عيد الفطر وصلة الرحم – نور الدين قربال

عيد الفطر جائزة ربانية للصائمين الذين صاموا شهر رمضان إيمانا واحتسابا، ولا تكتمل هذه الجائزة  إلا بصلة الرحم، حيث المحبة والتآزر والفرح والأمن والسلم والاستقرار، ومن شروطه ما ورد في المنقول، وما أكده المعقول.أي هناك جدلية بين السوسيلوجية والبعد الديني في هذا الإطار، أو ما اصطلح عليه عند أهل الكلام بالعقل والنقل.

وصلة الرحم  غير مرتبطة بالزمان والمكان لأنها روح تسري في السيرورة التاريخية من أجل تأمين الصيرورة الأفقية، وتوطيد العلاقة الربانية بين عباد الرحمان والديان، ويمكن استثمار الآليات الحديثة على الأقل حتى يستمر الحضور النفسي لصلة الرحم.انطلاقا من مبدأ اليسر والسعة في الاختيار.

كل هذا يساهم في محو آثار الحقد والحسد والضغينة. وإذا كان الله عز وجل يغفر ويتجاوز ويسامح فأولى أن يكون العبد والمخلوق خاضعا لخالقه وربه لأنهم عباد الرحمان .

إن عيد الفطر يزورنا مرة في كل سنة ويحفز على صلة الرحم، لكن هذه الأخيرة ممتدة في الزمان والمكان كقيمة ذات بعد أفقي وعمودي، إذن من كان يومن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه.

لأنها سبب من أسباب البركة في العمر والرزق والصحة والعافية، فصلة الرحم علم وعمل، ومن أعمال العيد الاغتسال والتطيب والإفطار على تمرات قبل الخروج إلى المصلى، وتقبل التهاني وصلة الرحم ومن تم يفوز العبد  بجنان الفردوس ويتمتع برؤية الله لمن أتى الله بقلب سليم.

وفي يوم العيد ستر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بردائه وهي تتمتع بتتبع لعب الحبشة بالمسجد. وقطع الرحم تؤشر على نشر الفساد والفوضى في العلاقات الإنسانية، وبذلك فصلة الرحم مرتبطة بالمسلمين وغيرهم لأن رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جاءت رحمة للعالمين. إذن عيد الفطر جائزة ربانية لعباده الصائمين، وصلة الرحم  تاج واقعي لهذه المنحة الربانية، مما ينفس على النفسية  والعقلية والعلاقات الاجتماعية…

أما قطيعة الأرحام فهي الفساد في ذاته، وعقوق للرحمان، ونشر البغض والحسد للأسف الشديد، أما صلة الأرحام فهي تعزز الإنسانية، والطاعة والتسامح والبركة …..

والأصل المعتمد فيما ذكر تقوى الله التي تعني باختصار التخلي عن المفاسد والتحلي بالمصالح. إنها تنقية للقلوب والأبدان، ودفع للأذى، ومساهمة في الاستخلاف وعمارة الأرض.

إنها الحسنات التي تناقض السيئات، وإذا كان العيد مظهرا من مظاهر التدين، فصلة الرحم من أهم مظاهر العيد، ومن تجلياته في ذلك اليوم التي تتوحد فيه النفوس والعقول والوجدان والحواس، وهذا الحديث معبر عن مضمون هذا العيد في تأثيره على مبدأي التعاون والتضامن على مستوى العلاقات الإنسانية. قال عليه السلام” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا  نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، والله في عون العبد ما كان  العبد في عون أخيه”. رواه مسلم.

إنها لحظات يجب أن نستثمرها من أجل الاستفادة من نفحاتها الربانية انطلاقا من صلة الأرحام، والإكثار من التزاور، وتعزيز الألفة رفعا للكلفة، وتكريسا للتكافل والوحدة، والمصالحة بين الجميع، والجمع بين الصلة والصدقة إذا اقتضى الأمر ذلك.

نخلص مما سبق أن صلة الرحم مظهر كبير من مظهر الدين، وصلة الرحم تاج ذهبي يتوج فرحة العيد تحقيقا لمقاصده، وللعيد وصلة الرحم مقاصد شرعية وواقعية، وهو ملتقى للعبرة والموعظة، وفرصة سانحة لمراجعة الذات والعلاقات والساهمة في بناء برج المحبة والثقة والتضامن والتعاون، هذا الملتقى الذي يعرف توزيع الجوائز الربانية والنفحات الإلهية، ملتقى يعزز وحدة الأمة الشعورية والتوقان إلى بنائها واقعيا.

إنه مسار حي للسعادة  في الدنيا والآخرة، وما أحوجنا لهذه الروح في مناخ دولي يعيش أزمة هوية لأنه درس بليغ في التواصل المبني على هدى من الله، وتواق لما عنده سبحانه من جوائز ربانية ونفحات إلهية، إنه بركة من الله لأهل الأرض.

 

 

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى