تخليد الذكرى ال89 لمعركة بوغافر.. استحضار لملاحم الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال
يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير وساكنة إقليم تنغير، خلال السنة الجارية، الذكرى ال89 لمعركة بوغافر المجيدة، التي خاض غمارها أبناء قبائل آيت عطا المجاهدة دفاعا عن حرية الوطن وعزته وكرامته.
وأكدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في بلاغ لها، أن هذه المعركة تعتبر محطة بارزة في تاريخ كفاح الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد في سبيل الحرية والاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية.
وأبرزت أن القوات الاستعمارية الفرنسية حاولت يوم 13 فبراير 1933 التوغل في الجنوب الشرقي المغربي والسيطرة على منطقة صاغرو وإخضاع قبائل آيت عطا التي شكلت سدا منيعا أمام توسعها، حيث شنت أول هجوم على المجاهدين الذين لجأوا إلى جبل صاغرو باعتباره منطقة استراتيجية تتيح لهم مواجهة القوات الاستعمارية الفرنسية لوعورة التضاريس، مبرهنين ومعلنين بذلك عن رفضهم الخضوع للمحتل الأجنبي الذي لم يفلح رغم أسلحته الفتاكة وجيوشه الجرارة وعتاده المتطور في تشتيت صف المجاهدين وتفكيك وحدتهم المتراصة بفضل إيمانهم القوي بعدالة قضيتهم وتمسكهم المتين بمبادئهم وأفكارهم الوطنية وقيمهم الدينية.
وأوضحت أنه في شهادة حول ضراوة المعارك وشراستها، يقول أحد الضباط الفرنسيين وهو النقيب دوبورنازيل: “كان هناك تقدم ملموس لكن بعدما تحملنا خسائر فادحة، وبالليل كنا نختبئ بين الصخر ولا نستطيع التقدم مع أن أمامنا عدد كبير من الاعداء، حينئذ طلبنا الدعم أثناء الليل”.
وفي نفس السياق، يقول الأكاديمي الفرنسي هنري دوبوردو “لم يستطع الهجوم تحقيق هدفه لأن المقاومة كانت على أشدها ضارية ومنظمة وكشفت عن وجود رئيس وعن تنظيم محكم طويل”.
واعتبرت المندوبية السامية أنه في مواجهة المقاومة الشعبية الباسلة وصمودها واستماتة المجاهدين وشجاعتهم التي استحال معها على القوات الاستعمارية اقتحام جبل بوغافر، لم تجد قوات الاحتلال بدا من التراجع وإعادة ترتيب خططها في محاولة لتصحيح أخطائها ولتدارك إخفاقاتها في هذه المعركة، فاضطر الجنرال “هوري”، وهو القائد العام للقوات الفرنسية إلى استدعاء الجنرالين “كاترو” و”جيرو”، وتولى بنفسه تدبير العمليات بقصف مواقع المجاهدين ومحاصرتها باستعمال المدفعية والطيران طيلة المدة من 21 إلى 24 فبراير 1933 في محاولة فاشلة ويائسة لإرغام المقاتلين وعائلاتهم على الاستسلام.
وأمام هذه الروح القتالية العالية، اضطر قائد منطقة مراكش للتخلي عن القيادة بعد إصابته بجروح خلال المعارك، وتوالت الهجومات على معاقل المقاومين واستمر القصف ليل نهار واشتد الحصار بعد أن أغلقت كل الممرات والمعابر، غير أن ذلك لم يزد المجاهدين إلا إصرارا وثباتا على المقاومة والكفاح، إذ ازداد حماسهم بعد شيوع خبر مصرع الضابط الفرنسي “بورنازيل”، وما واكب ذلك من ارتباك وتصدع في صفوف القيادة العسكرية الفرنسية التي تأكدت من عجزها على حسم الموقف عسكريا فعمدت إلى فرض حصار اقتصادي.
وهكذا، ستتم مراقبة منابع المياه ونقط عبور المجاهدين والمقاومين، وقد ترتب عن تطويق المنطقة وحصارها كثرة الوفيات في صفوف الأطفال والشيوخ، ولم يكن لهذه الوضعية أن تثبط همم وعزائم المجاهدين أو تنال من صمودهم وثباتهم إلى أن قر العزم على الدخول في حوار مع القبائل الثائرة يوم 24 مارس 1933 وإعلان الهدنة وبدء المفاوضات مع القائد البطل عسو باسلام، زعيم المجاهدين والرجل المتمرس، والمجاهد المغوار الذي بفضل حنكته السياسية وخبرته القتالية، قاد المعارك والعمليات النضالية ضد الجيوش الاستعمارية الجرارة.
وقد أسفرت هذه المفاوضات عن قبول وضع السلاح من جانب المجاهدين وفق شروط تضمن حرية قبائل آيت عطا وتصون كرامتهم وكرامة عائلاتهم.
وشددت المندوبية السامية على أن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، وهي تستحضر بفخر وإكبار هذه الملحمة التاريخية الغنية بالدروس والعبر والطافحة بالمعاني والقيم، تجدد موقفها الثابت من قضية الوحدة الترابية ومغربية الأقاليم الصحراوية المسترجعة، وتؤكد وقوفها ضد مناورات خصوم الوحدة الترابية ومخططات المتربصين بسيادة المغرب على كامل ترابه المقدس الذي لا تنازل ولا مساومة في شبر منه.
وأشارت المندوبية إلى أنها ستنظم بمناسبة الاحتفاء بهاته المعلمة التاريخية المجـدة، غدا الثلاثاء بإقليم تنغير العديد من الأنشطة والفعاليات المختلفة، مع التقيد والالتزام التام بضوابط وقواعد التباعد الاجتماعي والتدابير الاحترازية ضد كوفيد-19.