مغربية الصحراء وخطاب المستقبل

تعيش قضية الصحراء المغربية اليوم منعطفًا تاريخيًا إيجابيا بعد القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر 2025، الذي أكد بشكل واضح أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب هو الأساس والنتيجة الأكثر جدوى للحل السياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء. وقد اعتبر هذا القرار تتويجًا لمسار طويل من النضال الوطني الموحد والجهود الدبلوماسية المتواصلة التي بذلها المغاربة قيادة وشعبا منذ المسيرة الخضراء سنة 1975، إلى اليوم.
وقد سبق للحركة أن أصدرت بلاغا عقب صدور القرار الأممي سجلت فيه اعتزازها “بهذا الإنجاز الدبلوماسي وعبرت عن أملها في أن يكون فاتحة خير وبركة على بلدنا ومنطقتنا المغاربية جمعاء، وأن يسهم في تجاوز الخلافات التي استنزفت جهود الجميع”. كما ثمّنت فيه ما تضمنه الخطاب الملكي من “نداء للإخوة في مخيمات تندوف، من أجل العودة لبلدهم وجمع الشمل مع أهلهم، والإسهام في تطوير وتنمية وطنهم الموحد؛ ومن دعوة لحوار أخوي مع الأشقاء في الجزائر”.
ووعيا منها بهذا التحول النوعي في مسار قضيتنا الوطنية؛ فإنه حري بحركة التوحيد والإصلاح أن تكون لها مقاربة تعتمدها في الموضوع؛ إسهاما منها في إغناء وترشيد النقاش العمومي، وأن تصوغ خطابا راشدا يواكب هذا المستجد بقدر من الرصانة الفكرية والتوازن القيمي والسياسي، بعيدا عن كل أنماط التسطيح وأشكال المزايدة، ويرسّخ وعيًا وطنيا عميقًا بقضية الوحدة الترابية كقضية هوية ومسؤولية وطنية جسيمة؛
ومن معالم هذا الخطاب المنشود للمستقبل:
أولا- أن حاجة بلادنا ماسة -في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة- لخطاب وحدوي متين يمتح من مبادئ الإسلام وقيمه، فهو الأساس لوحدة الكلمة وائتلاف القلوب بين المغاربة بمختلف أجيالهم ومناطقهم ومن أقصى المغرب إلى أدناه، فالمغاربة توحدوا عبر التاريخ واجتمعوا على أساس رابطة دينية قوية ترسخت عبر قرون بالتزامهم بالإسلام والسعي لنشره وفي ظل رابطة البيعة الشرعية بين الحكام وعامة المواطنين..
وبما أن المرجعية الجامعة للمغاربة تستند على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، فلابد من استحضارها في مقاربة ملف وحدتنا الترابية، المبنية على أسس شرعية قوامها وحدة الدين والعقيدة، وروابط البيعة الشرعية التي جمعت قبائل الصحراء المغربية وساكنتها بالدولة المغربية منذ قرون. هذه المرجعية التي تدعو إلى الوحدة والاعتصام ونبذ الفرقة التي تؤدي إلى الضعف والهلاك، قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103). ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (سورة الأنفال، الآية 46) ومن ثم، فإن حماية الوطن وصون مصالح الأمة مسؤولية جماعية لا تتحقق إلا بالوحدة والتلاحم والتعاون، بينما يؤدي التنازع والتهاون إلى الفشل وذهاب القوة والأثر.
ثانيا- إن المغرب وهو يحقق هذا التقدم في طريق إيجاد حل نهائي لهذا النزاع المفتعل، بناء على القرار الأممي، فإن ذلك لا يعني نهاية الطريق، بل تنتظرنا استحقاقات مهمة وتفاصيل دقيقة من أجل الوصول للحل النهائي وهي مسؤولية منوطة بالدولة ومؤسساتها وأيضا بالمجتمع ومنظماته المدنية والسياسية، وهي مسؤولية لا تقف عند حد التعبير عن الموقف وإنما تتطلب الحرص على ما يحفظ المغرب ويضمن سيادته من كل مخاطر المس باستقراره السياسي والمؤسساتي، وتُجنّبه فتن الاختراق الأجنبي؛ وهو أمر يقتضي يقظة شعبية ومؤسساتية وتوازنا واعتدالا في الخطاب دون إفراط ولا تبخيس، خطاب وطني يُغلّب منطق الأخوة والحوار والاستيعاب وإعلاء قيم الوحدة والتفكير في المستقبل المشترك، مع تفادي كل ما من شأنه إثارة الضغائن والفتن، وهو خطاب يجب أن يتولاه -بكل مسؤولية- صناع الرأي من نخب وعلماء ومثقفين وإعلاميين، سواء مع إخواننا بمخيمات تندوف، أو مع الشعب الجزائري الشقيق، مما سيضمن حتما فرص الازدهار والنماء.
ثالثا: إن دقة المرحلة تحتاج إلى جبهة مغربية قوية متراصة، وهو أمر لا يتم إلا بإرادة سياسية صادقة تقطع مع كل أشكال الفساد، وتحفظ الحريات والحقوق وكرامة المواطنين والمواطنات، وتعيد الثقة إلى المؤسسات، وتمنع كل أوجه الاختراق الفكري والسياسي والاقتصادي التي تروم إضعاف الشخصية المعنوية والرمزية للمغرب والمس بثوابته الجامعة: الإسلام، الملكية، الوحدة الترابية والاختيار الديمقراطي.
وخلاصة القول: إن حاجتنا اليوم مُلحة ماسة إلى خطاب واضح، متوازن ومسؤول، ينطلق من الإسلام الذي يتبوأ صدارة المرجعية الجامعة للدولة والمجتمع، خطاب ينخرط إيجابيا في الدفاع عن الوحدة الوطنية للمغرب ويثمن الجهد الرسمي ولا يتنكر لتضحيات السابقين من الشهداء الذين قضوا نحبهم في سبيل الدفاع عن الوطن وحدوده وسيادته، خطاب يستحضر المخاطر المحدقة ببلادنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وهوياتيا، وفي الوقت نفسه خطاب ينبه للمخاطر، ويوضح الحقائق، وينصح من لهم علاقة مباشرة بالموضوع بكل مسؤولية.
إن بناء المغرب الموحد سينجح -بعون الله تعالى- في ظل مسار لا يفصل بين الرهان الوحدوي والرهان الإصلاحي والديمقراطي والتنموي الذي وجب أن يشمل الوطن بمختلف جهاته، وهو أمر يتطلب تعبئة وطنية شاملة تبنى على الثقة والمسؤولية في ظل وحدة وطنية يمكن تحويلها إلى ملحمة وطنية حقيقية تبشر بولادة مغرب متجدد وصاعد ورائد.
د. رشيد العدوني نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح




