إضاءات في طريق الدعاة – بنداود رضواني
⇐تجارب الدعاة الأوائل، ومشاريع المتقدمين للتبشير بالإسلام تبقى جديرة بالإشادة والتقدير، فسائقهم الذي لم يتخلف – في طريق الدعوة – هو حبهم لله والوجل منه، أما مراكبهم فكانت مطايا من الصبر والتجشم….، راجين من وراء ذلك كله النظر إلى وجه الله الكريم، ومجاورة ساكن الفردوس الأعلى النبي الأمين عليه الصلاة والسلام.
⇐اليوم هناك ضغط رهيب على الأخلاق الفاضلة أكثر مما مضى، لإفراغها من المشاعر الإيمانية والقيم الفطرية….، إنه عمل متواصل لمحو كل أثر إيماني و إنساني بثته فيها مواكب الرسل والأنبياء والمصلحين.
⇐نحن في زمن الحظوظ و غلبة الرغبات الشخصية، فما أعظم أن يبذل الداعية دون أن ينتظر من أحد عوضا، أو يرجو من مخلوق مغنما….، لأن من مقتضيات الإيمان أن المقابل لن يأتيه إلا من الله وحده..
⇐إن المدى الذي يدعو فيه الدعاة إلى الحق يطول ويطول…، لكن بقدر اللحظات التي يتمثلون فيها أخلاق الإسلام وقيم الإنسانية، فإن هم انسلخوا منها، فإن الدعوة تنسلخ عنهم بالمقابل، وتلك سنة الله في الذين خلوا من قبل.
⇐ويبقى مصير انتشار الدعوة رهين بما عليه أحوال حملتها أولا وقبل أي شيء آخر، ومقيد بمدى الإيمان الذي يعمر أفئدتهم، والأخلاق التي تنشأ عنهم…
⇐الدعوة إلى الله تفتقر قبل كل شيء إلى حرارة الإيمان التي تلهب نشاطها، وإلى التبتل بين يدي الله ليوقد حيويتها، ثم إلى الأخلاق التي تضع لها بين الناس الرضى و القبول، أما وأن يكون المرء دون ذلك، فدعوته ستبقى مجرد صيحات في الفلوات…
⇐ما قيمة دعوة لا تقوم على إيمان، ولا تسيجها قيم وأخلاق ؟؟
بل ما الفائدة منها أصلا !!.
نعم ما قيمة الدعوة إلى الله، إذا كانت بلا إخلاص ودون تقوى، وبلا مجاهدة نفسية…، حسب صاحبها أن يكون من الأدعياء لا من الدعاة.
⇐مما يذكر أن من فرائض الدعوة إلى الله اليوم أن يتقن الرساليون لغات الغير، و يتفننوا في عرضها بأفصح الكلمات وأنسب العبارات…، ودون جدال فاكتساب لغة عالمية أمر مطلوب، والحاجة إليها ملحة، و لكن ما جدوى هذه اللغة حين تفرغ حركة الداعية من مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال.. بيئة الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة هي أخصب بيئة بلا منازع لانتشار الدعوة إلى الله وازدهارها.
⇐خصوم الإنسانية اليوم جادون في طمس الأخلاق وإماتة الضمير وتشويه الغريزة…، فمن هم الأقدر بين الناس على إبراز شأن القيم من جديد، وإعادة الحياة إلى ضمير الإنسانية، وتوجيه الغريزة باتجاه مصارفها الفطرية…؟؟ أليس هم الدعاة الربانيون؟
⇐الأخلاق المادية – لا الروحية – هي أظهر سمة للزمن الحالي، فالأكثرية منتشية بالقيم العدمية للمادة، غير مبالية بالخسائر الروحية التي تئن الإنسانية جراءها…، لكن المستغرب هو هذا الإنبهار الذي أسر قلوب البعض ممن يحمل لواء البلاغ وراية الدين، ويرجَّى فيه فك آصار المادة عن قلوب وعقول الناس…!!! للأسف
⇐إن رسالة البلاغ منذ شرعت هي التي تحدد لحاملها طريقته في الحياة، وتضع هدفا لدنياه، أما وأن يستسلم للأنانية ويختار الأثرة، فذاك سبيل الفردانية لا سبيل الدعوة إلى الله.
⇐الفرق بين الدعوة الصورية والدعوة الأصيلة، أن حملة الأخيرة رقيقة قلوبهم، مخبثة أفئدتهم، مشاعرهم تفيض إشفاقا على من سواهم، وفكرهم مهموم بهداية غيرهم….، أما الصوريون لا يملكون من هذه الأحوال من قطمير…
⇐من سنن الحياة، أن تنزل الإبتلاءات بالدعاة بين الفينة والأخرى، ليظهر جوهرهم وينجلي معدنهم، ومهما عظمت، لا يلبث أثرها أن يتلاشى بمرور اللحظات. فلم الريبة في موعود الله، و اهتزاز الثقة في نصر الله، لم خبت جذوة إيمانهم بقضاء الله وقدره ؟!، والله يقول{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }[الشرح/5-6] .
⇐من الواجب ألا تفتر حناجر الدعاة – ما داموا أحياء – عن الصدح في الناس أنهم لن يجدوا أحنى عليهم، ولا أبرّ بهم من خالقهم و سيدهم عز وجل….
⇐خطوط الدعوة إلى الله تسير متقاربة غير متباعدة، متوازية غير متقاطعة…، فلا تغفل عن أهلك وجيرانك..، وعن إخوانك وأصدقاءك…..، وأبدأ بالأقرب فالأقرب، لأنهم الأولى….
⇐إن الشغف بالدنيا من أقوى سهام الفتك بكيان الدعوة إلى الله، و هو الأمر الذي يشجعه خصوم الدين وأعداء الإنسانية، هَمُّهم أن يصير الجميع دون استثناء مغفلا ذووا شهوات نزقة وطائشة…، لا غير.
⇐لا يستقيم أمر التوحيد إلا بحب الواحد الأحد سبحانه، ولا يكمل إيمان العبد إلا بمحبة محمد صلى الله عليه وسلم والدعوة أساسها الحب…، ولن تصل الرسالة المحمدية إلى القلوب إلا عن طريق الحب.