من المشروع إلى المسموح: الطرد الطلابي بالرباط يكشف أزمة الجامعة المغربية – كوثر الرايس

ما جرى في الحي الجامعي مولاي إسماعيل بالرباط، حين طُرد طلبة بسبب نشاطهم أو مواقفهم النقابية، لا يمكن التعامل معه كإجراء إداري عابر. إنه حدث يتجاوز في دلالاته مجرد نزاع على أسرّة محدودة، ليكشف عن خلل أعمق في العلاقة بين الإدارة الجامعية والطلبة، وعن أزمة ثقة تتكرر كل عام بين الطرفين.
صحيح أن الأحياء الجامعية تعاني من ضعف الموارد وضيق الطاقة الاستيعابية، وأن الإدارة تجد نفسها مضطرة إلى ترتيب الأولويات في منح السكن. لكن ما وقع هنا يختلف: فالمسألة ليست فقط أرقامًا ومقاعد شاغرة، بل قرار عقابي يحمل رسائل واضحة بأن الجامعة يمكن أن تتحول إلى فضاء يضيق بالتعبير والاختلاف، حين يُستهدف طلبة لأنهم مارسوا حقهم في الانخراط النقابي أو التضامن مع قضايا يعتبرونها جزءًا من هويتهم، فإننا أمام تجاوزٍ لدور الإدارة، التي يُفترض أن تسهّل الحق في التعليم وتضمن تكافؤ الفرص، لا أن تُحوّله إلى أداة إقصاء.
الجامعة المغربية، في تاريخها، لم تكن مجرد مؤسسة للتلقين الأكاديمي. لقد كانت دائمًا فضاءً لتشكيل الوعي، ولإنتاج النخب الفكرية والسياسية، وللتفاعل مع قضايا الوطن والأمة. طرد الطلبة من الحي الجامعي بسبب نشاطهم هو إضعاف لهذا الدور العميق، وتقزيم للجامعة إلى مجرد إقامة جماعية مضبوطة بالقوانين الداخلية. وهذا تحوّل خطير في فلسفة التعليم العالي، لأنه يفرغ الجامعة من بعدها التربوي والمدني.
الأخطر أن النضال، الذي كان دائمًا يُعتبر مشروعًا بحكم الدستور وبحكم القيم التي تأسست عليها الجامعة المغربية، بدأ يتحول في الممارسة إلى مجرد نشاط “مسموح به” وفق إرادة الإدارة وحدود ما تعتبره مقبولا. وبذلك، لم يعد الطالب يمارس حقًا أصيلاً، بل امتيازًا هشًّا يمكن سحبه متى ما تجاوز السقف المرسوم. هذا الانزياح من المشروع إلى المسموح يعكس أزمة عميقة في كيفية فهم حرية التنظيم داخل الفضاء الجامعي، ويجعلها رهينة مزاج إداري بدل أن تكون مضمونة بضمانات قانونية واضحة.
إن الحديث عن الانضباط واحترام القانون لا يمكن أن يكون ذريعة لإقصاء الأصوات. فالقانون نفسه في جوهره وُجد ليضمن الحقوق قبل أن يفرض الواجبات. وعندما تُستعمل المقتضيات الإدارية لتقييد حرية الطلبة في التعبير والانخراط، تتحول الإدارة إلى طرف يمارس سلطة تأديبية تتجاوز صلاحياتها الأكاديمية، وتُقابل حتمًا بالرفض والاحتجاج.
الأزمة هنا تكشف أيضًا مأزقًا أوسع: استمرار غياب رؤية إصلاحية لقطاع الإيواء الجامعي. فالدولة، بدل الاستثمار في توسيع الأحياء الجامعية وتحسين ظروفها، تكتفي بتدبير الأزمة عبر سياسات إقصاء متكررة، مما يفتح الباب أمام تأويلات سياسية ويُغذّي الشعور بالظلم داخل الجسم الطلابي.
في النهاية، ما حدث ليس مسألة داخلية تخص إدارة الحي وحدها. إنه مؤشر على تحول يهدد معنى الجامعة نفسها: هل هي بيت للمعرفة والحوار، أم فضاء للمراقبة والإقصاء؟ وإذا لم تُعالج هذه التجاوزات بجرأة وبسياسة عادلة، فإن الثمن سيدفعه التعليم العالي برمته، حين يفقد ثقة طلبته، ويخسر رسالته في بناء جيل حرّ ومسؤول.