مفكير: لا يمكن إصلاح المنظومة التربوية بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الراهن
أوضح الأستاذ عبد الرحيم مفكير أن الدخول المدرسي الحالي هو الثاني من نوعه في ظل جائحة كورونا، وثالث موسم في ظل هذه الجائحة، وخلق تأخير الدخول لشهر آخر ارتباكا وتساؤلات مشروعة حول مصير أبنائهم وتأثير التأخير عن التحصيل الدراسي، وهو نفس الهاجس الذي شغل المربين والأطر الإدارية والتربوية والمهتمين، فما هي التحديات التي واجهت الدخول المدرسي الحالي سؤال وجهناه إلى عبد الرحيم مفكير مدير المرصد المغربي للدراسات والأبحاث الذي أكد على أن سياق التأجيل موضوعي، والقرار الوزاري يخضع لمقاصد حددتها اللجنة العلمية حيث عرف المغرب في الشهور الأخيرة لاسيما غشت ارتفاعا متزايدا لحالات الإصابة بكورونا مما اقتضى اتخاذ التدابير والإجراءات الاحترازية، وقد سمح التأجيل من العاشر شتنبر إلى فاتح أكتوبر من التعبئة الجدية واللازمة والإقبال الذي شهدناه بالمؤسسات التعليمية من أجل تلقي اللقاح.
وأضاف مدير المرصد المغربي للدراسات والأبحاث التربوية في تصريح لموقع الإصلاح، أن هذه الإجراءات بالرغم من نجاعتها وأهميتها فإنه ينتظر الفاعلين التربويين والعاملين بالقطاع والوزارة الوصية العمل على تدارك اختلالات السنوات الماضية، حيث كان التدريس باعتماد التعليم عن بعد لاسيما وأن هذا النمط له شروطه وخصائصه، وكنا أمام تعليم عن طريق الإنترنيت لم يلامس إلا نسبة ضئيلة، حيث وجد قطاع التعليم نفسه معنيا بتدبير 10 ملايين من المتمدرسين من الابتدائي إلى التكوين المهني، ولعل من أهم القرارات الكبرى التي أطرت منظومتنا التربوية والممارسة البيداغوجية، تعليق الدراسة بشكل نهائي في تلك المرحلة، الشيء الذي نتج عنه ضعف في مستوى التحصيل والتعلمات الأساس وهو ما أكده العديد من الخبراء الذين شاركوا معنا في ندوات وقفت على حجم الاختلالات وبينت آثار هذا الخيار وعدم القدرة على مواكبة الدروس لاسيما في العالم القروي، مشيرا إلى أن الحالة التعليمية بالعالم القروي في المغرب تعيش وضعية مزرية رغم المجهودات المبذولة في تطويره وتحسينه، ما دام يعاني من التهميش والتشتت والعزلة وهيمنة الفقر والجهل والأمية والتخلف، إلى جانب الاختلالات التربوية والتعليمية ذات طابع مادي ونظري وبنيوي وبشري، مع طرح البدائل الممكنة، والتي تحتاج إلى نقاش وبحث وقرار سياسي واجتماعي.
وأشار مفكير إلى أن وزارة التربية الوطنية كانت واعية بهذه التفاوتات الاجتماعية والمجالية وتأثيرها على عملية التعليم عن بعد، كما صرح بذلك وزير التربية الوطنية، ولاشك أنها تفكر في كيفية تدارك هذا الخلل لتحقيق المساواة التربوية ومبدأ تكافؤ الفرص، وفي خطوة أولى قدمت للرأي العام الحصيلة المرحلية لعملية التعليم عن بعد، وهي حصيلة كمية لا ترقى إلى تقويم نوعي يرصد الثغرات والنواقص، ولكنها حصيلة تكشف جهود الأطر التربوية والإدارية المبذولة على مستوى وزارة التربية الوطنية مركزيا وجهويا وإقليميا من أجل إنجاح عملية التعليم عن بعد، وإنجاز المقررات الدراسية، وهي تجربة أولى عوضت التعليم الحضوري بالمغرب نتيجة تداعيات جائحة كورونا التي حتمت إقفال المؤسسات التعليمية المدرسية والجامعية والمهنية.
وأكد مفكير أن الوزارة الوصية، وبكل أسف، لم تقم بدراسة دقيقة لتقييم التدريس عن بعد ولجأت إلى الخيارات السهلة وتحدثت رسميا عن نجاح التجربة من خلال نتائج الباكلوريا وهو بخلاف الواقع فالتجربة كانت فاشلة بكل المقاييس، وهو ما كشف عنه باحثون وخبراء وعاملون بالقطاع.
