مفكير يكتب : المغاربة في عيد الأضحى بين العادات والتقاليد ومقاصد الشرع
يحظى عيد الأضحى بمكانة خاصة عند المغاربة تفوق عيد الفطر وذكرى المولد النبوي. وتصاحب هذه المناسبة العطرة العديد من العادات والتقاليد رسمت في مخيال الشعبي المغربي العديد من الطقوس بعضها مباح بحسب فقهاء الإسلام والآخر اختلط فيه ما هو شرعي بما هو طقوس لبس لبوس المقدس والضروري.
فعلى مدار سنوات منذ زمن طويل اختار المغاربة طقوسا في الاحتفال بعيد الأضحى. فإلى جانب اختيار الأضحية والتدقيق في مواصفاتها والتي يجب أن تكون موافقة للسنة النبوية فلا هي بالعطاء البين عرجه أو التي لا تنقي، والطمع في الفوز الأضحية تجلس في سواد وبها سواد والأملح الأقرن والسؤال عن سنه، يبدأ التباهي بالخروف وقرونه الكبيرة وثمنه الغالي، حيث يجري الأطفال في الأزقة والاحياء لاستقبال الوافد الجديد ويخترقون الحواجز ويدخلون كل البيوت يملؤون الفضاء صراخا وفرحا، فيما الجدة تعد الحناء لتقوم بصبغ رأس الخروف ولحيته والأخذ منها وتقييد بقيد للبعض فيه مآرب.
ليلة ” دقان الحنا ” أي اغظاظ الحناء للنساء في يوم التروية الثامن من ذي الحجة حيث يحتل طقس الحناء مكانته وتستدعى له العتق والحوامل وكل نساء الحي، ويبدأ الإحتفال فرحا باستقبال العيد تصاحبه أهازيج وأغاني يصلى فيها على للنبي عليه السلام ويذكر فيها الحجاج ” يا طالعين لجبال زايرين النبي يا رسول الله ، إنها رحلة غنائية فيها مصاحبة لزوار بيت الحرام ودعاء لهم بالتيسير والسلامة والرجوع إلى الديار.
ويكون يوم عرفة يوم صيام وابتهال وزيارة للمقابر للترحم على الموتى، ومن مشتريات هذه المناسبة ” القطبان؛ الفاخر، الشواية، الطعارج ، المجمر….” وكل مستلزمات الشواء . في صباح العيد وبعد رجوع المصلين مكبرين ومهللين ومستبشرين تبدأ عملية الأضحية وبعض الجدات يملأن إناء ” الزلافة ” بالدم يستخدمنه في تداوي الصبية حسب معتقداتهم من الأمراض والأوجاع ولأغراض أخرى كفك السحر والتبرك طمعا في تزويج ” البايرة ” التي لم تتزوج بعد سن الثلاثين وإزالة ” لعكس”، فيما يحرص آخرون على ” مرارة” الكبش للتداوي وغيرها. والبعض يأخذ حبل الخروف ويستخدمه مع ” الكرعين” الأرجل وبعض الشعر لطرد الجن وإبعاد العين والحسد وهناك من يعلق هيكل رأس الخروف في السطح مع عجلة السيارة وصفيحة الحصان وبعض الصبار ” الدرك”، وكلها معتقدات فاسدة.
وكان في الزمن الماضي الستينات والسبعينات والثمانينات طقس ” بويا هروس” و” سبع بولبطاينة ” حيث يلبس شخص ” بطانة الخروف” بعد سلخه ويبدأ الطقس بالأهازيج ويستقبل أهل الحي ” بولبطاينة” بالزغاريد ويغدقون عليه المال ويعطون ” الزيارة ” وبعض اللحم ومنهم من يهبه جلد الخروف، وهذه العادة انقرضت نسبيا في زمننا الحالي.
وكان اللحم ” يقدد” كي لا يصاب بالتلف، وهو ما يسمى بالقديد حيث تعمل النساء على تصنيف اللحم وتقسيم الخروف، وقليل من يتبع قاعدة الثلث ؛ ثلث للأكل وثلث للادخار وثلث للصدقة. إنها لذة بالقديد وما يصاحبه من أطباق شهية كالكسكس والعدس واللوبية، وبهذا يحافظون على لحمهم فلا ينثن ولا يضيع ويقتصدون في أكل الأضحية.
أما في البادية المغربية فيتوجه الأبناء الذين فارقوا آباءهم واشتغلوا بالمدن بزيارتهم حاملين معهم كتف الخروف. وبمسجد القرية يجتمع الناس ويشاركون بعضهم الطعام والشواء ويتوسطهم الشاي ويستحضرون أغنية ” السينية” للديوان. كل شيء يطيب مع الشاي والبراد المجمر والمكراج الذي يرسل ” السبولة” في الفضاء ينذر باستعداده للدخول إلى حرم ” البراد” فيكتوي بناره النعناع والشاي وبعض ألسنة الشاربين.
تحيى صلة الرحم ويتزاور المتخاصمون وتزغرد النساء ويلعب الأطفال إنه العيد بكل كبرياءه وعنفوانه.
اليوم أصبح للعديد طقس آخر لا تذبح أضحيتك بيدك ووكل عليك الجزار وضاع قول القائل ” اللي ما يخيط كساتو ويذبح شاتو يتعزى فحياتو”.
في حي الفيلات ترفض بعض النساء الخروف ولا يقبلن الدم ولا ” الكرعين” ولا ” لبطانة” ولا ” لمسارن” ولا ” الراس ” كل شيء من نصيب الجزار رغم النهي عن إعطائه هذه الأشياء مقابل الذبح. ليس من غرض هؤلاء سنة العيد وإنما استجابة للأبناء ولحاجة في أنفسهم ولكي لا يعلق عليهم من طرف أسرهم. الجزار يتكلف بالمهمة يذبح ويقسم ويضع اللحم في البراد ” الثلاجة” ثم ينصرف دون أن يترك أي أثر للدم.
إنها أضحية أثرياء يكرهون العيد وأهله وطقوسه ويعتبرونه تخلفا ولولا الخوف من نظرات المجتمع ما ضحوا.
في الجهة المقابلة يبيع كثير من الفقراء في بلدي متاعهم ويغرق آخرون في الديون يحضرون كبشا بالربا في وقت يشتري جيرانهم ” الضروبة ” وهي العجل الذي لم تكتمل سنتين ويذبحونها يوم عرفة والكبش يتركونه ليوم العيد. إنه التباهي في أفظع تجلياته والتخلف والجهل بمقاصد الشرع.
بالعيد يذكر الفقير والمعدوم وذو الحاجة بالعيد تحيى صلة الرحم وتقدم القرابين لله لا لغيره .
بالعيد نحيي سنة نبينا محمد صلى وسلم ونتبع أمر ربنا “فصل لربك وانحر”، العيد مناسبة لتذكر المحاصرين من الأمة والأرامل والفقراء.
وتبقى تلك الطقوس في المخيال الشعبي ، تبعده عن روح الشرع ومقاصد الشريعة.
ذ. عبد الرحيم مفكير