عبد الله اشبابو … من منبر الدعوة الى معترك السياسة
ازداد عبد الله شبابو بضاحية طنجة سنة 1943. وفي سن صغيرة التحق بالكتاب ليُتِم حفظ القرآن عن عمره لا يتجاوز 14 ربيعا. بعدها التحق بالتعليم العتيق برغبة من والده (1957-1964) إلى أن حصل على شهادة “البروفي”. ولأن أسرته كانت تمر بظروف اجتماعية صعبة اجتاز مباراة لولوج مدرسة تكوين المعلمين بحثا عن وظيفة، وانتقل من عروس الشمال إلى العاصمة الاقتصادية لمواصلة التدريب التربوي سنة 1965.
بعد تخرجه وتعيينه في مدرسة ابن مسيك للبنين بالدار البيضاء، تعرف على عدد من رجال التعليم النشيطين بجمعية خريجي مدارس المعلمين التي كان يرأسها عبد الكريم مطيع زعيم الشبيبة الإسلامية فيما بعد لتنطلق رحلة انتمائه إلى الحركة الإسلامية.
لا يزال شبابو يتذكر ارتباطه الأول بالعمل الإسلامي، حيث أنجز عملا مهما لصالحها دون أن يعلم بذلك، إذ يقول إن زميله في العمل محمد بوتغراس اتصل به في يوم ما وطلب منه رسم بطاقة تعريفية (لوغو) لجمعية تحت التأسيس بعد أن علم أنه يهوى الرسم، فما كان من شبابو إلا أن استجاب لطلبه. حينها نسجت علاقة بين الرجلين تطورت إلى قيام بوتغراس بزيارته باستمرار في منزله ومده بكتب إسلامية.
ويشير شبابو إلى أن لقاءه ببوتغراس لم يكن الأول من نوعه فقد كانا يتعارفان في البكالوريا، لكنه لم يكن يتصور أن زميله الذي كان ولوعا بالفلسفة الماركسية في الثانوي سيتحول إلى ناشط في الحركة الإسلامية. بدوره لم يفكر يوما أنه سينتمي إلى تنظيم إسلامي وهو الذي كان قوميا متأثرا بشكل كبير بالرئيس المصري جمال عبد الناصر.
يقول شبابو إن صديقه الجديد بدأ يستدعيه لحضور لقاءات كانت تقام في منزله تتدارس في مجملها أدبيات جماعة الإخوان المسلمين، دون أن يعرف أنها عبارة عن جلسات تربوية، كما أخذ يصحبه إلى مدرسة خاصة بالدار البيضاء هناك حيث سيتعرف على إخوان آخرين يتقاسمون نفس الأفكار ويشتركون في القناعات.
ولأنه ممن يجتهد دون ملل ولا كلل في أداء الأشغال التي يقوم بها، وإذا نخرط في عمل كيفما كان يسعى إلى إتقانه ومنحه الوقت والجهد الذي يلزم؛ تحول شبابو خلال أشهر قليلة إلى عضو فاعل ونشيط لتسند إليه مهمة الإشراف على مجموعة من التلاميذ والطلبة خلال فترة اشتدت فيها المناوشات بين الإسلاميين واليساريين داخل فضاءات التعلم.
بعد ذلك بدأ شبابو في إلقاء المحاضرات في دور الشباب التي كانت قاعاتها تعج بالجماهير، دون أن يعرف أن هذه المحاضرات كانت تؤجج المناوشات بين الإسلاميين واليساريين. وما يتذكره أنه كان يحظى بحراسة مشددة من طرف إخوانه أثناء إلقائه لهذه المحاضرات التي كانت غالبا معدة سلفا وتعطى إليه لإلقائها.
أمام ظهوره الدائم في الواجهة وفي ظل حيويته المعهودة تحول اشبابو إلى عنصر بارز ضمن النشطاء الإسلاميين، وانطلق في درب الدعوة بلا حواجز ولا معيقات بالدار البيضاء ثم انتقل إلى طنجة مسقط رأسه حيث سيبدأ مسارا جديدا من العمل الدعوي. نتناوله في الحلقة القادمة بحول الله.
تحول شبابو في فترة وجيزة إلى عنصر بارز ضمن النشطاء الإسلاميين بالدار البيضاء، بعدها انتقل إلى طنجة مسقط رأسه، حيث سيبدأ مسارا جديدا من العمل الدعوي كله حرص وتفان ونضال وتضحيات.