وبخصوص تقييمه للتعليم عن البعد ومدى فاعليته لاسيما في العالم القروي، أبرز أن التفكير في التعليم عن بعد ليست فكرة وليدة الجائحة التي اجتاحت المغرب الآن. لكن العيب يكمن في عدم الاستعداد الجيد، والكم الهائل من الأموال المهدورة طيلة 14 سنة على البدء في أجرأة الفكرة، مشيرا إلى أن عدد الموارد الرقمية التي أنتجت طيلة 14 سنة على إحداث برنامج “جيني” لا يتجاوز 600 منتوج، مقابل الآلاف التي أنتجت في ظرف أقل من شهرين، مؤكدا على أن عملية “التعليم عن بعد” حملت معها عدة نقائص مادية وتربوية وأذاتية، وعلى أنها ليست بديلا عن التعليم الحضوري، لكنها تظل خطوة جريئة وإيجابية في اتجاه إحداث ثروة حقيقية في الارتقاء بنظامنا التعليمي، إذا نحن عرفنا كيف نحسن استثمارها بشكل صحيح، حيث صار لزاما علينا أن نعمل على تعميم بدائل التعليم الرقمي ومنصات التكوين، ترشيد النفقات وفسح المجال لظهور مسالك وتخصصات مواتية لحاجيات سوق الشغل، والسهر على تحويل التعليم عن بعد إلى ثقافة مجتمعية تقوم على أسس التعلم الذاتي، وأن تصبح الأسرة مؤهلة لتكون شريكا أساسيا للمؤسسة التعليمية في إغناء المحتوى الرقمي، من أجل الرفع من مستوى المخرجات التعليمية والإسهام بفعالية في تحقيق تنمية الاقتصاد الرقمي، والأهم من ذلك أن يتم تأمين وسائل التكنولوجيا لجميع أبناء الشعب.
ومن أهم التحديات، يضيف مفكير، الوتيرة البطيئة في تلقي اللقاح وتخوف العديد من الآباء والتلاميذ من أخذ الجرعة الأولى، والاكتظاظ الذي تعرفه المؤسسات التعليمية، وضعف شبكة الأنترنيت لاسيما بالعالم القروي، فغياب الوعي عند المواطنين وعدم ثقتهم في قرارات الدولة يعطل نسبيا عملة التلقيح، يضاف إلى ذلك عدم التزامهم بالتدابير الاحترازية ووضع الكمامة واحترام التباعد وغيرها.
وقد أصبح لزاما على وزارة الصحة ووزارة التربية الوطنية وتجنيد الإعلام السمعي والبصري القيام بالتوعية من أجل تنزيل الإصلاح التربوي العميق وفق أحكام القانون الإطار رقم 17-51، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا على ضوء الرهانات والتحديات التربوية القوية التي يحملها الموسم الدراسي الجديد 2021-2022، لإحداث نهضة تربوية لبناء مدرسة ذات جودة تضمن تعلم التلاميذ وتنمية قدراتهم وارتقائهم الاجتماعي، وتجويد العمل الصفي بناء على مذكرة الوزارة الوصية، وتطويره بما يضمن التنزيل السليم لوثيقة المنهاج وتحقيق الكفايات المستهدفة، وكذا اعتماد التوجيهات التربوية كإطار تعاقدي في تدبير العملية التعليمية التعلمية، فضلا عن جعل الكتاب المدرسي وسيلة تعليمية لإغناء المضامين وتنويعها، والانفتاح على مختلف المصادر المعرفية المتاحة.
كما يستوجب من السلطات التربوية مراجعة الإستراتيجيات والمخططات التربوية المعتمدة، وكذا الآليات والوسائل والمقاربات الإصلاحية، من خلال اعتماد سياسة تربوية متعددة الأبعاد والمستويات تستدعي استحضار كافة العوامل والأسباب المرتبطة بأزمة النظام التعليمي (العوامل الذاتية والموضوعية…). على اعتبار أنه لا يمكن إصلاح المنظومة التربوية بمعزل عن السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الراهن، ودون الأخذ بعين الاعتبار بعلاقة وتأثير باقي السياسات القطاعية الأخرى على قطاع التربية والتعليم (نهج الالتقائية في التدبير).
وختم مفكير بالتأكيد على أن جمعيات المجتمع المدني إلى جانب الفاعلين السياسيين والحكوميين القيام بأدوارهم في حث الآباء والأمهات على تهيئة أبنائهم من أجل دخول مدرسي سلس ومواكبة دراستهم بفتح أوراش للدعم المدرسي وتجاوز الصعوبات، وعلى الإعلام العمل على فتح قنوات للتدريس وإعادة إحياء القناة المدرسية.
الإصلاح