قضايا الأسرة من خلال المواثيق الدولية.. قراءة في الأهداف، الغايات والمآلات (2)
يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوجيه كم كبير من أنشطته تجاه صغار السن حتى يتم تنشئتهم منذ وقت مبكر على مفاهيم (الصحة الإنجابية) و(تغيير تصور أدوار الجنسين) وأن يتم تقبل المجتمع للحرية الجنسية، وأدوار الجنسين داخل الأسرة تحت مسمى (ديناميات القوة داخل الأسرة) – فيصدر تقريره لعام 2005م بعنوان (دُور بلدية للمراهقين والشباب) والذي جاء فيه: “عمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على إقامة دُور (Casas) للمراهقين والشباب وتشجع هذه الدُور حقوق صغار السن، ويحصل المراهقون فيها على معلومات وتدريب بشأن الصحة الإنجابية والعنف ويضطلعون بمهام توعية مجتمعية من خلال وسائط الإعلام بشأن الصحة والحقوق الإنجابية”.
“يستعين مشروع “إيقاظ ضمائر المراهقين الذكور” (والذي يعمل على تدريب المراهقين على استخدام العازل الطبي لمنع حدوث الحمل) في نيجيريا، بحوارات منظمة للتشجيع على التفكير الانتقادي لدى الرجال صغار السن الذين تتراوح أعمارهم من 14 إلى 20 سنة وتتناول مواضيع المناقشة ديناميات القوة داخل الأسرة، والعلاقات الحميمة، والصحة الجنسية والإنجابية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية
إقرار الشذوذ الجنسي، وإعطاء الشواذ كافة الحقوق منها الزواج وتكوين أسر:
رتبت وثيقة برنامج عمل مؤتمر القاهرة للسكان حقوقًا ودعت إلى إزالة كل العقبات أمام العلاقات الشاذة: “ينبغى القضاء على أشكال التمييز في السياسات المتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى واستخدمت مصطلح (The Family in all its forms).
وقد عرَّف مكتب الإحصاء الرسمي لسكان الولايات المتحدة الأسرة بأنها: “جماعة تتكون من شخصين أو أكثر يرتبطون معًاَ برباط الميلاد أو الزواج أو التبني وتقطن معًا”
ويعُد هذا إفرازًا طبيعيًا للحركة الفكرية في المجتمع الأمريكي، وفي دراسة للأمريكية “آن فوستس ستيرلنج” بعنوان “الأجناس الخمسة” ادَّعت فيها أن “تقسيم الخلق إلى ذكور وإناث أصبح واقعًا تجاوزه الزمن، ولم يعد يعبر بدقة عن حقيقة الواقع الإنساني، ذلك أن الواقع أصبح يحفل بخمسة أجناس، وليس جنسين فقط، إذ بجانب الرجال والنساء، هناك المخنثون والنساء الشاذات اللائي يعاشرن النساء، والرجال الذين يعاشرون الرجال”
ومع تراجع مفهوم الأسرة الطبيعية، حلّ تدريجيًّا البديل الكارثي، حيث ظهرت الدعوة إلى بناء الأسر (اللانمطية)، وبهذا يتم الإبقاء على الشكل مع إفراغ محتواه أو استبداله بمحتوى آخر، فظلت التسمية (أسرة) ولكن المعنى مختلف، حيث صارت تعني: كل بيت تشبع فيه الحاجات الأساسية الطبيعية (رجل وامرأة في إطار الزواج، رجل وامرأة خارج إطار الزواج، رجال ونساء دون رابطة قانونية، رجلين، امرأتين.. والبقية تأتي).
ونجد صدى ذلك واضحًا في المؤتمرات الدولية التي تظهر فيها الأجندة الأنثوية Feminismبشكل قوي، حيث تعكس الوثائق الدولية الصادرة عن تلك المؤتمرات ذلك المفهوم، فنجد الوثيقة الصادرة عن مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية عام 1994م – في الفصل الخامس منها والذى جاء بعنوان (الأسرة وأدوارها وحقوقها وتكوينها وهيكلها) مبحث كامل بعنوان (تنوع هيكل الأسرة وتكويينها) من مواده: “وينبغى أن تتخذ الحكومات إجراءات فعالة للقضاء على جميع أشكال الإكراه والتمييز في السياسات والممارسات المتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى”، وأخرى تطالب بتغيير (الهياكل الأسرية) معتبرة ذلك التغيير هو (المجال الحيوي لعمل الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات الحكومية المعنية، ووكالات التنمية، والمؤسسات البحثية )، كل هذه المؤسسات مدعوة -بإلحاح- (لإعطاء الأولوية للبحوث الحيوية المتعلقة بتغيير هيكل الأسرة).
