كورونا وكذبة أبريل – عبد الرحيم مفكير
بين كذبة أبريل والكذبة الصفراء عند المغاربة مسافة شعرة معاوية، ومنذ زمن قديم كان من عادات بعض المغاربة الضحك ولو بالكذب على الأشخاص والبحث عن “مقالب” لهم، بالرغم مما يسببه هذا الفعل المشين من أضرار. كما أن الأطفال الصغار كانوا يعصرون أنوف بعضهم ليخرجوا سائلا أبيضا دليلا على الكذب، وإن كان الكذب فعل مذموم عند جميع الخلائق.
وأحدث الناس لأنفسهم موعدا مع كذبة في السنة سموها “كذبة أبريل” والتي يرجع البعض أسبابها إلى القصة التالية: عندما جرى ذبح المسلمين على أيدي النصارى (المسيحيون) وتهجيرهم في الأندلس أخذوا يختبؤون في كهوف الجبال، ولكنَّ الإسبان الصليبيين، أرادوا لهم كمينا كان عارا لهم على مر التاريخ، وهو أنهم (أي الإسبان) صاروا يعلنون أن هناك سفنا مغربية على الشواطئ الجنوبية لإسبانيا جاءت لتحمل المسلمين الى المغرب فمن يريد النجاة بحياته فليسرع الى الشاطئ. وهكذا خرج آلاف المسلمين من مخابئهم وأسرعوا إلى الشاطئ المقابل لطنجة عند مضيق جبل طارق ليواجهوا مذبحة من الإسبان قضت على أكثر المسلمين حينذاك وكان ذلك في الأول من نيسان (إبريل) وسمي ذلك اليوم سمكة نيسان Poisson davril) ) أي انهم اصطادوا المسلمين كالأسماك في ذلك اليوم المشؤوم وهو نيسان، وهذه الكذبة للأسف لا يفهم المسلمون الآن تاريخها، وحتى أنهم يمزحون ويكذبون كذبة نيسان ولايزال بعض سكان شمال أفريقيا يعلقون خلف من يمزحون معه يعلقون على ظهره سمكة ورقية رمزا لكذبة نيسان.
فليفهم المسلمون كل مناسبة وكفاهم غفلة. وفي المقابل هناك من يرد هذه الرواية ولا يقبلها حتى صاحب رواية ” المورسكي” حسن أوريد، لم يأت بها وإن تضمنت روايته أبشع الصور في التنكيل بالأندلسيين كما هو متبث في كتاب ” ناصر الدين على القوم الكافرين” المصدر المعتمد للرواية. المنكرون يذهبون إلى أن القصة ليس لا علاقة لها بأحداث الأندلس، حتى في أكثر الاحتمالات بُعدا، ومع التأكيد على غموض جذور القصة،ويذكرون الاحتمال الأكثر شهرة،أي ارتباط الحدث بتغيير الملك تشارلز التاسع التقويم القديم لرأس السنة، فصار الناس يتهادون فيما بينهم في الفاتح من يناير، فلم يبقَ لرأس السنة القديم (الفاتح من أبريل) نصيب من الهدايا، فلجأ الناس لإعطاء هدايا تافهة على وجه الدعابة.ومن هنا يؤكدون أنه لا داع للكذب لتحذير الناس من الكذب.
وبنفس العقلية في التعامل مع الأحداث تفتقت ذاكرة شعبية هنا وهناك عن إنكار فيريس كورونا وقيل أنه حيلة من امريكا والغرب للتخويف والتهويل، وأن الفيريس صناعة أمريكية وهناك من ذهب أن الصينيين وراءه، وغاياتهم خلق التوازن الاقتصادي والمالي ومحافظة الدول العظمى على ريادتها، إلا أنه بعد طغيان الفيريس وتفشيه وقتله الآلاف من الناس بدأت تتجلى الصورة، وأن الأمر جد لا هزل، والذين ذهبوا إلى اسطورة أن المسلمين بعيدون عن الفيريس وأن الله حافظهم، لا يقرؤون التاريخ ولم يطلعوا على “طاعون عمر” الذي دام خمس سنوات عجاف حتى صرخ أمير المؤمنين اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي أي في زمنه، واتهم نفسه بالتقصير بعد أن حصد الطاعون أزيد من 25 ألف من الناس، وفرض الحجر، وفر من قضاء الله إلى قدره. وكان يأكل الزيت وحرم على نفسه السمن، إنه عام الرمادة، ونظر إلى بطيخة وقال بخ بخ يا بن امير المؤمنين تأكل الفاكهة وأمة محمد فخرج الصبر هاربا وبكى. قال عمر متهما نفسه ” إني أخشى أن تكون سخطة عمتنا جميعا، فأعتبوا ربكم، وانزعوا، وتوبوا إليه” لم يكذب عمر على قومه ولم يتهمهم بل أرجع البلاء لنفسه.
عود على بدء فإن صناعة الكذب يتفنن فيها البشر، ومن يقرأ تاريخ الإبادات التي قامت بها أمريكا في حق الهنود الحمر، والحروب التي صنعتها داخل أمريكا اللاتينية، وبحثها عن أسلحة الدمار أو صناعة القنبلة النووية، يجد أن السلاح الأكثر فتكا هو الكذب، وما على المرء إلا أن يقرأ كتاب تيري ميسن البلجيكي ” خدعة القرن” ليقف على حقائق الإعلام الكاذب وتتجلى له كذبة إسقاط الأبراج. والكتاب أكثر دقة في فضح الدولة العظيمة ” امريكا والإبادة الجماعية” لمنير العكش. وعلى منوالها فعلت الاتحاد السوفياتي المفككة والصين وفرنسا وغيرها في التعامل مع الدول المستعمرة. إنها آلة الكذب التي تصرف عليها المئات من الأموال وصناعتها إعلاميا أخطر من كذبة أبريل، وهدايا “بابا نول”، ونفس الأسلوب تستعمله المسيحية المبشرة بإفريقيا وغيرها من أجل استمالة الناس لدين حرف عن أصوله ومقاصده وركب الثتليث عقيدة ومنهاجا.
إنه الكذب بكل تمظهراته يؤثر في تغيير الأحداث والوقائع، فهذه امرأة العزيز مع نساء القصر يرغمن يوسف عليه السلام على قضاء سنوات وراء القضبان بكذبة تواطؤوا عليها” ما جزاء من أراد بأهلك سوءا” رغم علم العزيز بحقيقة فعل زوجته. وهذا الإمام بن القيم يضع حبة قمح لنملة والتي تتحمل مسير نداء أخواتها لإعانتها على حملها فلا يجدنها لأنه يخفيها عنهم كلما حلوا، وفي الثالثة قطعوها إربا، فقال ابن القيم ” إن الكذب مذموم حتى عند الحيوان”.
لقد حاول الإعلام في كل بقاع العالم إخفاء شبح كورونا وفي العديد من مواقعه قد يخفي الحقيقة أو جزء منها لأن تركيبته الأولية مبنية عن الكذب. كما هو حال المتنافسين على الانتخابات حيث يسخرون آلة الافتراء للإجهاز على منافسيهم، لا يخافون في الله لومة لائم.
وفي مجتمعاتنا وللأسف الشديد جرت علينا من العادات والتقاليد أن استأنس كثير منا إلى الكذب وهو غير مقتصر على اللسان بل تعداه للفعل، فبدت أغلب مظاهرنا الحياتية خداعة ومليئة بالكذب، بل تفشى فينا الإفتراء ” إنما يفتري الكذب الذين لا يومنون” إن قريشا وقبلها أمم كذبت رسلها لما جاءت بالبشارة والنذارة من يوم عظيم، اتهمتهم بالكذب ” أم يقولون افتراه” وغدا يدركون كما تبين ” من الكذاب الأشر”.
اليوم علينا أن نغير من سلوكنا ونصدق في القول والعمل، ونواجه ضعفنا بالصدق لا بالكذب” وإن الرجل لا يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا” وهذا ما حذر منه خير البرية عليه السلام ” إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار ” ودعانا إلى تحري الصدق” عليكم بالصدق”.
إن العديد منا يركب موجة الكذب ليضحك الناس أو يرهبهم لا سيما في “زمن الكورونا” ببث أشرطة فيديو مفبركة، وتقديم أرقام عن وجود ضحايا أو يقوم بتسجيل أحداث سابقة ويربطها باحتجاجات بأحياء وكأنها وقعت اللحظة، ومنهم من يأتي بصور لمسؤولين ويلصق لهم تهم ما أتى الله بها من سلطان أو بمواطنين مستضعفين، لا يدركون غايات صاحب التسجيل… وغيرها. ومنا من يسجل أحداثا ليبتز المواطنين ويضعهم تحت مقصلة فضح أسرارهم.
إن نقل الخبر يحتاج إلى الدقة وصحة المعلومة، وما عاداه هو دعوة للفتنة وظلم للناس وترويعهم، وخلق نفس الريبة والتوجس وإشاعة الكذب بينهم. وليقطع المغاربة مع حبل الكذب لأنه قصير.
وكل أبريل وأنتم بألف خير.