خطورة الخرافات والأساطير وولع الناس بها
عباد الله، يقول الله تعالى في سورة الأنعام عن حال الكفار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عند مواجهته إياهم بإسماعهم القرآن: “وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمُ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ “، وقال تعالى في سورة الفرقان: “وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ” والأساطير هي الخرافات والباطل من الحديث والقصص، قالوا ذلك جحودا وإنكارا أن يكون القرآن كلاما من عند الله، واتهاما للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه مفتر ومختلق ولكن الله فضح بهتانهم.
وقد تتساءلون ـ معاشر المؤمنين ـ عماذا يكون حديثنا اليوم في هذه الخطبة وما صلته بموضوع هذه الآيات؟ نقول حديثنا عن موضوع له ارتباط بأحداث واقعنا، هذا الموضوع نكشف من خلاله أمرا بالغ الأهمية وهو أن الناس بصفة عامة:عامتَهم وخاصتَهم ـ إلا القليلَ منهم ـ مولعون بالخرافات والأساطير، يتهافتون عليها كأنها حقيقة، ويرتاحون إلى تصديقها وإشاعتها لأنه يرونها تقدم لهم تفسيرا لكثير من الأمور الغامضة في الماضي والحاضر والمستقبل، تفسيرا يجدون له اطمئنانا نفسيا يريحهم من تعب التفكير المنطقي وتكمن خطورة التسويق للخرافات والأساطير في فكر الناس غير المُحَصَّنين حين تُربط بالدين والعلم معاً ربطا يُفقد الناسَ كل قدرة على التفكير السليم والرؤية الواضحة ويهدم كلا من الدين والعلم معا، وهناك طائفة من الناس في كل زمان يعلمون هذه الحقيقة ويستغلونها أيما استغلال لينالوا مآربهم المادية أو المعنوية، وهذا ما يفسر نشأة الأساطير وانتشارها من قديم الزمن إلى يومنا هذا، ولكن شدة الخطورة تكون عندما يتم إلباس الخرافة أو الأسطورة ثوب الشرع والدين و القداسة فيصعب محاربتها وكشف باطلها .
1ـ من الخرافات والأساطير التي يغرق كثير من الناس في لُجَّتها المُنتِنة العَفِنَة ما يتعلق بالسحر والشعوذة حيث تُوظف الغيبيات ليس كمنشط للعقل والروح بل كمخدرِ للعقول ومُدمرِ للفكر السليم، فظاهرة الإدمان على طَرْق أبواب المشعوذين والمنجمين والسحرة ومُحترفي الرّقى وعمل التمائم ليست إلا نتيجة الإيمان والتصديق بالفكر الخرافي الذي يُسَلِّم بوجود قدرات خارقة وهائلة عند بعض الأشخاص يستطيعون بها فكَّ المربوط وكشفَ المسروق وجلبَ المحبوب وإهلاكَ العدو وتخليصَ المكروب وبل شفاءَ المريض الذي عجز عنه الأطباء، هذا الفكر الخرافي والأسطوري هو الذي يجعل البعض يُصدِّق بوجود القوى الخفية التي تنطلق من المعالجين الروحيين، لتسريَ في أجساد المرضى وتمنحَهم الشفاءَ في دقائق معدودات إنها دعوةٌ لطمس العقول وإغلاق المستشفيات، ونبذ العلم، وغلق أبواب البحوث، من يعتقدون أن هذه القوى التي يمتلكها بعض البشر قادرة على تعطيل قوانين الكون، وخَرْق شرائعِ الحياة، والتلاعُبِ بالقوانين الصامدة التي لا يأتيها الباطل أبدا، قد جعلوهم فوق الأنبياء أصحاب المعجزات وكذبوا بسنن الله في كونه والقرآن يفضحهم ويكذبهم بقوله: (ولن تجد لسنة الله تحويلا).
2ـ ومن الخرافات والتفكير الأسطوري ما يتعلق بالإيمان بالجن والشياطين فالقرآن والسنة الصحيحة واضحان وبعيدان كل البُّعد عن هذه الخرافات ولكن الناس منهم كثير يصدقون بالجن والشياطين الساكنة في الجداول والأنهار والمنازل المهجورة وغير ذلك، وعوض أن يعيشوا حياة عادية وينخرطون فيها بصورة سليمة تتحول حياتُهم إلى تعاسة وشقاء، و تَرَقـُّب وتَوَجُّس لمن يترصد لهم أو يسكنهم أو يسكن معهم، وإنما هي أكاذيب زرعها الدجالون المشعوذون في نفوسهم يمتصون بها أموالهم ويوهمونهم بالخلاص من شيء هم أصلا لا يحتاجون إلى الخلاص منه لولا ثقتُهم وتصديقهم للدجل. وينزلقون في ممارسات ضالة من ذبح الذبائح وممارسة الطقوس الخاصة بالجن والتمائم والبخور… تُملأ لياليهم السوداءُ بالكوابيس المفزعة ليصُبِّحوا ويُمَسُّوا على أيام مشؤومة موسومة بالفشل في الحياة العملية والأسرية والاجتماعية، فيزداد تصديقهم بالتابعة والنحس والشؤم والمس وغير ذلك. ولو تفحصوا واستخدموا عقولهم ووجدوا عاقلا يرشدهم لعلموا أن هناك أسبابا وحلولا منطقية وعملية وراء كل مشاكلهم بعيدة عن الغيب والشعوذة لو تخلصوا من التفكير الأسطوري لوجدوا الراحة من هذا العناء.
3ـ من هذه الأساطير والخرافات بل والدجل المُبَطَّـَن والمُغلـَّف بالدين ربط الوقائع والأحداث المروعة بعلامات الساعة، ومحاولة إقناع الناس بأنه قد آن أوان خراب الدنيا مع الاتكاء على بعض الأحاديث النبوية ليس في عمومها بل يقول مرجو الباطل والخرافات إن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدث عنها بعينها وأن ما حدث الآن قد أنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم به، ويوظفون بطريقة غير مضبوطة علميا ولا منطقيا تلك الأحاديث ويربطونها ببعض الأحداث والكوارث والحروب والأوبئة، فيضللون فئة من الناس و يحيرون فئة أخرى يدفعونهم إلى التساؤل أو التشكك، وتمضي الأيام فتنكشف حقائقُ كثير من الأحداث و الوقائع بعيدا عن تلك التحليلات والتفسيرات الأسطورية، ولكن المروجين خبطوا خبطتهم واستفادوا ماديا منها لأن كما هائلا من الناس استهلكوها وروجوها، والغريب العجيب أن ذاكرة الناس سريعة النسيان ـ وهذا أيضا مما يعرفه مروجو الباطل ـ فكم حدث هذا من مرة و في كل مرة تنطلي اللعبة والخدعة كأنها تحدث لأول مرة، وهكذا يتحول الإعلام والتواصل السمعي البصري ومنابر وقنوات التواصل الاجتماعي المتنوعة من وسيلة لنفع الناس وتنويرهم بالعلم والمعرفة والتواصل الجاد والإيجابي إلى وسيلة لممارسة التضليل: تستغل الحرية المتاحة في هذا المجال للتضليل والإغواء وجني الأرباح والاغتناء بناء على الدجل والكذب و إلهاء الناس عن الحقيقة وصرفهم عنها.
معاشر المؤمنين إليكم حديث صحيح من أحاديث الفتن بعيدا عن كل أسطورة وخرافة ولكن قد يفسره بعضهم و يؤوله حسب ما يبدو له فيظن الناس أن ذلك التفسير والتأويل حقا بل يظن أنه مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وهو إنما قول رجل هكذا فهم و يريد أن يفهم الناس مثل فهمه ولكن قد يصيب وقد يخطئ، اسمعوا :(عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عنه وعن أبيه قال: كنت عاشر عشرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر وعمر، وعثمان وعلي، وابن مسعود وحذيفة، وابن عوف وأبو سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فجاء فتى من الأنصار فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:أيّ المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خُلقاً، قال: فأي المؤمنين أكيس؟ (أي أذكى و أعقل)ـ قال: أكثرُهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً قبل أن ينزل بهم، ثم إن الفتى جلس فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ،1ـ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يعملوا بها، وفي رواية: حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ـ (أي يتباهون) ـ إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا،2ـ وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ(يدخل هنا كل أنواع الغش)إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ(بالجفاف) ـ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، 3 ـ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، 4ـ وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، 5ـ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُم).
ذ. سعيد منقار بنيس