واجعلوا بيوتكم قبلة (1) – سعيدة حرمل
البيت المدرسة شعار كثير ما رفعه المصلحون والمهتمون بشان الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى والنواة الأساس في بناء المجتمعات، ففي ظلالها يتربى الفرد وتنمو مشاعره وتتشكل شخصيته، فهي الخلية الحية في كيان المجتمع، والمصدر الأول للمعرفة، والثقافة والسلوك قبل أن تتدخل مصادر أخرى تنافس الأسرة أدوارها، من إعلام ومدرسة وشارع وغيرها ….
إلا أن الأسرة في الآونة الأخيرة لوحظ عليها استسلام أمام مغريات المنافسين سواء كانوا بالخير أو الشر، وانسحب الأولياء من الساحة، بل منهم من استقال من أدواره وفوض الأمور إلى المتدخلين إيجابا أو سلبا …
إلى أن جاء زلزال كبير وجائحة عظيمة رفعت شعار”الزموا بيوتكم ” “عودوا إلى كهوفكم” فاستفاقت الأسرة من سباتها ،و وجدت نفسها مباشرة أمام أبناء كبرت الهوة بينها وبينهم ، ووجدت نفسها تنوب عن باقي المتدخلين الذين تركت لهم الساحة خالية سابقا تفعل بأبنائها ما تشاء… فاسترجعت أدوارها وأضافت إليها ادوارا غيرها. وسواء نجحت في ذلك أم لا فانه يكفيها شرفا أنها ستتصالح مع ذاتها وستتعرف على نعم كانت لا تلقي لها بالا وجب عليها استحضارها مستقبلا …
ففي ظل الحجر الصحي أغلقت كل الأبواب إلا باب الأسرة، وأصبح الفقير والغني والمثقف والأمي والرئيس والمرؤوس والمرأة والرجل والصغير والكبير مجبرا على الجلوس في البيت وفتح أبوابه على مصراعيه أمام الأدوار القديمة الجديدة والمنسية الحاضرة .
يقول تعالى “واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ” آية تحرك النفوس أن الحكمة مطلب أساس لما يتلى :
فتحولت البيوت إلى:
مساجد يذكر فيها اسم الله “وقد أغلقت المساجد للحظر القانوني” فأصبحت الصالونات بيوتا لله تقام فيها الصلوات جماعة وقد كانت محرومة قبل هذا أو قليلا ما تقام فيها، ففقه المرء قوله تعالى ” واجعلوا بيوتكم قبلة .”
وتحولت إلى مدارس تشتغل منذ صبيحة اليوم بالدراسة عن بعد سواء عبر التلفاز أو منصات التواصل، وتعرف الأولياء على مستويات أبنائهم الدراسي، وأصبح الأب أو الأم نوابا عن الأستاذ في التتبع والمراجعة … ففقهوا معنى التدريس وهمه وأرقه وتعبه ومعاناته ….
وتحولت إلى ملاعب “فالشارع ممنوع، والصالات الرياضية ممنوعة ” فأصبحت الصالونات صالات وملاعب تمارس فيها كل أنواع الرياضات فعلم الأولياء نعمة شغل الفراغ باللعب وغيره وغاب الهدوء وحلت الضوضاء…
وتحولت البيوت إلى مستشفيات وصيدليات حيث تعرفت الأسرة على الوقاية وأساليبها بالتزام النظافة والتداوي فأبدعت بإنشاء مختبرات بنكهات وروائح الشيح والكلبتوس والقرنفل التي أضحت تعطر المكان.
وتحولت لتنوب عن المطاعم فذاق أبناؤها “فود فوست” منزلي، وقومت ذوقهم وأصبح المطبخ فارس المكان والزمان فلا تكاد تنتهي من إعداد وجبة إلا والأخرى تنتظر دورها فساهم الحجر في رفع منسوب الشهية لدى الجميع فلا وظيفة حاضرة بقوة إلا الأكل ثم الأكل !..
وتحولت لتنوب عن الإعلام فتختار الأسرة لأبنائها ما يتفرجون عليه وتمت عملية الصلح بين الكتب والقصص والأطفال والشباب بل حتى الأولياء …
لتنوب عن… و تنوب عن.. وتنوب عن.. فكثرت المهمات والوظائف وتوارى غيرها خلف ظلال الحجر الصحي إلى أجل مسمى وعلمت الأسرة أنها تستطيع وتستطيع فعل المستحيل ولم يرهقها شيء بل كل المبررات السابقة سقطت وذابت أمام الواقع الجديد….
وفي مقابل البيوت القبلة والمدارس في زمن الحجر الصحي هناك بيوت فقدت البوصلة، وضاعت منها مهمة القيادة الأسرية في زحمة الواقع بين النوم الطويل والصراخ والعويل والفوضى في تدبير الأمور فأصبح الضجر والملل بل العنف في بعض الأحيان عنوان المرحلة إما بتقصير وجهل منها أو تحت ضغط ظروف فرضت عليها من جهل وفقر وضيق سكن أو قلة اليد والحيلة .
فاللهم فرج عنا واجعل بيوتنا قبلة للخير والصالحين .