عيد الأضحى بتافيلالت أعراف ودلالات
عيد الأضحى أو العيد الكبير حسب تعبير ساكنة الجنوب الشرقي وبالضبط بواحة تافيلالت (قصر السوق سابقا) اقليم الرشيدية حاليا.
بعيد عيد الفطر أو العيد الصغير يتم التفكير في متطلبات عيد الأضحى من أضحية ومراسيم يختلط فيها العرف بالشرع, وتكاد تكون المناسبة الوحيدة خلال السنة التي تكون فرصة لتلاقي الأحباب والأقارب والعائلات،وجميع المناسبات الأخرى تصغر وتتضاءل أمام هذه المناسبة الكبيرة.
الأسر التي تمتلك بعض الحدائق وتمارس تربية الماشية تكون الأضحية لديها من المسلمات بل تهتم بتسمين الأضاحي لبيعها لمن يريدها. والفصيلة الوحيدة التي تشتهر بها المنطقة هي فصيلة :”الدمان”. ومن أهم صفاتها قلة شعرها وانعدام قرونها ولذة لحمها وفتوتها.
حينما يهل هلال شهر ذي الحجة، يتم الاستعداد لمستلزمات الأضحية ومنها ملح الثوم وهي كما يتبين من اسمها يتم دق فصوص الثوم في الملح الحية الطبيعية وهي الحشوة التي توضع وسط اللحم المعد للقديد. كما يصوم الكبار ذكورا ونساء الأيام التسع، ومن الشباب من يصوم يوما أو يومين أو أكثر حسب استطاعة كل صائم،على أن يتوحد الجميع في صيام يوم وقوف الحجاج بجبل عرفات. وقد يحدث أن يكون السبق في الهلال من نصيب بلاد الحرمين فيكون يوم العيد عندها هو يوم عرفة بالنسبة للمغاربة.
في يوم عرفة يتم ذبح ديك أو دجاجة لمتوسطي الدخل أو ضعفائه. أما الأثرياء وقليل ما هم، فيذبحون شاة قد تكون ذكرا أو أنثى وغالبا ما تكون الأسرة ممتدة كثيرة الأفراد.
أما الأطفال واليافعون ففرحتهم لا تنتهي وسعادتهم غامرة منذ أن يهل هلال ذي الحجة، يتوج ذلك بوضع الحناء في الايدي والأرجل يستوي في ذلك الفتيان والفتيات تلفف هذه الأعضاء بأوراق مهملة وقطع من الملابس البالية كي لا تلطخ الأفرشة والأغطية خلال فترة النوم، لأن الصباح يوم عيد ولون الحناء سيكون فاقعا وناصعا جميلا. وغالب الأحيان ما تكون تلك الليلة مليئة ومفعمة بالأحلام الوردية اللذيذة، مصدرها الفرح الكبير والبهجة الغامرة بالمناسبة العظيمة. وقد يكون جزء من تلك العظمة راجع لأكل اللحوم الكثيرة والمتنوعة من لفاف الكبد والقضبان ولحم الرأس والرقبة وغيرها…
في صبيحة يوم العيد يستفيق الجميع على نغمات الأغنية الشهيرة :”ما أحلاك ياعيد”. لفتى دمشق المطرب بهجت الأستاذ. بعد تناول الفطور يذهب الجميع إلا القليل إلى المصليات قصد أداء صلاة العيد والاستماع إلى الخطبة. وللمصلى طعم خاص حيث سيحضر الغائبون الذين قضوا عاما كاملا في الغربة بعيدا عن العائلة طلبا للرزق. وتكون الفرصة مواتية للتزاور والتصافح. فبعد أداء هذه الشعيرة يتم تقبيل الجميع للجميع وتكون المنافسة شديدة في من يصافح الجميع دون استثناء.
أول مراسيم التعامل مع الأضحية تكون عبر ذبحها ويكون أول من يدشن هذه العملية إمام القبيلة ويكون الذبح في مكان يسمى:” فم السلوقية”. فبعد أن يذبح الإمام شاته يتكلف فتية مفتولو العضلات بحملها على أن تلفظ أنفاسها الأخيرة داخل بيت الإمام. ثم ينطلق الجميع لذبح أضاحيهم، وتكون الأولوية للأرامل والمطلقات وذوي الأعذار كنوع من التضامن والتآزر الذي ما زال سائدا داخل هذه الربوع.
وأول طعام تأكله الأسر الفيلالية التي تجتمع في هذه المناسبة عبر وسيلة “العراضة” أي الدعوة للضيافة كأن يحضر الأخ بأبنائه وجبة الغذاء على أن يحضر الأخ الآخر بأهل بيته وجبة العشاء. هذا الطعام هو المسمى:”بولفاف” وكما يدل عليه اسمه عبارة عن ملفوف شحمي من شحم أحشاء الأضحية يلف بقطع الكبد المطهو بالماء قطعا صغيرة بقدر المضغة يرتب داخل قضيب من حديد يشوى على الجمر. وهي وجبة لذيذة تؤخذ بحضرة كؤوس الشاي المنعنع. وللتعبير عن مدى لذتها يقال:”تعض أصابعك وراءها”. أما الوجبة الرئيسية المعدة للغذاء فمكونة من رقبة الخروف (الدمان).
وفي المساء يتم قطع شرائح اللحم لشيها على الجمر وغالبا ما تكون إكراما للزوار الأقارب المهنئين بالمناسبة.
اليوم الثاني من أيام العيد يسمى:”بوهروس” وهو كما يدل عليه اسمه اللحظة التي يتم فيها هرس رأس الخروف أي تكسيره قطعا تطبخ مع وجبة الكسكس. وهي وجبة مابين فترة الفطور والغذاء. على أن الطابع العام للمناسبة هو الإكثار من أكل اللحوم تعويضا عن الخصاص الذي عانت منه الأسر طيلة العام.
اليوم الثالث من أيام العيد يسمى:”التشراح” ويعني عملية تقطيع الخروف قطعا حسب عدد الوجبات وتوضع في المجمد لوقت الحاجة. ويتم تخصيص جزء معتبر للقديد ولفافات الأحشاء المسماة :”الكرداس” الذي سيؤكل في مناسبة أخرى وهي يوم عاشوراء. والعمدة في مناسبة العيد الكبير أن تبقى الشاة معلقة وسط المنزل يراها الداخل والخارج طيلة ثلاثة أيام، وهذا رهين بفصول السنة، فإذا كان الفصل شتاء تمت هذه العملية بنجاح، أما في فصل الصيف فيتم التخلص من الأضحية بتعجيل تقطيعها في اليوم نفسه أو صباح اليوم الموالي على أبعد تقدير، حتى لا تفسد بفعل عامل الحرارة.
ومن العادات التي بدأت تندثر والمرتبطة بالمناسبة هي تخصيص رجل كاملة من أرجل الخروف للمتزوجة حديثا من بنات الدار، تقدم لها عند زيارتها. وما أتعس أسرة زوجت أكثر من فتاة فستكون أرجل الخروف من نصيبهن وتصير الأضحية مصلوبة على مذبح العادات والتقاليد البالية…
عبد الواحد رزاقي