومقرات العمل والقيساريات وغيرها من أماكن ارتياد المواطنين فإنه يجدر أيضا فتحها وتمكين روادها من أداء صلواتهم في وقتها، إذ يجتمع الناس في المطاعم والمتنزهات والمتاجر الكبرى لساعات طويلة، ويمنعوا عند دخول الوقت من أداء صلواتهم في مساجد القرب لمدة لا تزيد عن عشر دقائق، وقد يكون بعضهم في حالة سفر طويل.
من الأدوار الكبرى التي تضطلع بها المساجد التوجيه والتزكية والتعليم، وهي عملية تحصل من خلال خطب الجمعة، لكن أيضا من خلال دروس الوعظ والإرشاد التي يقوم بها وعاظ المجالس العلمية، ويتم نشر العلم ومحو الأمية خاصة فيها. وإذا كانت رسالة الجمعة قد تم استئنافها بحمد الله، فإن المأمول أيضا استئناف رسالة الوعظ والإرشاد بمساجد المملكة، وكذلك دروس محو الأمية بالمساجد، مع التأكيد على الالتزام بالتباعد بين المستفيدين، واحترام البوتوكول الصحي كاملا. وهذا الاستئناف سيكون له دور كبير في التوعية بمزيد من الاحتياط وحفظ الأنفس، لما للمساجد من وقار وهيبة في نفوس روادها فيحصل التكامل مع الحملات الإعلامية الأخرى.
ومن الأعمال المرتبطة بالمساجد وملحقاتها والتي لم تستأنف بعد، تعليم القرآن الكريم بالكتاتيب القرآنية، ودروس التعليم العتيق في المؤسسات الخاصة به. ونرى أن استئناف هذه الرسالة النبيلة من شأنه تمكين شريحة مهمة من الأبناء من إتمام تعليمهم القرآني الذي نذروا أنفسهم له إسوة بالتعليم المدرسي ورياض الأطفال والمدارس الخاصة. ومن جهة أخرى سيمكن عمال هذه المؤسسات والتي لا تتوفر في الغالب على تغطيات اجتماعية من مورد مالي مقدر حرموا منه طيلة أيام الحجر والإغلاق .
رافق الفتح التدريجي للمساجد السماح بقراءة الحزب الراتب للإمام مع قارئين أو ثلاثة. وإن الحزب الراتب الذي تميز به المغاربة وأسهم في تخريج أفواج من حفظة القرآن الكريم قد تضاءل في السنوات الأخيرة، ومن خلال المعاينة فإن عدد من يحضره لا يتجاوز العشرات في أحسن الأحوال، ومن ثم فإن السماح للراغبين في قراءة الحزب أو سماعه بحضورهم أثناء ذلك مع اشتراط التباعد الاجتماعي بينهم كفيل بتحقيق مصلحة كبيرة لن توقع في مفاسد العدوى في الغالب، وتكون بإذن الله تعالى بركة على بلدنا وأمتنا.
نسأل الله تعالى أن يحفظ بلدنا من كل سوء، وأن يوفق القائمين على الشأن الديني في مهمتهم النبيلة التي لا غنى للوطن عنها خاصة في ساعات الشدة والمحن.