ارتفاع في مؤشرات التدين؛ خلاصات لتقارير رصدية
رشيد لخضر
اتفقت عدة تقارير بحثية على رصد ارتفاع وتزايد في مؤشرات الإقبال على التدين عند المغاربة، وهذه البحوث والتقارير سواء كانت موجهة إلى فئة مخصوصة كالشباب والنساء، أو كانت موجهة إلى عموم الفئات الاجتماعية، كما أن هذه التقارير قد تكون ذات طابع محلي أو حتى دولي، ومن أهم خلاصاتها التي تكاد تكون متقاربة، هو الوقوف عند بعض مظاهر الاختلال، الذي يصل إلى حد التناقض في بعض الأحيان، الشيء الذي يترتب عنه الجمع بين سلوكات تخالف المعتقدات الصحيحة، مما يتطلب من كل الفاعلين المعنيين الاهتمام والإسهام في المعالجة، وعدم الارتكان لمخرجات تقارير المراكز البحثية.
ونحن هنا نقف في هذا المقال عند بعض خلاصات التقارير التي اهتمت بالظاهرة، سواء كانت محلية أو دولية:
فهذا تقرير أنجزه المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة حول “الحالة الدينية في المغرب”، وهمّ الفترة ما بين 2017 و2016، خلصإلى ما اعتبره “استمرار تصاعُد الإقبال على التديّن وسَط المجتمع المغربي”.
واشتغل المركز على سبعة مجالات رصد فيها مؤشرات للتدين، وهمت أنشطة الفاعلين في الحقل الديني سواء المؤسسات الرسمية من “إمارة المؤمنين” ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى، أو الحركات الإسلامية بشقيها الحركي والسلفي، فضلا عن نشاطات الزوايا والجماعات الصوفية، والزاوية البودشيشية والتيجانية وغيرهما.
ومن المؤشرات التي تؤكد خلاصة التقرير، تسجيل سنة 2016 “تنامي الاهتمام بالمساجد سواء من قبل الفاعل الديني الرسمي أو المدني حيث تزايد حضورها في اهتمامات المتدين المغربي، حيث وصل عددها إلى حوالي 50 ألف مسجد، منها فتح 200 مسجد جديد، وذلك بـأصل 200 مسجد في السنة”، كما يسجل مؤشر آخر ارتفاع في تدين المغاربة، وهو الإقبال المتزايد على أداء مناسك الحجّ “رغم قرار السلطات السعودية تقليص عدد الحجاج”، حيث بلغَ عدد الحجاج سنة 2016 خمسا وعشرين ألفا، وسُجّل الرقم ذاته خلال سنة 2017.
ومن المؤشرات الدالة أيضا ما سجله التقرير الرصدي من ارتفاع كبير للتدين في المجمتع المغربي، حيث الإقبال على الصلوات وقراءة القرآن، إذ أن المُصليات سجلت أرقاماً قياسية في الاقبال على صلاة التراويح والتهجد في مختلف المدن والقرى، وأبرزت أرقام التقرير “ارتفاع مؤشرات الدين خلال هذا الشهر، حيث أشارت إلى أن “150 ألفا ختموا القرآن خلف الإمام عمر القزابري في ليلة القدر لسنة 2016”.
كما سجل هذا الارتفاع في تدين المغاربة لدى الشباب، وذلك ما أشار إليه التقرير الذي قامت به وزارة الشباب والرياضة في دراسة حول “الشباب والدِّين” شملت 3000 شاب مغربي من مختلف جهات المملكة كعينة تمثيلية1.
وخلصت الدراسة إلى أن ما يرتبط بالتديُّن في جواب على سؤال إلى أي حد تعتبر نفسك من الشباب المتدين تطبيقا لا قولا؟ كانت الإجابة بأن 89 بالمائة من الشباب قالوا بأنهم متدينون وينفذون العبادات، و25 بالمائة من 89 بالمائة قالوا بأنهم جد مطبقين للعبادات والتعاليم الإسلامية، و22 بالمائة منهم قالوا إنهم مطبقون، و42 بالمائة قالوا بأنهم يطبقون العبادات والتعاليم الإسلامية إلى حد ما، أما 11 بالمائة من الشباب المكملة لـ 89 بالمائة فقد اعترفوا بأنهم شباب غير متدين، ومنهم 7 بالمائة مستعدون لتنفيذ هذه التعاليم، و4 بالمائة منهم لا يصلون ولا يتقيدون بشيء.
وفي سؤال للشباب حول هل توجد أماكن للعبادة لكل الأديان بالمغرب؟ أجابت 60 بالمائة عينة البحث بنعم، في حين عبر 21 بالمائة منهم عن موافقتهم للأمر، و11 بالمائة غير موافقين، في حين قال 7 بالمائة منهم بأنه لا رأي لهم.
كما اتفقت عدة دراسات بحثية ورصدية أنجزتها مؤسسات خارج المغرب، وقد خلصت نتائجها إلى مؤشرات تتبث ارتفاع في تدين المغاربة، وخاصة لدى الشباب والنساء، ونذكر من ذلك ثلاث دراسات أجنبية، الأولى من إنجاز جامعة ماريلاند حول الرأي العام العربي وقضايا الهوية والقيم، والثانية عبارة عن تقرير أنجزه معهد غالوب سنة 2010 حاول مقاربة التدين من خلال إبراز العامل الاقتصادي من جهة والتركيز على مؤشرات خاصة بالثقة في المؤسسات وممارسة الشعائر الدينية من جهة ثانية، ثم أخيرا تقرير صادر عن مؤسسة آنا ليند سنة 2010 حيث تمت مقاربة مسألة الجانب المتعلق بالتنشئة الدينية للأبناء.
وهكذا يتبين لنا اتفاق جل المؤسسات المهتمة برصد وبحث الظاهرة الاجتماعية المتعلقة بالتدين، وذلك من خلال خلوصها إلى نتائج في عمومها تؤكد ارتفاع في تدين المغاربة، وهو ما يتطلب متابعة هذه النتائج واستثمارها في معالجة الظواهر الخاصة بالتدين من قبل الفاعلين المهتمين.
د. رشيد لخضر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الشباب المغربي وواقع التدين، يوسف الكلاخي ،الحوار المتمدن-العدد: 3992 – 2013 / 2 / 3.