حسن الإفراني يكتب: خواطر من وحي العمل الاسلامي (4)

1 – الشاي يدعو إلى الله؟! 

ولأن الشاي عند معظم المغاربة يتناول في دورين (كأسين)، يقول المثل الشعبي: “الكاس الاول: كوب الكاس، الكاس الثاني: كوب نص كاس، الكاس الثالث: عطي الماء لهدوك الناس.” فإننا سنخصص لهذا الموضوع مقالين، وإنما اخترنا الشاي عنوانا، لأننا في الغالب الأعم حينما نبغي دعوة أحدهم للجلوس وللاستضافة في البيت، فإننا نقول له: هلم بنا لنشرب كأس شاي! وإن كان بعضهم مؤخرا قد حول وحور المقولة فأمسى يقول: هلم بنا نشرب القهوة!

يا أخي إننا لسنا في بلاد السامبا، إن الدعوة إلى الشاي تحديدا دعوة إلى تمغربيت. لذا يقال تم تنظيم حفل شاي على شرف مناسبة معينة، فهل سمعتم يوما ما بتنظيم حفل قهوة أو حليب… مثلا؟ والشاي إنما يطلق ليقصد به الشاي منفردا أو معه لوازمه، كالمكسرات، والحلويات، والخبز والإدام، وقد يتعداه إلى ما سهل طهيه وحمله وغسل أوانيه.  يقول الشاعر:

وإن لها فوائد واضحات              يراها كل ذي نظر أصيل

إزالة حقد ذي الحقد المناوي         وتحبيب الخليل إلى الخليل.

وسنكتفي في هذه الحلقة الأولى بالوقوف عند حضور الإطعام في مرجعيتنا وفي بعض التجارب التاريخية.

فقد كان إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يأكل خرج يلتمس من يتغذى معه، ولا غرو فهو صاحب قصة “العجل الحنيذ”.

كما قص لنا القرآن الكريم قصة مريم ابنة عمران لما وضعت بعيسى عليه السلام لما جاءها الخطاب السماوي:”فكلي واشربي وقري عينا.” فحصول المأكل والمشرب مما يحقق الهناء والسرور.

ونعجب عندما تسمى سور كالبقرة والمائدة والأنعام والنحل والتين والماعون…، وكلها لها صلة من هنا أو هناك بما ندندن حوله.

وعندما نتحدث عن معجزات الأنبياء، فقد طلب قوم عيسى عليه السلام منه إنزال مائدة -بالرجوع إلى سورة المائدة- عليهم، قال تعالى:”إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين.” قال الطاهر بن عاشور في تفسيره:” المائدة اسم الطعام وYن لم يكن في وعاء ولا على خوان.

والصلة في طلب الحواريين لهذه المائدة مذكور في قوله تعالى:” قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين.” ماذا قالوا أولا؟ نريد أن نأكل منها. فتأمل! فكان طلبهم لها زيادة في البرهان على صدق عيسى عليه السلام في دعوته.”

ولا أدل على جاذبية الإطعام ليس فقط في الدنيا، وإنما جعله الله سبحانه وتعالى محفزا ومشجعا للترغيب أكثر في نعيم الجنة فنجده سبحانه يذكر مع الجنة الأكل والشرب في غير ما موضع:”كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون.” فانظر تبصر! ومن أبرز نعم الله في الدنيا نعمتي الأمن والغذاء:”فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع آمنهم من خوف.” وقد ذكر الطعام في القرآن الكريم بلفظي الطعام والأكل 118 مرة مما يؤكد مكانته.

كما سجلت السيرة معجزات كثيرة  لرسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم تكررت في غير ما مناسبة -وارتباطا بموضوعنا-  تخص توفير الطعام للصحابة، ففي يوم الخندق مثلا أطعم الرسول صلى الله عليه وسلم ألف نفر من شاة صغيرة وصاع شعير؛ يقول البوصيري في همزيته:

فتغذى بالصاع ألف جياع        وتروى بالصاع ألف ظماء

وتكرر الأمر في غزوة تبوك لما أخذ الجوع من الصحابة فطلب منهم عليه الصلاة والسلام بأن يأتوه بما بقي معهم من طعام، فدعا بالبركة، فأكلوا حتى شبعوا، وحملوا ما بقي.

إن الأحاديث النبوية قد حثت ورغبت في الإطعام والضيافة، لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ فقال: “إطعام الطعام وبذل السلام.” وقال:”لا خير فيمن لا يضيف.” وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.”

ولما كان تقديم الطعام إلى الإخوان فيه فضل كثير، وأجر كبير – أنظر الإحياء، ج 1- فقد قال علي رضي الله عنه:”لأن أصنع صاعا من طعام وأجمع عليه إخواني في الله أحب إلي من أن أعتق رقبة.” وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول:”من كرم المرء طيب زاده في سفره وبذله لأصحابه.” وقال أنس رضي الله عنه:”كل بيت لا يدخله ضيف لا تدخله الملائكة.” ويقول محمد بن واسع:”الانبساط في بيوت الإخوان من الصفاء في الأخوة، كيف وقد قال تعالى:”أو صديقكم.” فتعجب!

قال ابن عمر رضي الله عنهما:”أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: أخي أحوج مني إليه، فبعث به إليه، فبعثه ذلك الإنسان إلى آخر، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر، حتى رجع إلى الأول، بعد أن تداوله سبعا”. فأين نحن منهم!؟.

إن واقعية الإسلام لم تغفل ما يقضي فيه الناس – ليس تحصيلا فقط وإنما تناولا كذلك-  أوقاتا لا بأس بها من عمرهم، وهو تناول الطعام وتقديمه للأغيار ، فجمع الإخوان عليه يعد من بين أجل الأعمال وأفضلها، ولا سيما إن كان من بينهم من هو صائم، أو من ذوي القربى. وأعز ما يطلب الاجتماع عليه وعلى مائدة القرآن وتدارس أمور الدعوة، فهو لا محالة “منشط حلال” لهذه المجالس واللقاءات…، وهؤلاء الإخوان ولو كانوا ليسوا بفقراء يستحقون الكرم والتكريم، إذ الصدقة لا تختص بالفقراء فقط، يقول النووي:”تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف.”  وفي المقالة الموالية سنتحدث عن اتجاهات في الإطعام. والحمد لله الذي يطعمنا ويسقينا من غير حول منا ولا قوة.

أبو عبد الرحمن

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى