القدوة الحسنة وأهميتها في حياة المسلم
القدوة الحسنة هي خلق من أخلاق الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولأهميتها أورد الله عز وجل في القرآن الكريم صورا عديدة من الاقتداء فيما بين الأنبياء.
ففق أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين؛ لأنهم صفوة خلق الله، جبلهم على مكارم الأخلاق، وكمال الدين، ولهذا جاء الأمر بالاقتداء بهم واتباعهم، فقال الله تعالى بعد أن ذكر مجموعة من الرسل: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾، وأرشد الله عز وجل الأمة إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله، وأفعاله، وأحواله، وسلوكيات حياته صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾.
ومما قد فطر عليه الناس الحاجة إلى القدوة لتكون مثالا حيا يبين لهم كيف يطبقون شريعة الله، لذلك لم يكن لرسالات الله من وسيلة لتحقيقها على الأرض إلا إرسال الرسل، يبينون للناس ما أنزل الله من شريعة بشكل عملي يشاهدون، لأن الحاجة إلى الأسوة الحسنة من الضرورات الفطرية للبشر، فالإنسان يحتاج إلى النموذج، وفق ما هو معروف بوسائل التربية بالنموذج، وتكمن وراء هذه الحاجة ما جبل عليه الناس من حب الكمال.
ومن أهمية القدوة الحسنة أيضا جذب الناس إلى الإسلام، وإطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، فالقدوة الطيبة للداعي وأفعاله وصفاته وأخلاقه الحسنة، تجعله أسوة حسنة لغيره، وقد أثرت القدوة الحسنة بالفعل، وكانت عاملًا مهما في انتشار الإسلام في الكثير من البلاد التي لم يصلها الفتح الإسلامي؛ إذ دخل في هذا الدين الحنيف شعوب بكاملها لما رأوا القدوة الحسنة خلقًا حميدًا في أشخاص مسلمين صالحين.
ويدخل في باب القدوة الحسنة الجهر بالعمل الصالح للترغيب فيه، والحث عليه، إن سكن صاحبه إلى الإخلاص، وأمن شائبة الرياء، وله بهذا أجران؛ أجر العمل، وثواب القدوة.
ومعنى القدوة أن يكون الداعية صورة صحيحة وصادقة لكل ما يدعو إليه، ويريد غرسه في المدعو، بل أن يكون فعله وسلوكه صادقاً قبل كلامه، ولا ريب أن الدعوة بالفعل والعمل، أقوى وأوقع في النفس، وأعون على الحفظ والفهم، وأدعى إلى الاقتداء والتأسي، من الدعوة بالقول والبيان.
ومما يدل على فضل القدوة، وعظيم أثرها، وأنها أفضل في النفوس من السيوف – أن الصحابة رضوان الله عليهم تباطؤوا في الحَلْق لما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم عقب صلح الحديبية تحللا من العمرة التي لم يُمَكِّنهم المشركون منها، حتى دخل صلوات الله عليه على أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها – ومكانُها من العقل والفضل مشهور – فقال: (هلك المسلمون؛ أمرتهم فلم يمتثلوا)! فقالتْ: يا رسول الله، اعذرهم، فقد حملت نفسك في الصلح أمرا عظيما، ورجع المسلمون من غير فتح، فهم لذلك مكروبون، ولكن اخرج يا رسول الله، وابدأهم بما تريد، فإذا رأوك اتبعوك؛ فتقدم صلى الله عليه وسلم إلى هديه فنحره، ودعا بالحلاق فحلق رأسه، فلما رآه المسلمون تواثبوا على الهدي فنحروه وحلقوا!
وتعد القدوة من أفضل الوسائل التربوية المؤثرة في النشء، لأنها تطبيق عملي يثبت القدرة والاستطاعة الإنسانية على التخلي عن الانحرافات، والتحلي بفضائل الأفعال والأقوال، فهي تنقل المعرفة من الحيز النظري إلى الحيز التطبيقي المؤثر، فتلامس بها الأبصار، فالطفل لا بد له من قدوة حسنة في الأسرة والمسجد والمدرسة، ووسائل الإعلام، والأصدقاء والشارع، وذلك من خلال التوجيه والإرشاد، والنصح الدائم؛ لكي يتعلم الطفل منذ نعومة أظفاره المبادئ الإسلامية الرفيعة.
إن القدوة بالمثال الحي المرتقي في درجات الكمال، يثير في نفس البصير العاقل قدرا كبيرا من الاستحسان والإعجاب والتقدير، والمحبة والتطلع إلى الخير، على أن تكون متحلية بالفضائل الممتازة فتعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة التي هي في متناول القدرات الإنسانية.
الإصلاح