وذلك حتى لا تكون -فقط- أسرة شرعية مؤسسة على علاقة مشروعة بين ذكر وأنثى، وإنما لتضم كل ألوان العلاقات -بين رجل ورجل، أو بين امرأة وامرأة – مُدخلة بذلك الانقلاب كل ألوان العلاقات الشاذة والمحرمة شرعًا وفطرة في إطار الأسرة التي يعترف بها القانون ويحميها ويرتب لها الحقوق.
وجاء في تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية بالقاهرة 1994م: “وضع سياسات وقوانين تقدم دعمًا أفضل للأسرة، وتسهم في استقرارها وتأخذ في الاعتبار تعدد أشكالها”
وفي تقرير المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة: “توجد أشكالاً مختلفة للأسر في الأنظمة الثقافية والسياسية والاجتماعية المختلفة”. وقد أثارت تلك الأجندة موجة عارمة من الاعتراضات من قِبل الكثير من دول العالم ذات الثقافات المحافظة.
ثم بعد عامين، وفي مؤتمر اسطنبول للمستوطنات البشرية HabitatII- تركيا 1996م، تكرر نفس الأمر، وبدى واضحًا إصرار المنظمة الدولية على نفس الأجندة، وثارت موجة ثانية من الجدل حول موضوع الأسرة: هل هي خلية اجتماعية يجب تدعيمها، أم أنها إطار تقليدي يجب الانفكاك منه واستحداث مفهوم جديد للأسرة.
وتزعمت كندا ودول الاتحاد الأوروبي المطالبة باستحداث أنماط وأُطُر جديدة للأسرة، أما الصين ودول عدم الانحياز فقد وقفت ضد هذا الموقف، وكحل وسط تبني النص الذي يقارب نص وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان 1994م، حيث تضمن الإشارة إلى الزوج والزوجة مع تعدد الأنماط الأسرية، وقد تُرك اللفظ على عمومه وغموضه؛ إرضاءً للجماعات التي تطالب باستحداث زواج بين الجنس الواحد Same sex marriage، وشهدت أروقة المؤتمر سجالاً واسعًا مما دعا ممثل الإكوادور إلى تحفظه على “الأشكال المختلفة للأسرة” و”الصحة الإنجابية”، حيث فسرهما على أساس أن التعبير الأول يغير مفهوم الأسرة وأساسها، والتعبير الثاني لا يمكن أن يشمل الإجهاض كوسيلة لتنظيم الأسرة.
وأيضًا اعترضت غواتيمالا على (الأشكال المختلفة للأسرة) في مختلف النظم الثقافية والسياسية والاجتماعية وبررت اعتراضها بأنه لا يجوز تحت أي ظرف تغيير الأساس الذي تقوم عليه الأسرة وهو الاتحاد بين الرجل والمرأة. كما أكد الكرسي الرسولي (الفاتيكان) أن الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع، وأنها تستند إلى الزواج كشراكة تقوم على المساواة بين الزوج والزوجة.
وتحفظت جمهورية هندوراس على عبارة “الأشكال المختلفة للأسرة”؛ حيث برر ممثلها الحكومي تحفظ بلاده قائلاً: “ويجب أن يكون مفهومها بأنه لا يمكن أن تعني أبدًا بالنسبة “لجمهورية هندوراس” إباحة الزواج بين أشخاص من نفس الجنس؛ حيث أن دستورنا الوطني يحمي الأسرة بشكلها الطبيعي.
أما نص بعض البنود التي أعربت صراحة عن أشكال أخرى للأسرة Different Forms of the Family، فلم يكن مستحدثًا في مؤتمر الإسكان 1996م، بل له سابقاته في المؤتمرات السابقة، ففي مؤتمر السكان الذي عقد في مكسيكو سيتي 1984م: “تعترف خطة العمل العالمية للسكان والأسرة- بأشكالها المتعددة – باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع، وتوصي بإعطائها حماية قانونية. والأسرة مرت- ولا تزال تمر- بتغيرات أساسية في بنيتها ووظيفتها”
ولم تسلم وثائق الطفل من تلك الأجندة، فتأتي وثيقة عالم جدير بالأطفال 2002م، والتي تعد وثيقة آليات وسياسات لتفعيل اتفاقية حقوق الطفل (CRC)1989، لتبرز ذات المعنى (تعددية أشكال الأسرة) حينما طالبت الوثيقة الحكومات بـ: “مراعاة أن الأسرة تتخذ أشكالاً مختلفة باختلاف النظم الثقافية والاجتماعية والسياسية”.
وليست الوثائق الدولية الخاصة بالمرأة أو بالطفل فقط هي التى أكدت على تعددية أشكال الأسرة، وإنما تظهر نفس الأجندة بوضوح في العديد من المؤتمرات، وقد حرصت لجنة المرأة على فرض نفس الأجندة في المؤتمرات الأخرى، فقد جاءت الوثائق الصادرة عنها وقد رسخت نفس المفهوم كنوع من تطبيع المصطلح، فقد جاء في تقرير مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية: “الأسرة هي الوحدة الأساسية في المجتمع وهي بهذه الصفة يجب أن تدعم، ومن حقها أن تلقى حماية ودعمًا شاملين، وفي النظم الثقافية والسياسية والاجتماعية المختلفة، تتخذ أشكالاً مختلفة”.
وتشترك الوثائق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة – من حيث مفهوم الأسرة- في النقاط التالية:
1 – تناول مفهوم الأسرة من المنظور الأنثوي الراديكالي Radical Feminism، وهو المنظور الذي يطرح الشذوذ الجنسي كحق من حقوق الإنسان، واعتبار الأسرة المكونة من رجل وامرأة ارتبطا برباط الزواج الشرعي أسرة (نمطية) تقف في طريق الحداثة، ويجب واستبدالها بالنموذج اللانمطي الإبداعي للأسرة.
2 – إقرار وجود أشكال مختلفة للأسرة، بما يعني إقرار العلاقات غير الشرعية، سواء بين رجال ونساء، والعلاقات الشاذة بين مثليي الجنس، فالأشكال المختلفة للأسرة تشمل النساء والرجال الذي يعيشون معًا بلا زواج، والشواذ، كما تشمل النساء اللائي يأتين بالأطفال سفاحا، ويحتفظن بهؤلاء الأطفال فيقمن بالإنفاق عليهم، ويطلق على هذا التشكيل اسم الأسرة ذات العائل المنفرد Single parent family، وتسمى الأم بـ (الأم المعيلة).
3 – التوصية بإعطاء هذه الأشكال المختلفة الحماية قانونية، وضمان إعطائها نفس الحقوق التي يحصل عليها الأزواج في الأسر الطبيعية والتى صار يطلق عليها في الوثائق مصطلح (التقليدية أو النمطية).
ولا يخفى أن ما عمَّ المجتمعات الغربية من هذه الفوضى الأخلاقية صار وضعًا مخيفًا، وهو ما حدى بالعقلاء هناك من إطلاق صيحات التحذير فتقول الكاتبة الأميريكية “سوزان غللر” محذّرة: “لقد أدى انتشار الشذوذ بين الرجال، أن أخذ شكل الرجل يتغير، فأصبح يهتم بزينته كما تهتم المرأة، ويرتدي الملابس الملونة الزاهية ويكوي شعره حتى أصبح من الصعب التفرقة بين الرجل والمرأة، وزادت شُقة الخلاف بينهما، فهو يبحث عن متعه الخاصة الشاذة، ويضحي بالحياة الأسرية في سبيل فرديته وأنانيته، ثم زاد الطين بلة انتشار الإيدز بين الشواذ من الرجال أولاً، ثم انتقل المرض اللعين إلى النساء شيئاً فشيئاً، فتزايد عدد الرجال الذين لا يمكنهم الزواج بسبب المرض، وزاد عدد النساء اللاتي لا يمكنهن الزواج للسبب نفسه”.
اعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية بدلاً من أن تكون وظيفة فطرية:
تكرس الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة مفهومًا غريبًا يعكس الرؤية الأنثوية للأدوار الاجتماعية لكلا الجنسين، والتي تسعى لفصل جنس الإنسان عن دوره في الحياة، وبالتحديد فصل جنس المرأة عن دورها الأساسي -والمرتبط بالأساس بجنسها وتركيبها البيولوجي- وهو دور الأمومة، وهو ما عبرت عنه بيللا آبزوج (إحدى زعيمات الفكر الأنثوي الراديكالي) بقولها: “لن نعود مرة أخرى لنخضع لفكرة أن القَدَر البيولوجي وحتميته يحصر المرأة داخل صفات متعلقة بجسدها وجنسها لذلك نحن نستخدم كلمة جندر Gender بدلاً من جنس Sex للدلالة على أن حقيقة الرجل والمرأة هي من صنع المجتمع ومن الممكن تغييرها”.
وبالتالي نجد اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) تطالب الحكومات باتخاذ التدابير اللازمة لترسيخ هذا المفهوم (الأمومة وظيفة اجتماعية) حيث نصّت في المادة الخامسة على: “أن “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلى:
أ – تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوّق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.
ب – كفالة أن تتضمن التربية الأسرية تفهمًا سليمًا للأمومة، بوصفها وظيفة اجتماعية والاعتراف بالمسئولية المشتركة لكلٍ من الرجال والنساء في تنشئة أطفالهم وتطورهم، على أن يكون مفهومًا أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات”.
وتكرس هذه المادة أحد أهم أهداف اتفاقية “سيداو”؛ لأنها تنصب على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية، وهو ما تهدف الاتفاقية إلى تغييره في سنوات معدودة. وهى لا تفسر ماهية الأدوار النمطية، وإن كانت تعنى أنه ليست هناك أنماط خاصة للنساء باعتبارهن نساء، وليست هناك أنماط خاصة للرجال باعتبارهم رجالاً، ومن ثم فهناك إمكانية واسعة لتبادل الأدوار، باعتبار الأدوار (محايدة) غير مرتبطة بجنس، بل ووصف دور المرأة في المجال الأسرى بالأنماط الجامدة، وهذا المعنى وثيق الصلة بمفهوم الجندر Gender، وهو ما تحاول الاتفاقية ترسيخه، فلا الرجل رجلاً ولا المرأة امرأة لأنهما خلقا هكذا، بل لأن التنشئة، والثقافة المجتمعية هي التي أملت على كل منهما دوره، وكرسته عبر العصور، ولا علاقة لهذا الدور بخلقة كل منهما وتركيبه البيولوجي!!!
وقد ورد في التقرير النهائي الذي تم إحالته إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بهيئة الأمم المتحدة عام 2007م حول وثيقة (عالم جدير بالأطفال) تحت عنوان (التعليم والتدريب) 14-2-ل: “تقليل الوقت الذي تقضيه البنات في القيام بمهام العناية اليومية بشئون الأسرة المعيشية مع العمل على تغيير المواقف التي ترسخ تقسيم العمل حسب الجندر Gender تعزيزًا لتقاسم المسئوليات الأسرية للعمل في البيت”.
وكشأن اتفاقيات الأمم المتحدة الأخرى، يتم تكرار المفهوم الواحد أكثر من مرة وإدماجه ضمن أكثر من محور؛ لضمان تكريسه وتفعيله، فنجد نفس المفهوم وقد تم إدماجه في المادة الخاصة بالتعليم في اتفاقية سيداو، وهي المادة 10(ج) الخاصة بالتعليم، حيث نادت بضرورة إزالة أي مفاهيم نمطية عن دور الرجل والمرأة في جميع مراحل التعليم، فنصت على: “القضاء على أى مفهوم عن دور الرجل ودور المرأة على جميع مستويات التعليم، وفى جميع أشكاله، عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، ولا سيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم
ونلحظ هنا كذلك، استخدام المساواة بين الذكور والإناث كحُجّة للمطالبة بتشجيع التعليم المختلط، بما له من مساوئ، جعلت الكثيرين من الغربيين أنفسهم يتبنون الدعوة إلى فصل الذكور عن الإناث في التعليم حيث ثبت أفضلية ذلك لهم.
وفي تفسير هذه المادة جاء ما يلي: “يجب على الدول الأطراف القضاء على الأنماط الجامدة غير المتغيرة لدور الجنسين في النظام الدراسي وعن طريق الكتب المقررة المستخدمة في النظام الدراسي التي كثيرًا ما تقوى الأنماط الجامدة غير المتغيرة والتقليدية المنطوية على عدم المساواة وبخاصة في مجال العمل والمسئوليات الأسرية
كل تلك النصوص تؤكد أن المعني بالأدوار النمطية الجامدة، والتي تطالب الاتفاقية بتغييرها وتبديلها، هو دور الزوجة والأم، وذلك يتفق مع تركيز الاتفاقية على تلقي المرأة لنفس التعليم والتدريب وتوظيفها في جميع المهن التي يقوم بها الرجل، ويتفق مع المناداة بتعميم استخدام موانع الحمل؛ من أجل التفرغ لأعباء الوظيفة خارج البيت. ومما يؤكد هذا المفهوم ما جاء في أحد إصدارات الأمم المتحدة بعنوان (تغيير القيم في العائلة العربية)، والذي استنكر أن تعكس المناهج الدراسية صورة المرأة كأم، كذلك الخطاب الديني الذي يؤكد هذه الصورة، وبالتالي لم يحقق دفع المرأة إلى سوق العمل الأهداف المرجوة منه وهي تغيير نظرة المجتمع لدور المرأة، فقد ورد في ذلك الإصدار: “وقد تزامنت الدعوة لخروج المرأة للعمل مع الخطاب الأيديولوجي الذي يؤكد الدور التقليدي للمرأة كأم وزوجة، فالمدرسة لا تعكس صورة حقيقية للمرأة كإنسان نشط وفعال اجتماعيًا واقتصاديًا، بل غالبًا ما تصورها كامرأة ملتزمة بالإنجاب والأمومة”
وجاء في شهادة من طبق مبدأ التساوي التام في مجتمعه، حيث يقول الباحث الطبيعي الروسي “أنطون نميلاف” في كتابه الذي أثبت فيه استحالة التساوي التام بين الرجل والمرأة، بتجارب العلوم الطبيعية ومشاهداته: “ينبغي أن لا نخدع أنفسنا بزعم أن إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة العملية أمر هين ميسور.. الحق أنه لم يجتهد أحد في الدنيا لتحقيق هذه المساواة بين الصنفين مثل ما اجتهدنا في روسيا السوفيتية، ولم يوضع في العالم من القوانين في هذا الباب مثل ما وضع عندنا، ولكن الحق أن منزلة المرأة قلما تبدلت في الأسرة، لا في الأسرة فحسب بل قلما تبدلت في المجتمع أيضًا”.
ويقول عن الفوضى الجنسية التي أحدثتها محاولات تطبيق المساواة: “الحق أن جميع العمال قد بدت فيهم أعراض الفوضى الجنسية، وهذه حالة جدُ خطرة، تهدد النظام الاشتراكي بالدمار، فيجب أن نحاربها بكل ما أمكن من الطرق؛ لأن المحاربة في هذه الجبهة ذات مشاكل وصعوبات، ولي أن أدلكم على آلاف من الأحداث، يعلم منها أن الإباحية الجنسية قد سرت عدواها ليس في الجهال الأغرار فحسب، بل في الأفراد المثقفين من طبقة العمال”. ويقول الدكتور “ألكسيس كاريل” -الحائز على جائزة نوبل-: يجب أن يبذل المربون اهتمامًا شديدًا للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى، كذا لوظائفهما الطبيعية. هناك اختلافات لا تنقص بين الجنسين، ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدن.
ولاستكمال المنظومة اعتبرت تلك الاتفاقية أن الأمومة ليست صفة لصيقة بالمرأة اقتضاها تكوينها البيولوجي والنفسي، بل هي وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي إنسان آخر؛ لذا نادى تفسير الأمم المتحدة للاتفاقية بضرورة وضع نظام إجازة للآباء لرعاية الأطفال، وقد جاء إعلان بكين ليؤكد على نفس المطلب، بل وجعله هدفًا استراتيجيًا، فجاء ليحثِّ الحكومات على: “القيام عن طريق التشريعات، بتوفير الحوافز و/أو التشجيع على تهيئة الفرص للنساء والرجال على الأجازات الوالدية، وتشجيع التقاسم المتساوي لمسئوليات الأسرة بين الرجل والمرأة، بما في ذلك عن طريق التشريعات الملائمة والحوافز”. كما حث على ضرورة توفير شبكات من دور رعاية الطفل حتى تتفرغ الأم لمهمتها الأساسية -وفقًا لمفهوم الاتفاقية- وهي العمل بأجر خارج البيت.
خلاصة أولية:
- أهم المبادئ والمرتكزات التي اعتمدتها المواثيق الدولية في قضايا الأسرة:
- قرار إلزامية المساواة بين الرجل والمرأة في جميع مجالات الحياة.
- الأساس في تمتع المرأة بحقوقها هو تمكنها من التحكم في خصوصياتها.
- إلغاء القوامة واستبدالها بالشراكة.
- اعتبار ممارسة الرجل مسئوليات القوامة داخل الأسرة “عنفًا ضد المرأة”.
- إقرار الشذوذ الجنسي، وإعطاء الشواذ كافة الحقوق منها الزواج وتكوين أسر.
- اعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية بدلاً من أن تكون وظيفة فطرية
- قرار إلزامية تحديد النسل.
- قرار إلزامية التعليم المختلط.
- قرار إلزامية إدراج التربية الجنسية في المنظومات التربوية.
وكل هذه القرارات مخالفة للشريعة الإسلامية ومصادمة للفطرة الإنسانية.
عبد الرحيم بن بوشعيب مفكير