سماء مفتوحة.. وأدعية تحت الطلب !! – عبد الواحد رزاقي

لم يجد الجيلالي ما يبارك به مناسبة ازديان فراشه بمولود جديد وجميل، إلا أن يدعو إلى مأدبة عشاء لذيذة حفظة لكتاب الله من قريته الجبلية ليتحفوا المدعوين من الأقارب والأصدقاء والجيران وتشنيف أسماعهم بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم تهم مجموعة من الأثمان تشتهر على ألسنة طلبة القرآن على طول البلد وعرضه.

الحفل يبتدئ بقراءة جماعية قد يشترك فيها أغلب الحاضرين لكن تتخلله قراءة فردية لبعضهم مرة بعد مرة. لكن أن يستغل الضيوف حضور هؤلاء الطلبة الكرام للترحم على قرابتهم واستدرار بركتهم فذلك عين الأثرة وسوء استغلال للمواقف.

تقدم المعطي للمجموعة مستفردا بأحدهم ليخفي في كفه مبلغا ورقيا من المال لتنطلق الحناجر صادحة بثمن ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذريو بعضها من بعض…”. آل عمران الآية 33 وما بعدها. وتتوج هذه التلاوة برفع اكف الضراعة للعلي القدير أن يرحم والدي المعطي ويجعله من المقبولين عند ربه في أعلى عليين.

وللترحم على والدته الحنون يتقدم الوزاني للمجموعة المباركة ويقدم لأحد أفرادها مبلغا ماليا لم ندر مقداره لتنطلق الأصوات مرتفعة بثمن آخر إلا أنه أقل مدة من حيث الزمن مما ناله المعطي. تعليقا على ذلك، اسر لي صديقي بجانبي أنه ربما مدة التلاوة تتماشى مع المبلغ المالي المقدم، مشبها ذلك بأيام “التيليبوتيك” حينما كانت المكالمة مرتبطة بمقدار النقود أي الدراهم التي تجعلها في جوف الجهاز…فمكالمتك بقدر ما تجود به من نقود.

ضيف من الضيوف يبدو من هيئته أنه رجل معدم لا يملك ما يقدمه للمجموعة الميمونة، تظاهر بالخروج لقضاء غرض من الأغراض وعند عودته استغل مكانا شاغرا بقرب “الطالب علي” وليترجاه بالدعاء لأجداده بالرحمة والمغفرة، وقد علت محياه حمرة تستبطن خجلا واستحياء بسبب ضيق ذات يده…فهو في نهاية المطاف يريد دعاء مجانيا ودون مقابل، يريد عملا دون عرق جبين أو ما يطلق عليه العامة :”البليكي”.

لم يرد الطالب علي أن يخيب صاحبنا، فانطلق لوحده قارئا من السور القصار شرع بعدها في الدعاء لأجداد المعدم ولم يؤمن على دعائه إلا بعض أفراد المجموعة الطيبة وكثير ممن لم يعنهم الأمر من الحضور.

الشيء الوحيد المشترك عند طالبي الدعاء الثلاثة المعطي والوزاني والمعدم هو يقينهم الصادق أن السماء مفتوحة على مصراعيها والدعاء مستجاب !! ولذلك يجب عدم تضييع الفرصة للترحم والاستغفار على الأحبة الميتين بإدراك الفردوس الأعلى، وللذرية بالصلاح ونيل المراتب العليا في مدارس المهندسين والأطباء والعدالة وخاصة المجلس الأعلى…

تعليــــــــــق:

 باتت آيات الله سلعة تباع وتشترى وتعرض في المزاد العلني، من قدم المال أكثر نال منها النصيب الأكبر تلاوة ودعاء في مخالفة صريحة لقول الله تعالى : “ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون” البقرة 40. وقوله جل وعلا “ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” المائدة 46.

وورد حديث لرسول الله عليه الصلاة والسلام يقول فيه:”اقرؤوا القرآنَ، واعملوا به، ولا تَجفُوا عنه، ولا تغْلُوا فيه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثِروا به))؛ رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني؛ (انظر صحيح الجامع الصغير 1168، والسلسلة الصحيحة 260).

ولنشرح الجملَ الواردة فيه:

فقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا القرآنَ، واعملوا به، ولا تَجفوا عنه))؛ أي: لا تبتعدوا عن تلاوته، قال الطيبي: يريد: لا تتركوا تلاوته، وتشتغلوا بتأويلِه وتفسيره.

وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((ولا تغْلُوا فيه))؛ أي: لا تُجاوزوا حدَّه من حيث لفظُه أو معناه، بأن تتأوَّلوه بباطل، وقد أورد المناويُّ في “فيض القدير” 2/ 64 قولاً آخر، فقال:

“ولا تغْلُوا فيه بأن تبذُلوا جهدَكم في قراءته وتجويده من غير تفكُّر”، والقول الأول أصحُّ.

وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((ولا تأكلوا به))؛ أي: لا تجعلوه سببًا للاستكثار من الدنيا.

أقول: هذا الحديثُ الجميل يربط بين القراءة والعمل، وبالمداومة على تلاوته، وعدم الغلوِّ فيه، وينهانا عن اتخاذ تلاوته سببًا للارتزاق، كما ترى الآن في بعض المساجد يأتي رجل فيقرأ شيئًا من القرآن بعد الصلاة بصوت عالٍ وحسَنٍ، ويجلس بعد ذلك يتلقَّى صدقات الناس وأُعطِياتهم، وينهى عن أن تُتَّخذَ تلاوةُ القرآن مهنة، يتفرَّغ لها ناسٌ يُدْعون إلى مجالس العزاء ليقرؤوا، ويأخذون على قراءتهم أجورا متفاوتةً بحسَب حلاوة الصوت، وهذا ما نجده اليوم في عدد من البلاد الإسلامية؛ إذ أصبحت تلاوةُ القرآن عنصرًا أساسيًّا في مجالس العزاء، وأصبحت تلاوة القرآن عند موت رئيسٍ أو كبير عُرفًا تلتزم به الدولة في إذاعاتها، وتقتصر على تقديم التلاوات القرآنية على مدار الساعة، وعلى نشرات الأخبار، وتُوقِف البرامج الأخرى.*

 

——
*:https://www.alukah.net/sharia/0/112938/%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-3/#ixzz8qchm5iLQ

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى