ذ يتيم يكتب: بين السياسة العادلة وسياسة ازدواجية المعايير
للأسف الشديد في عالم السياسة والرؤية الحزبية الضيقة للسياسة، عادة ما يتم انتقاد وضع معايير للحرية ولممارستها حين يكون أصحابها في المعارضة، لكن سرعان ما يتم الدوس عليها وتجاوزها حين ينتقلون إلى الضفة الأخرى، أي تدبير للشأن العام على المستوى الوطني أو المحلي وأيضا على المستوى التنظيمي الحزبي .
ويكون المشكل أعوص حين يتعلق الأمر بتدبير الشأن التنظيمي، والخلاف في التقدير داخل التنظيمات الحزبية والنقابية والجمعوية، حيث يتم نعث أي دعوة لاحترام مرجعيات العمل الجماعي الأخلاقية وقيمه التنظيمية بكونها تكميما للأفواه وفرضا وللمحاكمات على حرية التعبير، ونصبا للمحاكمات حتى ولو كانت الأنظمة الأساسية واضحة وصريحة في اعتبار تجاوز التعبير المؤسساتي عند النقد للقرارات والتوجهات، لكن عند الانتقال للضفة الأخرى تتناسل قرارات وتصرفات لمنع تلك الحرية وتتعدد مؤشرات للتضايق منها فيما يمكن أن يعتبر ازدواجية المعايير.
دون شك فالقاعدة التي تبلورت عندنا من خلال تاريخ طويل من التجربة هي : الرأي حر والقرار ملزم، كما أنها منصوص عليها في الأنظمة واللوائح الداخلية، ومخالفتهما موجبة للمحاسبة والعقوبات الانضباطية، وهي قاعدة تدمج قيمتين هما : حرية التعبير وحرية النقد والحق في الاختلاف من جهة، وقاعدة الالتزام المؤسساتي من جهة أخرى، أي ممارسة النقد داخل المؤسسات بصفة مسؤولة وذلك لا يصادر حرية التعبير عن الرأي خارج المؤسسات إذا ضاقت تلك المؤسسات بحرية التعبير.
وتضييع هذه القاعدة يهدد الثقافة التنظيمية والسياسية التي مكنت من بناء الدولة الحديثة التي هي دولة حرية تعبير، ويعتبر المس بها مسا بواحد من أهم الحقوق الإنسانية ويضيع استقرار التنظيمات الحركية والحزبية، لكن الأخطر من ذلك أن فيه تضييعا أيضا لقاعدة أخلاقية مؤسسة في ديننا وهي : قاعدة العدل مصداقا لقوله تعالى:” ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى “.
السياسة العادلة أساس متين لبناء استقرار في العمران البشري من منظور إسلامي، أي من منظور المرجعية الإسلامية، وليس غريبا أن يكون العدل السياسي ( عدل الأمير أو المسؤول أو الهيئة التنظيمية العليا وعدم الميل مع الهوى بحسب الموقع وازدواجية المعايير) إحدى القيم التي يستقر بها العمران التنظيمي الداخلي والعمران الوطني، ويستحق من تمثلها وعمل بمقتضاها في ظل الدول الاسلامية والتنظيمات ذات المرجعية الإسلامية أن يكون من أول ” السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله ” كما ورد في الحديث القدسي: سبعة يظلهم الله في ظلهم يوم لا ظل الا ظله : إمام عادل.. فالإمامة العادلة من أهم تجليات المرجعية الاسلامية لأنها إقامة إحدى مقاصد الشريعة وتفعيل لها في مجال العلاقات التنظيمية والسياسية.