ولم تمض إلا أيام على استقراره بعروس الشمال حتى تلقى اتصالا من زميله بوتغراس الذي استقر بدوره بالعرائش غير بعيد عن طنجة، واتفقا على لقاء أحد المعلمين ينتمي بدوره إلى الشبيبة لتأسيس أولى خلايا العمل. منذ تلك اللحظة تفرغ اشبابو بشكل كامل لاستقطاب من سيمضي معه في نفس الدرب وبدأ في تأسيس جلسات تربوية كان يهيء لها من ألفها إلى يائها.
بعد مدة وجيزة بدأت ثمار اجتهاداته إلى جانب إخوان آخرين تظهر، حيث انضم إلى المشروع رجال كثر ممن اختاروا مسارا واحدا ألا وهو الدعوة إلى الخير بالحسنى.
في مسار حياة شبابو الدعوي فترة عصيبة كان لها الأثر الكبير في فكره فيما بعد؛ يتحدث شبابو عن هذه المرحلة قائلا ” تلقيت طلبا من مسؤولي الشبيبة الإسلامية بتوزيع عدد من مجلة “المجاهد” التي كان خطها التحريري معارضا للنظام”. ويضيف أن استجابته للطلب قادته رفقة 20 مناضلا آخر للسجن قضوا فيه أشهرا دون محاكمة. لكن هناك وراء القضبان كان شبابو ممن أجروا مراجعات فكرية خلصت إلى ضرورة التخلي عن السرية وتدشين مرحلة جديدة من العمل الإسلامي عنوانها الوضوح والمسؤولية. فكان أن قرروا تأسيس جمعية إسلامية.
بعد خروجه من السجن قام شبابو بمحاولات عديدة من أجل الحصول على ترخيص للجمعية لممارسة الدعوة في العلن، لكن دون أن تستجيب السلطة، لكن ذلك لم يوقف نشاط شبابو ورفاقه الدعوي، إذ بدأوا بإشعار السلطة والأمن كتابة بمكان انعقاد الاجتماعات والجلسات التربوية التي تقام بالمنازل. بالمقابل لم يتراجع للوراء واستمر في محاولاته المتكررة لانتزاع الترخيص بتأسيس جمعية، بل وطرق كل الأبواب بما فيها المحكمة الذي أنصفته في الأخير واستصدر حكما منها بتسلم وصل بتأسيس فرع لجمعية الجماعة الإسلامية بطنجة. واختاره الإخوان ليترأس أول مكتب للجماعة بالفرع.
وبعد أن تغير اسم الجماعة الإسلامية إلى حركة الإصلاح والتجديد سنة 1991، والتي انتخب فيها مسؤولا لجهة الشمال، رفضت السلطة تغيير اسم الجمعية قبل أن تسلمهم المحكمة مجددا الوصل القانوني.
أمام ازدهار العمل الدعوي بدأ شبابو يفكر في تنظيم الأنشطة الإشعاعية التي تستهدف الجماهير تحت يافطة إطار آخر غير الجماعة الإسلامية، فاستقر الرأي في الأخير على جمعية رسالة الطالب التي نظمت عددا كبيرا من المحاضرات استقطبت قيادات الحركة الإسلامية الذين كانوا يحجون من مختلف المدن لتأطير الناس.
كان ذلك قبل أن يؤسس رفقة إخوانه جمعية الإشعاع الثقافية التي ترأسها شخص لا علاقة له بالحركة كي لا تتعرض للمضايقات من طرف السلطة. وساهمت هذه الجمعية في انطلاق العمل الإنشادي والمسرحي في وقت كانت مثل هذه القضايا خلافية وغير محسومة بالنسبة للإسلاميين.
حرص شبابو على الدعوة وإيمانه الراسخ بأن ذلك يتأى بمدخلات كثيرة جعله يدخل مبكرا غمار العمل السياسي، ويسجل في هذا الصدد أنه كان من أوائل الإسلاميين الذين مارسوا العمل السياسي. بدأت التجربة سنة 1994 لما ترشح للانتخابات البرلمانية، وما يزال شبابو يحتفظ بأرشيف لحملته الانتخابية التي اعتبرها “حملة دعوية”، ويتذكر كيف نزلت السلطة بكل ثقلها وتدخلت لمنع فوزه ومارست التزوير لصالح منافسيه.
ولأنه رجل لا يهدأ أبدا ويطرق كل الأبواب التي تؤهله لممارسة الدعوة، دخل تجربة دعوية جديدة سنة 1996، حيث مارس الخطابة وأصبح عضوا بالمجلس العلمي المحلي بطنجة إلى أن تم إعفائه بعد انتخابه نائبا برلمانيا عن حزب العدالة والتنمية فيما بعد.