محمد يتيم ينعى الراحل الأستاذ عبد الفتاح فهدي رحمه الله 

عبد الفتاح فهدي… رفيق الدرب المسهم باقتدار في تأسيس العمل الثقافي بالحركة منذ وقت مبكر.
وصل الخبر المفجع، وفاة أخينا ورفيق دربنا عبد الفتاح فهدي بعد مرض لم ينفع معه علاج 
رفقة عبد الفتاح فهدي رفقة طويلة في مسار العمل الإسلامي بدءا من الشبيبة الإسلامية فالجماعة الاسلامية فحركة الإصلاح والتجديد ثم التوحيد والإصلاح .. بحكم الدراسة والتخصص جمعت بينا شعبة الفلسفة في زمن كانت فروعها تهمين فيها توجهات يسارية بعضها متطرف وعدمي، وكان الانتماء للمرجعية الإسلامية والتصريح بذلك في مدرجات الجامعة نادرا..
عبد الفتاح فهدي كان نموذج المناصل الملتزم والمثقف العضوي، كان  واحدا من مجموعة  من الإخوة الذين اختاروا شعبة الفلسفة وبعض الشعب في العلوم الإنسانية من منطلق وعي مبكر بالحاجة لبلورة منظور متجدد يتجاوز هيمنة قراءات إيديولوجية للتاريخ والتراث الفكرى والحضاري للأمة.
قراءات  اختارت تطبيق مناهج غربية سواء في بعدها الاستشراقي الكلاسيكي أو من خلال توظيف مناهج نشأت في سياقات غربية متأثرة بالصراع بين النظريات الفلسفية الحديثة واللاهوت الكنسي ؛ حيث كان العقل يقف في تعارض مطلق مع النقل والعكس صحيح.. وتطبيقها في قراءة التاريخ الإسلامي وفي انتاج “علوم إنسانية” تقوم على استبعاد المكون الديني العقدي وإسقاطها على دراسة وتفسير مسار التاريخ الإسلامي ..
كان عبد الفتاح فهدي من الإخوة القلائل الذين اختاروا التسجيل في شعبة الفلسفة واشتغلوا بتدريسها وكانوا يعدون على رؤوس الأصابع منهم كاتب هذه السطور والدكتور عبد الرحمن اليعقوبي والأستاذ فاضل العسري والأستاذ إدريس نغش  الجابري وغيرهم.. 
التأم عدد من هؤلاء الإخوة  ضمن مجموعات تفكير في القضايا التي كانت تعج بها الساحة وخاصة تطبيق بعض المناهج “الحديثة ” على التاريخ السياسي والفكري للعالم الإسلامي.. أنتجت المجموعة عددا من المقالات والدراسات التي نشر كثير منها على صفحات الأعداد الأولى من مجلة الفرقان.
ولما انتقل الراحل للتدريس في الراشدية حمل معه الهم الثقافي إلى جانب الإسهام في للعمل الدعوي والتنظيني في الجنوب الشرقي، خاصة بوارزازات  بالرشيدية، حيث كان يدرس مادة الفلسفة.
كان عبد الفتاح فهدي رحمه الله متبحرا في دراسة  الهوية الثقافية المغربية والملحون، ولما استقر في الدار البيضاء ترأس مؤسسة بن عبود للبحوث والدراسات والإعلام، وأسهم إلى جانب  الدكتور أحمد كافي في تنظيم أول مؤتمر دولي بالمغرب بين مؤسسة المهدي بن عبود والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بمدينة الدار البيضاء.
تميز عبد الفتاح فهدي رحمه الله بالقدرة على التقرير والتوثيق والمتابعة، ولا زلت أحتفظ بنسخة مكتوبة بخطه لوثيقة من وثائق  الجماعة الإسلامية ( الإصلاح والتجديد بعد تغيير التسمية ) تحت عنوان : “المشاركة السياسية”، وتعتبر من الوثائق التأسيسية لفكر المشاركة السياسية لدى الحركة الإسلامية المغربية ولعلى أنشرها بعد البحث عنها في مكتبتي. 
مؤخرا كانت هناك محاولة لإعادة إحياء تجربة اللجن الفكرية المتخصصة في مختلف مجالات العلوم الإنسانية، وتواصلت مع عدد من الإخوة من بينهم عبد الفتاح فهدي رحمه الله .. لكن لم يتيسر لحد الان تفعيلها، ربما بسبب تعدد اهتمامات وانشغالات عدد من الأساتذة الذين انخرطوا في تأسيسها، وربما لضمور المسألة الفكرية والثقافية في مجتمعاتنا وتنظيماتنا وغلبة ثقافة “الوجبات السريعة” (الفاست فود ) ومنهم  أحمد بوخبزة والدكتور فاضل العسري وغيرهم ممن انقطعت صلتنا بهم وانقطعت صلتهم بنا. 
وللأسف فقد هيمن في تجربتنا دور الإطار التنظيمي ( الحركة ..الحزب …النقابة … الخ ) ولم نستطع بلورة فضاءات مناسبة وكافية متلائمة مع العمل الفكري والثقافي لإنتاج مشاريع فكرية وثقافية مما يفسر ضمور البعد الثقافي والعلمي والفكري في عملنا. وربما استهلك العمل الحزبي والسياسي والحكومي  والنقابي جزءا كبيرا من الاهتمام والوقت.
ملاحظة ..
أكتب هذه الخواطر وأنا على القطار في اتجاه الدارالبيضاء لحضور تشييع جثمان الراحل عبد الفتاح فهدي، وقد كنت قررت والأخ عبد الرحمن اليعقوبي منذ مدى القيام بزيارة للراحل، ومثل هذه القرارت يتعين أن تؤخذ بالحزم اللازم حيث قد تحول بيننا وبينها عوارض مثل المرض أو الموت. 
للأسف الشديد لم يبق في الإمكان سوى الحضور لتشييع جنازته إن أمكن وتعزية أقاربه ذلك من آخر حقوق الأخوة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :” وإذا مات فاتبعه “.
فاللهم ارحم أخانا عبد الفتاح فهدي واغفر له ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد وادخله مدخل صدق واجعله عندك من المرحومين المقربين.
الأستاذ محمد يتيم

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى