المفكر امحمد طلابي: التناقص السكاني في المغرب يعني تآكل الإنسان

حذر المفكر امحمد طلابي التناقص السكاني الجاري في المغرب يعني تآكل القوة الضاربة المتمثلة في الإنسان، قائلا إن “لقد علمنا التاريخ أنه حينما تقع كارثة في القوة العضلية والذهنية للإنسان عن طريق الأوبئة أو غيرها أي التناقص السكاني يؤدي إلى تحولات تاريخية كبرى”.

جاء ذلك خلال تأطيره محاضرة علمية تحت عنوان: “رمضان من بناء الإنسان إلى بناء العمران”، نظمها يوم السبت 15 مارس 2025، المكتب الإقليمي لحركة التوحيد والإصلاح بالرباط، بتنسيق مع قسم الدعوة والعمل الثقافي، بالمقر المركزي للحركة بالرباط، في إطار برنامج رمضان.

وقال مدير مجلة الفرقان “لقد انهارت الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية أمام القوة التي هي الإسلام في العصر الوسيط بسبب التناقص السكاني، فوباء جوتليوس الذي أودى بخمسين مليون شخص في الإمبراطوريتين أدى إلى تناق​ص الإنسان، فتناقصت القوة العسكرية والاقتصادية والعملية فأدى ذلك إلى وهن النظام الدولي في تلك الفترة”.

وأوضح رئيس المنتدى المغربي للوسطية أن ذلك الوهن أعطى فرصة تاريخية لميلاد قوة أخرى ضاربة وهي الإسلام، مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الحضارة الإسلامية، مضيفا أن تناق​ص الإنسان أدى إلى أفول حضارات في مقابل بروز حضارات أخرى، معتبرا أن ذلك بمثابة فرصة وأنه لو كان​ت الإمبراطوريت​ان في قوتهما لتدخلات لإجهاض الحضارة الإسلامية كما حدث مع الربيع الديمقراطي الذي هو حدث هائل لكن المحيط الدولي كان معاديا له. 

وقال عضو المؤتمر القومي الإسلامي إن التناقص السكاني عندنا قد يؤدي إلى كوارث في العمران في نهاية هذا القرن، متوقع أن يؤدي إلى انهيار في الاتحاد الأوروبي في منتصف هذا القرن، بسبب معدل الخصوبة الذي انخفض إلى درجة 1 أو 2، مشددا على أن الإنسان هو الأصل، باعتباره هو قوة العمل الذهنية والعضلية كما عند كارل ماركس.

وانتقد طلابي خطأ ابن خلدون الذي قال إن الأعراب قد خربوا السهول إذ لم ينتبه إلى أن الأوبئة ومعركة العقاب التي سقط فيها عشرات الآلاف من المغاربة أدت إلى فراغ سهل دكالة وعبدة، وهو ما اضطر يعقوب المنصور إلى استقدام قبائل بني هلال لاستيطان السهل فوجدوه فارغا بسبب هذا الوباء الذي أدى إلى تناقص سكاني كبير إضافة إلى نتيجة الحروب بين المرابطين والموحدين، علما أن الحروب تؤدي إلى هجرة السكان.

وميز المحاضر عدة مفاهيم يقع الخلط بينها وهي: الفكر والثقافة والحضارة أو العمران، معرفا الفكر بأن موضوعه هو الإنتاج المعرفي (العلم المادي، العلم الشرعي، العلم الإنساني، أو إنتاج أدبي: موسيقى وآداب ورواية ونحث وشعر..) وغايته بناء الوعي، أما الثقافة فموضوعها توزيع الإنتاج المعرفي وغايتها بناء السلوك العملي، أما الحضارة فهي الترقي في جودة الحياة.

وقال طلابي “إذا قارنا بين حضارتنا اليوم وبين الحضارة في العصر الوسيط نرى بالملموس بأننا قد ترقينا بشكل كبير في جودة الحياة، خصوصا جودة الحياة المادية، وخدماتها ولكن لكي تكون حضارة آدمية يجب أن تكون الترقي في جودة الحياة بشقيها المادي والمعنوي، أما إن كان المادي فقط مع انحطاط في مجال المعنى فهذه حضارة ليست آدمية بالمفهوم العميق لمفهوم الآدمية”.

 

وشدد على أن غايتنا هي بناء العمران الراشد ذو الجودة العالية، موضحا أن المدخل الأساسي لذلك هو بناء الإنسان المستخلف في الأرض، قائلا “إن الله قد استخلف هذا الإنسان في الأرض ليقيم العمران، ولم يستخلفه عبثا على اعتباره الأقوى”، معرفا الإنسان بكونه كائن اجتماعي ناطق ذو قوة سالبة وموجبة عاقل أخلاقي فنان ومسؤول في الدارين. 

وقال “لابد من تجديد البناء النظري للإيمان/ العقيدة، ولابد من تجديد البناء النظري للإنسان، ولابد من تجديد البناء النظري للسلطان/ السلطة، ولابد من تجديد البناء النظري للتاريخ، ولابد من تجديد البناء النظري للعمران/ الحضارة، وهذه النظرية التي أدعو إليها”.

ودعا إلى بناء صرح معرفي جديد للقرن الواحد والعشرين وللقرن الثاني والعشرين، موضحا أن هذا ليس وفق الزمن السياسي، بل وفق زمن المؤرخ وعالم المستقبل، قائلا نحن مطالبون اليوم بالانتقال السلس من عصر التدوين الإسلامي الأول أي التراث الإسلامي ما عدا الوحي، إلى عصر التدوين الإسلامي الثاني.

وسرد عضو اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم سابقا، ست أدوات للإنتاج الحضاري وهي: الدولة والأمة والوطن واللسان والرسالة والعقيدة، مشددا على أن يكون الجهاز المفاهيمي للإنتاج منتجة وحية، داعيا إلى مراجعة جذرية لطريقة التعامل مع النص القرآني، بالتحرر من آية “يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا”.

وطالب بالالتزام بستة مراجع وهي الوحي اليقيني، واللسان العربي المبين، والمنطق، والعلم، والفطرة، وغايات النص القرآن، وإعمالها في وجه أي علم أو تراث سواء داخل التراث الإسلامي أو التراث الوافد من الغرب.

وشدد على ضرورة بناء تراث إسلامي جديد لحل إشكاليات الحياة اليوم، موضحا أن إشكاليات عصرنا تختلف بالمطلق على إشكاليات عصر أجددنا، وأنها غير قادرة بالمطلق على الإجابة عن إشكاليات مثل إشكالية النظام السياسي، والانتخابات، والتقطيع الانتخابي، والديمقراطية، والعولمة والبيئة والفن..

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى