دراسة توصي ببلورة استراتيجية للإعلام الرقمي تعكس تنوع الهوية المغربية

أوصت دراسة جديدة صادرة عن مركز الجزيرة للدراسات بضرورة بلورة استراتيجية وطنية للإعلام الثقافي الرقمي، تدمج البعد الهوياتي في السياسات العمومية للاتصال، وتشجع إنتاج محتوى رقمي ثقافي مبتكر يعكس تنوع الهوية المغربية.
والدراسة أطروحة للباحث المغربي مصطفى صالحي، نشرت على موقع مركز الجزيرة للدراسات أمس الإثنين بعنوان ” الإعلام الجديد وتعزيز صور الهوية الثقافية المغربية: دراسة تحليلية نقدية للشبكات الاجتماعية”، اعتمدت على مقاربة كيفية بالأساس، انسجاما مع طبيعة الموضوع وتعقيد أبعاده الرمزية والثقافية.
ودعت الدراسة إلى تمكين المؤسسات الثقافية من آليات التواصل الرقمي الحديثة، ودعم المبادرات الشبابية في مجال الصناعة الثقافية الرقمية، وتعزيز التربية الإعلامية والثقافية بما يرسخ الوعي النقدي بالاستخدام المسؤول للإعلام الجديد، ويحول هذه الوسائط إلى رافعة للانتماء، والإبداع، والإشعاع الثقافي.
وتوصلت الأطروحة إلى أن الإعلام الجديد يشكل مجالًا استراتيجيًّا ذا إمكانات كبيرة في تعزيز الهوية الثقافية المغربية، غير أن هذه الإمكانات تظل محدودة الأثر في ظل غياب رؤية تربط الثقافة بالإعلام، وضعف التنسيق بين الفاعلين المؤسساتيين، وهيمنة المضامين الترفيهية والاستهلاكية على حساب المحتوى الثقافي العميق.
كما أبرزت النتائج وجود فجوة بين غنى الرصيد الثقافي المغربي وتنوعه، وبين تمثلاته الرقمية المتداولة، حيث غالبًا ما تُختزل الهوية في صور نمطية جزئية أو مناسباتية. وأظهرت الدراسة أن الشباب المغربي فاعل أساسي في إنتاج وتداول المحتوى الهوياتي، غير أن هذا الدور يظل في حاجة إلى التأطير والدعم والتكوين.
واستندت إلى جملة من المناهج والتقنيات الكيفية، من بينها دراسة الحالة، وتحليل المضمون الكيفي، وتحليل الخطاب، مدعومة بأدوات جمع بيانات شملت الملاحظة، والمقابلات المعمقة، ومجموعات النقاش المركزة، إضافة إلى الفحص الوثائقي. وقد مكنت هذه المقاربة من التعمق في فهم تمثلات الفاعلين، وتحليل المضامين الرقمية، والكشف عن الدلالات الكامنة في الخطابات المتداولة داخل الفضاءات الرقمية.
وانشغلت هذه الأطروحة بدراسة العلاقة التفاعلية بين الإعلام الجديد، ولا سيما الشبكات الاجتماعية، وبين الهوية الثقافية المغربية في سياق التحولات العميقة التي فرضتها العولمة والثورة الرقمية. وتنطلق الدراسة من مسلمة مفادها أن الإعلام أضحى فاعلًا مركزيًّا في إنتاج المعنى وإعادة تشكيل التمثلات والمرجعيات الهوياتية، سواء في اتجاه التمكين الثقافي أو في اتجاه التذويب والتنميط، ولم يعد مجرد ناقل للثقافة.
وفي هذا الإطار، تناولت الأطروحة إشكالية توظيف الإمكانات التقنية والتفاعلية للإعلام الجديد في إبراز صور الهوية الثقافية المغربية، بما تنطوي عليه من تعدد روافدها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والإفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية، ضمن وحدة ثقافية وطنية جامعة.
وتستمد الأطروحة أهميتها من راهنية موضوع الهوية في ظل تصاعد النزعات الكونية وهيمنة المنصات الرقمية العابرة للحدود، وما يرافق ذلك من تحديات تمس الخصوصيات الثقافية للشعوب. كما تكتسب قيمتها العلمية من تقاطعها مع مجالات معرفية متعددة تشمل دراسات الإعلام والاتصال، والإعلام الثقافي، والسوسيولوجيا الثقافية، وسوسيولوجيا الشباب، والأنثروبولوجيا الثقافية. كما تتوزع دوافعها بين موضوعية ترتبط بحدة النقاش العمومي والأكاديمي حول الهوية في العصر الرقمي، وذاتية نابعة من المسار العلمي للباحث واهتمامه السابق بالتراث الثقافي غير المادي باعتباره مكونًا مركزيًّا للهوية الثقافية المغربية.
وتتمحور الإشكالية الرئيسة للأطروحة حول سؤال مركزي مفاده: كيف يمكن استثمار إمكانات الإعلام الجديد، وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، في إبراز صور الهوية الثقافية المغربية وترسيخها لدى الشباب المغربي والمجتمع عامة، في ظل التنوع الثقافي الذي يميز المغرب؟ ويتفرع عن هذا السؤال عدد من التساؤلات الجزئية التي تهم طبيعة الإمكانات التي يتيحها الإعلام الجديد في بناء الهوية، وخصوصيات الهوية الثقافية المغربية، ومستوى وعي المستخدمين والمؤسسات الثقافية بأدوار الإعلام الرقمي، فضلًا عن العوائق البنيوية والمؤسساتية التي تحد من توظيف هذه الوسائط في خدمة الهوية.




