مطالب باحترام المرجعية في مراجعة مدونة الأسرة وتحمل الدولة لمسؤوليتها
دعا مشاركون في ندوة حوارية نظمتها حركة التوحيد والإصلاح الدولة إلى تحمل مسؤوليتها في حماية الأسرة المغربية، استنادا إلى صريح الفصل 32 من الدستور الذي نص على أنه “تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها”.
وشدد مشاركون في الندوة التي احتضنها المقر المركزي للحركة بالرباط، اليوم السبت، حول “مراجعة مدونة الأسرة: السياق والقضايا والمآلات”، على ضرورة احترام المرجعية الإسلامية في أي تعديل لمدونة الأسرة، باعتبار الدين الإسلامي حسب صريح الدستور من الثوابت الجامعة للأمة ويتبوأ موقع الصدارة في الهوية المغربية.
وتحدث رئيس لجنة مراجعة مدونة الأسرة بحركة التوحيد والإصلاح رشيد العدوني على وجود ثلاث قراءات لسياق مراجعة مدونة الأسرة منها الضغط الدولي، وتقييم 20 سنة من العمل بالمدونة، وصحوة الدفاع عن الأسرة في العالم، مركزا على أن تيسير الزواج يجب أن يكون من أكبر مقصد لتعديل المدونة.
وأكد نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح أن مذكرة حركة التوحيد والإصلاح تشدد على تيسير الزواج باقتراح تبسيط مساطر عقده عبر إلغاء استصدار الإذن بالتوثيق بالنسبة للراشدين وأن يكتفي العدول بتوثيقه مع الإبقاء على الإذن فيما يخص حالات خاصة، مشددا على ضرورة اعتماد الرقمنة في هذا الشأن لتيسير الأمور.
ونبه المتحدث إلى أن قضية سن الزواج تكتنفها مغالطات تزعم أن تزويج الأطفال دون السن القانوني يكون في سن مبكرة ويتسبب في الانقطاع عن الدراسة، موضحا أن دراسة رئاسة النيابة العامة تفند ذلك، بالإشارة إلى أن 80 بالمائة من الزواج دون سن الأهلية يكون في 17 سنة، مضيفا أن الدراسة تؤكد كذلك أن 76 في المائة الطفلات منقطعات عن الدراسة أصلا للأسباب تتعلق بغياب المدارس وغيرها.
وأضاف العدوني أن الحركة تشدد على أن يكون السن القانونية في 18 سنة مع حد أدنى هو 15 سنة، مع التشديد على بناء الأسرة على الرشد والتكوين حتى قبل عقد الزواج، مشددا على ضرورة تقوية مؤسسة الصلح وتحريك مسطرة الصلح عوض إهمالها كما هو الشأن الآن مع المدونة، وداعيا أن تكون هيئة الصلح خارج أسوار المحكمة وأن تضمن في بنيتها علماء وخبراء ومتخصصين، داعيا إلى ضبط معنى التطليق للشقاق، محذرا من الأرقام المتضاربة في قضية الطلاق والتطليق، مشيرا إلى أن المندوبة السامية للتخطيط تتحدث عن 88 ألف حالة طلاق وتطليق في تقرير حول المرأة المغربية في أرقام.
وقال منسق أعمال لجنة جماعة العدل والاحسان المشتركة للنظر في مدونة الأسرة عبد العلي المسئول إن الأسرة هي نواة المجتمع، مرحبا بالمواثيق الدولية التي ترتكز على المشترك الانساني دون تلك التي تصادم القطعيات الدينية للدول أو تتدخل في شؤونها أو تم س الفطرة، مشددا على ضرورة التفكير في موضوع الأسرة بعيدا عن الضغوط الدولية.
ونبه أستاذ القرآن وعلومه بجامعة بفاس إلى أن في الفقه الإسلامي ما ليس صالحا لنا ولأسرنا في هذا اليوم، بفعل التحولات التي تشهدها المجتمعات، مشددا على الاجتهاد الجماعي المؤسس على نظر مقاصدي منفتح، وأن تكون المرجعية الإسلامية هي قضية مجتمع يدافع عنها الجميع، مشيرا إلى أن الإمام القرافي تحدث في كتابه الذخيرة عن 26 حالة اجتهد فيها العلماء تخص الإرث..
ودعا إلى تيسير الزواج عبر تبسيط مساطره لتحقيق غاياته، موضحا أن جماعة العدل والإحسان اقترحت تحديده الحد الأدنى للزواج في 16 سنة، مضيفا أن على الإعلام القيام بواجب نشر الوعي فيما يخص قضية الأموال المكتسبة بعد الزواج، باعتبار أن العديد من النساء تضيع حقوقهن بسبب عدم وضع وثيقة تحدد قضية الأموال المكتسبة.
ورأى المسؤول أن قضية الاستلحاق من المعضلات الكبرى، داعيا الدولة إلى تحمل مسؤوليتها في هذه المعضلة، مقترحا أن يتكفل به أبه دون إلحاق النسب به أو أن يقوم بتنزيله منزلة ابنه أو بنته دون لحوق النسب به، كي لا يتم التسوية بين الأبناء الشرعيين وغير الشرعيين، منبها إلى وجود إشكال في القانون فيما يتعلق بقضية الطلاق.
وأوضح الأستاذ نبيل صبحي حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية أن سياق تعديل مدونة الأسرة مرتبط بتجدد في الواقع، إلى جانب سياق دولي ضاغط، ملاحظا وجود محرك نسوي وصل على الصعيد العالمي إلى مراكز القرار رغم عدم تواجده مجتمعيا، مشرا إلى أن هذا المحرك له صدى في المغرب.
وتوقف صبحي عند السياق المحلي الذي تمخضت عنه الممارسة القضائية التي بينت العديد من الإشكالات على مستوى التطبيقات على أرض الواقع، إلى جانب ما أبانت عنه الدراسات والتوصيات الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والحوار الوطني من أجل إصلاح منظومة العدالة والخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير النموذج التنموي.
ونبه المتحدث إلى عدم الوقوع في سقف حدده البعض سابقا، مضيفا أن الدول تحدد سن الزواج في 18 أو 20 سنة دون تحديد السن الأدنى، مشيرا إلى ضرورة مراعاة اختلاف البنية الجسدية بين المناطق، مشددا على أن القانون وحده لا يمكن أن يعالج مشكل الأسرة، بل لا بد من مداخل أخرى منها المدخل الأخلاقي.
وأعاد التذكر بأن سياق مناقشة المدونة محكومة بما يفرض الغير، ليؤكد أن مسألة التعصيب والإرث تندرج ضمن النظرية الاجتماعية للإسلام، موضحا أن الإسلام يعترف بالوجود الفردي والجماعي والسياسي للمسلم ويركز على الارتقاء بالإنسان وليس التكييف مع الواقع كما يفعل التيار التغريبي الذي يحاول تزكية الواقع والتكيف مع ممثلا لذلك بالترويج الإعلام للإجهاض والحديث عن وجود 600 إلى 800 حالة يوميا رغم أن الأرقام سرية.
وقالت رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية بثينة قروري إن نقاش المرجعية هو جوهر الاختلاف بين كل الخلفيات الفلسفية داخل الساحة، موضحة أن هناك من يركز على المرجعية الإسلامية بينما يركز البعض على المرجعية المدنية، مضيفا أن قضايا الأسرة محكومة بالنظام العام، بينما المرجعية المغايرة مرتبط بمبدأ سلطة الإرادة.
وأوضحت أن المنهجية وضحها الخطاب الملكي، مضيفة أن هناك تجاذبا بين الأطراف على أرض الواقع، مشيرا إلى أن الاتفاقيات الدولية ليست شرا كليا باعتبار أن الإسلام كان من ضمن من أرسى دعائم حقوق الإنسان التي ارتكزت عليها بعض الاتفاقيات، داعية إلى تقوية اتفاقيات فيينا التي تمنح حق التحفظ وغير ذلك.
