أخبار الحركةأنشطة رئيس الحركةالرئيسية-رسالة الإصلاح

د أوس رمّال يكتب: في ذكرى رحيل رجلٍ قلّ نظيره عبد الله بها رحمه الله

بعد يومين أو ثلاثة؛ تطلّ علينا ذكرى فقدِ رجلٍ قلَّ نظيره في زماننا: أخينا الأستاذ عبد الله بها رحمه الله تعالى، الذي غادر دنيانا في ظروف غامضة، لكنها –مهما خفيت حقيقتها– لم تخفِ حقيقة الرجل نفسه، ولا أثره العميق الذي تركه في مسار الدعوة والإصلاح والعمل الوطني.

إنّ استحضاري سنويا لسيرة هذا الرجل ليس طقساً عابراً، ولا مجرّد وفاءٍ لذكرى صديقٍ وأخٍ في الله، بل هو واجب تربوي وأخلاقي تجاه شبابنا الذي يحتاج –وسط ضجيج النماذج الزائفة– إلى أن يعرِف الرجال الذين تبنَّوا مشروع الإصلاح بصدقٍ وصمت، وجمعوا بين الفكر والعمل، وبين الحكمة والحزم، وبين الصلابة المبدئية والتجرد الخالص لله.

كان عبد الله بها –رحمه الله– واحداً من الجيل المؤسِّس لحركة التوحيد والإصلاح، وصانعاً لشخصيتها الفكرية والمنهجية. لم يكن من الذين يكثرون من الكلام، لكنه كان من القلائل الذين إذا تكلموا أنصت الجميع؛ وإذا أشاروا استبان الطريق؛ وإذا اختلف الناس جمع بينهم. كان هادئاً في هيبته، حاضرًا في صمته، قويًّا دون أن يرفع صوته، حكيمًا دون ادّعاء، ناصحًا دون أن يجرح، ومربّياً دون أن يتصدر.

لقد تعلّمنا منه أنّ الإصلاح قبل أن يكون برامج وخططاً، هو أخلاقٌ وسلوكٌ وخشيةٌ من الله. وتعلّمنا أنّ القيادة لا تُطلب، وأنّ المسؤولية تكليف لا تشريف، وأنّ أقوى الناس هو أكثرهم استغناءً عن الأضواء. وكان –رحمه الله– يعيش هذه المعاني قبل أن يقولها، ويترجمها في سلوكه قبل أن يدوّنها في أوراقه.

ومن عرفه عن قرب، يعرف أنّ سرّ قوته كان في التجرد: تجرد عن ذاته، وعن مصالحه، وعن موقعه، وعن أي اعتبار غير مصلحة الدعوة والوطن. ولذلك أحبّه الناس بصدق، وصدّقوه بلا تردد، ورأوا فيه نموذجاً فريداً لرجل دولةٍ ودعوةٍ معاً؛ رجلٍ يعرف أين يضع الكلمة، وأين يسكت، وكيف يجنّب الوطن فتنًا كان يمكن أن تعصف به.

ولم يكن أثره داخل الحركة أقلّ عمقاً من أثره في العمل الوطني؛ فقد كان مرجعاً منهجيّاً، يثبّت الاختيارات، ويضبط الاتجاه، ويذكّرنا –كلما اضطربت العقول أو اشتدّت الضغوط– بأنّ الإصلاح سيرٌ طويل، وأنّ الثمرة تتطلّب صبراً، وأنّ المشاريع الكبرى تُبنى بالهدوء والثبات ونظافة اليد.

ولذلك سنظلّ نذكّره كلّ عام، لا حداداً على رجلٍ رحل، ولكن تجديداً للعهد الذي تركه في أعناقنا، ووفاءً لرسالة الإصلاح التي عاش من أجلها ورحل وهو ثابتٌ عليها. وسنظلّ نقدّمه لشبابنا قدوةً حيّة في الحكمة، وفي النزاهة، وفي الصبر على تكاليف الطريق.

رحم الله عبد الله بها، وجعل قبره روضةً من رياض الجنة، ورفع مقامه في عليّين، وجمعنا به في مستقرّ رحمته. ونسأل الله أن يُكرم هذه الحركة برجالٍ يسيرون على خطاه، يحملون همّ الإصلاح في صمت، ويجعلون من أخلاقهم عبوراً إلى قلوب الناس، ومن إخلاصهم زاداً للطريق الطويل.

أخبار / مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى