هكذا حث الإسلام على قيم التضامن الإنساني
إن تزايد نسب الفقر المهولة، والخصاصة المستفحلة، ليس مرجعه إلى شح في الأرض، ولا قلة في الرزق، ولا عقم في الموارد فالله تعالى خالق كل شيء، وهو المقدر رزق كل شيء. قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]. وقال تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ﴾ [فصلت: 10]. وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 10].
ولكن مرده إلى البعد عن التعاليم الربانية، والتوجيهات النبوية، التي تحث على التضامن الحقيقي، والتعاون الفعال، الذي يرى التسبب في البؤس نقمة، والإسهام في توسيع دائرة الفقر جريمة.
فالمسلم يجب أن يكون في عون أخيه، وبذلك :
- فهو له ردء ووقاية، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- : “الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ” صحيح سنن أبي داود.
- وهو قسيمه في ماله وممتلكاته عند حاجته، فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه – قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً (أي: يريد أن يتفطن له أحد ليسد حاجته)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ”. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ” مسلم. قال الإمام النووي: “في هذا الحديث الحث على الصدقة، والجود، والمواساة، والإحسان إلى الرفقة والأصحاب، والاعتناء بمصالحهم”.
- وهو فطن إلى حاجته، سباق إلى مد يد المساعدة له في تحقيق أيسر سبل عيشه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلإِ” متفق عليه.
- وهو مهتم بأمر أخيه، يسره ما يسره، ويحزنه ما يحزنه، يتفقد أحواله، وينظر في حاجاته. قال عطاء: “تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو كانوا نسوا فذكروهم”.
- وهو – إن أقرضه مالا – متجاوز عنه عند إعساره وفقره. فقد حث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على عدم التضييق على المعسرين، وإلجائهم إلى بيع حاجاتهم الضرورية من أجل تسديد ما عليهم، فقال – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ الله فِي ظِلِّهِ” مسلم.
- وهو لأخيه مرآة، وصيانة، ووقاية من كل مكروه. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَخُونُهُ، وَلاَ يَكْذِبُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: عِرْضُهُ، وَمَالُهُ، وَدَمُهُ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةُ أَخِيهِ، فَإِنْ رَأَى بِهِ أَذًى فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ. مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ، رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” كلها في صحيح سنن الترمذي.
لقد اتّخذ الإسلام عنوانا لهذا الرباط [الأُخوة الدينية] بين المسلمين، وهي أصدق تعبير عن الحقوق والواجبات الاجتماعية، وهي أقوى ما يَبعث في النفوس معانيَ التراحم والتعاطف والتعاون، وتبادل الشعور والإحساس؛ مما يحقق للمجتمع المثالية التي تخلصه للخير، وتبعد به عن الشر.
قرر الإسلام هذه الأخوة بين المسلمين، على أنها شأن يتحقق بمجرد الإيمان والاشتراك في العقيدة، ويستتبع جميع آثار الأخوة من حقوق تعرف للمسلم، وواجبات تعرف عليه – وقد سما الإسلام بالأخوة الدينية عن مركز الأخوة النَّسَبيَّة – عليها اصطلح المتخاصمون، وائْتَلف المتفرِّقون، ونُسِيت العداوات، وتُبُودِل العفو والصَّفح، وأصبح المرء بعد تَفَيُّئه لظلِّها يَجلس آمنًا مُطمئنًا في ملأٍ أو خَلوة مع قاتل أبيه أو أخيه، لا يخشى انتقاما، ولا يتوقع أذى، لقوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]،
﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ [آل عمران: 103]، ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [التوبة: 11]، وجاء فيها قول الرسول – عليه السلام -: (المسلم أخو المسلم، لا يَظلمه ولا يَخذُله ولا يَكْذِبه، بحسْب امرئ من الشر أن يَحقِر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام؛ دمُه، ومالُه، وعِرضه).
وقد كان من مقتضيات هذه الأخوة، التضامن الاجتماعي بين المسلمين، والتضامن الاجتماعي: هو إيمان الأفراد بمسؤولية بعضهم عن بعض، هو إيمانهم بأن كل واحدٍ منهم حامل لتبِعات أخيه، ومحمول بتبعاته على أخيه، فإذا ما أحسن، كان إحسانه لنفسه ولأخيه، وإذا ما أساء، كانت إساءته على نفسه وعلى أخيه؛ ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [العنكبوت: 13].
الإصلاح