وأكدت الأستاذ الجامعية أن منتدى الزهراء قدم عدة مقترحات لتيسير الزواج عبر تكوين قضاء أسري مؤهل واعتماد الرقمنة، علاوة على إحداث صندوق الزواج وتيسير السكن للمتزوجين وتخفيض الضرائب، واعتماد شهادة التكوين قبل الزواج كما في تجارب مقارنة.
ودعت قروري الدولة إلى تحمل مسؤوليتها في قضية الأسرة، موضحة أن المنتدى اقترح تحديد سن 16 سنة كحد الأدنى للزواج، علاوة على اقتراح فرض غرامة على عدم توثيق الزواج، مشددة على إدماج القضايا الأسرة والإرث في المناهج الدراسية، إعلاء الأهمية لقضية ا لأموال المكتسبة التي يضيع فيها حقوق النساء، مشيرة إلى الأخذ باجتهادات الكد والسعادة واجتهادات الغرب الإسلامي لكون العدل هو مقصد أساسي للدين الإسلامي.
ودعت إلى الاجتهاد في القضايا غير القطعية في الإرث، والتركيز على مساطر الصلح، مشيرة إلى أن تجربة المنتدى في تجربة الوساطة عبر مراكز الاستماع كشفت عن تجاوز نسب النجاح في الصلح نسبة 50 في المائة.
وأوضح الشيخ حسن الكتاني أن التغيرات التي تشهدها تعديلات المدونة هي حلقة من حلقات التي تطالب بها الحركات العلمانية والحداثية، مشيرا أنه كلما تقوى التيار الحداثي وضع مجموعة من المطالب على الطاولة وسرعان ما يتم رفضه، موضحا أن ما تلا تفجيرات الدار البيضاء مكن هذا التيار من تمرير مجموعة من التعديلات.
وأكد الداعية أن الإسلام ضبط مسألة الإرث بشكل مضبوط حتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء، موضحا أن التعصيب موجود في القرآن والسنة، وأن أبواب الميراث صريحة في القرآن الكريم، لذلك فإن أغلب المذهب الإسلامية لم تختلف كثيرا فيما يخص الإرث.
ودعا الكتاني ضرورة التشبث بالمذهب المالكي الذي أثبت جدارته على مدى 1000 سنة من الحكم المجرب، قائلا إن “الإسلام لم يظلم المرأة بأي حال من الأحوال”، منتقدا الذين يرفعون سن الزواج ويخفضون سن العلاقات الجنسية قصد تعسير الزواج.
وخلص عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح عبد الرحيم شيخي خلال إدارة الندوة الحوارية إلى الاتفاق على كون المرجعية الدستورية للمجتمع هي المرجعية الإسلامية، مع ضرورة الانفتاح على الكسب الإنساني الذي لا يتعارض مع النصوص القطعية، مع الاتفاق على تيسير الزواج.
ورأى ان من جوانب الاتفاق أن يكون الاجتهاد في يد المتخصصين وفق معطيات توفرها المؤسسات الرسمية، منتقدا احتكار المعلومات والمعطيات التي تمكن من التقدير الحقيقي للموقف تجاه الأسرة، مشيرا إلى أن المقاربة التشريعية لا تكفي، بل يجب أن تكون هناك سياسات قضائية وإعلامية وتعليمية واقتصادية لبناء الأسرة، كما أن على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها فيما يخص قضية الأسرة.
وأوضح شيخي أن حركة التوحيد والإصلاح تولي عناية خاصة للأسرة وفق مقاربة متكاملة ترمي إلى حمايتها، باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، موجها التحية للأسرة المغربية وكذا الفلسطينية المقاومة التي تمانع وتقاوم حرب الإبادة الجماعية.
موقع الإصلاح