مستجدات القضية الوطنية – نورالدين قربال
صدر يوم 31 أكتوبر2024 القرار الأممي 2756، المتعلق بالصحراء المغربية الذي اعتمد في مراجعه على القرارات الصادرة منذ 2007 إلى 2023. وهذا مؤشر قوي على جدية الطرح المغربي السياسي مشروع الحكم الذاتي الذي قدم رسميا إلى الأمم المتحدة سنة 2007 وتم وصفه بالواقعية والجدية والمصداقية. لذلك ذكر مصطلح العملية السياسية ست مرات، والحل السياسي كذلك، والإرادة السياسية مرتان. ولا حل سياسي إلا بالتفاوض والحوار، لذلك تم الثناء على الموائد المستديرة ودعا إلى إتمامها من أجل تحقيق التقارب حول حل سياسي دائم ومقبول. مما يتطلب مزيدا من الثقة.
إن العلة من وراء هذا الحل حسب القرار هو تحقيق الاستقرار والأمن، وفرص العمل، والنمو مع استحضار منطقة الساحل. مشيرا إلى انهيار وقف إطلاق النار داعيا الجبهة بتحمل مسؤوليتها. مذكرا بمقترح الحكم الذاتي للمغرب سنة 2007، واصفا الجهود المغربية بالجدية والمصداقية الرامية إلى التسوية بروح واقعية.
كما دعا البلدين المجاورين إلى المساهمة في العملية السياسية، مركزا على التعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل القيام بمهمتها بالمخيمات. مع تحسين حقوق الإنسان. خاصة حرية التعبير وتأسيس الجمعيات. كما أثنى على الدور الذي تقوم به لجنتا المجلس الوطني لحقوق الإنسان في العيون والداخلة والتفاعل الحاصل مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
عرج التقرير على الوضعية المأسوية التي توجد بمخيمات تندوف داعيا إلى إيصال المساعدات الإنسانية بطريقة أفضل.ثمن المجهودات المبذولة منذ 2006، ومدد ولاية البعثة الأممية إلى أكتوبر 2025. ونبه إلى وقف إطلاق النار، والانخراط في تبني الواقعية من أجل حصول الرغبة في التسوية. والانخراط في بيئة مواتية للحوار. كما أثنى على مشاركة النساء التامة والمتساوية والهادفة في جميع العمليات.
وللتذكير فالدولة الجزائرية كانت عضوا غير دائم في هذه السنة بمجلس الأمن وبذلت مجهودا كبيرا من أجل التشويش وقدمت حوالي 23 تعديلا على المشروع لكن كلها باءت بالفشل. وتم التصويت على القرار المذكور: 13 نعم 02 امتناع روسيا والموزنبيق، أما الجزائر فوقعت في ورطة مما جعلها لم تصوت. وكون الصين أصبحت تصطف مع الواقعية والإيجاب فالكثير يتنبأ بموقف صريح لا غبار فيه من قضية الصحراء. أما روسيا فامتناعها ليس من المشروع ولكن كون المسودة تحضر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد كل هذا ما هو الموقف الصريح للمملكة المغربية من هذا الصراع المفتعل الذي عمر أكثر من 40 سنة؟
الجواب على هذا السؤال هو الخطاب الملكي للمسيرة الخضراء نونبر 2024. الذكرى 49. والذي جاء فيه بأن المسيرة الخضراء كانت سلمية وشعبية. ترسخ الواقع والحقيقة التي لا رجعة فيها انطلاقا من الالتزام والمسؤولية لأنه الحق والشرعية. مشيرا جلالته إلى مغربية الصحراء والمقدسات انطلاقا من روابط البيعةبين سكان الصحراء وملوك المغرب. وتنعم المنطقة بنهضة تنموية في ظل الأمن والاستقرار. وهناك اعتراف دولي بمغربية الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي. بمقابل هذا هناك عالم آخر منفصل عن الحقيقة ويعيش في أوهام الماضي وأطروحات تجاوزها الزمن كما أكد الخطاب الملكي.
لقد تخلت الأمم المتحدة نفسها عن الاستفتاء كما تم رفض إحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، فهم رهائن يعيشون في ظروف يرثى لها حيث الذل والإهانة والحرمان من أبسط الحقوق. هذا هو واقع الحال كما نص عليه الخطاب الملكي. وكان جلالته واضحا عندما تحدث عن إرادة الحصول على منفذ على المحيط الأطلسي. والمغرب لا يرفض ذلك لأنه طرح مبادرة دولية مغربية لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي لكن عن طريق الشراكة والتعاون والتقدم المشترك لكل الشعوب.
كلام واضح كوضوح الشمس لمن يريد الخير لبلده ولجيرانه وللقارة الإفريقية وللتعاون الدولي المبني عل رابح رابح. ورفض كل هذا مؤشر على أن الجارة تغطي على مشاكلها الداخلية الكثيرة. مع إشارة ملكية أن المغرب يرفض كل انحراف قانوني لأهداف سياسية ضيقة. لأن الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب لن تكون أبدا على حساب وحدته الترابية وسيادته الوطنية.
توجه الخطاب الملكي اتسم بالوضوح والطموح عندما وجه رسالة إلى الأمم المتحدة بأن تتحمل مسؤوليتها من خلال تحديد الفرق الكبير بين عالم الحقيقة والشرعية وعالم متجمد بعيد عن الواقع وتطوراته. كل هذا يتطلب تضافر جهود الجميع مشيرا جلالته إلى الدور الذي يقوم به مغاربة العالم في الدفاع عن مقدسات الوطن والمساهمة في التنمية. مذكرا بأن تضحيات جيل المسيرة تحفيز للمزيد من التعبئة واليقظة وتعزيز المكاسب وترسيخ مغربية الصحراء ومواصلة النهضة التنموية في الأقاليم الجنوبية وانعكاس ثمار التقدم والتنمية على كل المواطنين في جميع جهات المملكة من الريف إلى الصحراء ومن الشرق إلى المحيط مرورا بمناطق الجبال والسهول والواحات.
إنها خريطة طريق شاملة وناضجة تحيط بقضيتنا الوطنية الأولى من زاوية ملكية متبصرة واستباقية. إنه الانتقال من التدبير إلى التغيير، من ردود الأفعال إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية، لأن قضية وحدتنا الترابية عادلة وحقوقنا التاريخية مشروعة رغم أن السياق الدولي صعب ومعقد لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه والقضايا العادلة تنتصر دائما. هذا ما أشار إليه الخطاب الملكي في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة. أكتوبر 2024.
هذا الخطاب التاريخي الذي شمل محورا واحدا عكس الخطابات السابقة وهي القضية الوطنية والذي ختمه جلالته بتوجيهات سامية منها إقناع الدول التي تسير ضد منطق الحق والتاريخ بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية لشرعية مغربية الصحراء. مع اعتماد تنسيق بين الدبلوماسية الرسمية والحزبية والمدنية من أجل إضفاء النجاعة. واعتماد معايير الكفاءة والتخصص. وأخيرا وليس آخرا يؤكد جلالته على مواصلة المغرب مد يد الانفتاح على محيطه المغاربي والجهوي مساهمة منه في تحقيق التنمية المشتركة والأمن والاستقرار لشعوب المنطقة.